بمجرد أن شاهد العراقيون (صدام أفندي!) على شاشات التلفزيون قبل
أيام (وهو جالس في قفص الاتهام أوحى ذلك للجميع أن محاكمة هذا المجرم
وأعوانه من مرتزقة السياسة الدوليين قد بدأت إلا أن تصريحاً عراقياً
أعقب ذلك مشيراً إلى كون بدء المحاكمة بأوائل السنة القادمة 2005م قد
جمد الآمال الشعبية إذ لا مبرر قانوني أو سياسي أبداً من وقف استكمال
محاكمته من الآن.
ليس من الوارد ومن غير المعقول أن يكون العالم بكل بشريته مواكباً
أول بأول لما يجري بالعراق بهذه الدرجة المغالى بها فقد عودتنا أجهزة
الإعلام الحديثة وعبر كل نشاطاتها المنوعة وبالذات ما تبنته وتتبناه
بعض الفضائيات العربية خصوصاً وغيرها عموماً أن جعلت الاهتمام من قصة (صدام
وعصابته) ما يشبه قصة (عنتر وعبلة) حيث على الجميع أن يعرفوا ميل عنتر
لعبلة وبالعكس والمانع الذي حال دون زواجهما لسنين طويلة، والى آخر
القصة لكن في عالم صدام وعصابته فالمسألة لمعرفة الميل ودرجته في الحب
المصطنع بين صدام وعصابته وبالعكس فيها ألغاز والغاز ولن يستطيع أحد
حلها إلا إذا خدمته الصدفة التاريخية أو الأشخاص التاريخيين لمعرفة ما
حدث للعراق وكيف تم رسم خطوط المؤامرة عليه كـ(شعب) وكـ(وطن).
فقد أفردت وسائل الإعلام لمناسبة انتقال السلطة في العراق إلى
الحكومة العراقية المؤقتة مساحات واسعة من برامجها وأخبارها وتعليقاتها
مع أن الأمر وما فيه لا يتعدى أكثر من خبر لا يستحق كل هذا الاهتمام
عند غير العراقيين إلا أن التغطية الموسعة على أحداث العراق وبهذا
التركيز الكبير يجعل المرء المتابع كي يسأل لماذا لم تهتم أجهزة
الإعلام ذاتها ما كان يقع في العراق في عهد صدام وعصابته؟! ولماذا
ينحصر جل الاهتمام هذه الأيام أو خلال هذه الحقبة الزمنية على وجه
التحديد؟ والجواب؟
والتحليل الأفضل هو أن يحصر الجواب بين قوسين اسم صدام ذاته بعد أن
انكشف حقيقة المدافعين عن صدام حتى قبل أن تبدأ محاكمته وما الاستعداد
الواسع عند بعض رجال القانون في العالم العربي والعالم الغربي للدفاع
عن صدام إلا ويمثل صورة من أبشع صور السياسة في العالم فهؤلاء الذين
يدافعون عن صدام عبر أجهزة الإعلام المختلفة لا يدافعون عنه إلا تنفيذاً
لأمر استعماري باعتبارهم جواسيس لنفس البلد الغربي الذي عمل صدام وحكمه
الجاسوسي لصالح الدولة الاستعمارية المعروفة وأنهم في أحوالهم هذه التي
يدافعون بها عن صدام ما هي إلا خطوة منفذة لأمر استعماري صادر لهم وليس
باستطاعتهم رفضه أو التمرد عليه، أما في أتعس الظروف في إعطاء تحليل
ثانٍ ضمن الاحتمال الآخر الذي يتحرك على سكتة هؤلاء المدافعين فلا
يتعدى أكثر من إطار الارتزاق السياسي الذي من أول مهامه الدفاع عن الذي
كان يدفع لهم رواتب شهرية منتظمة من أجل تكحيل صورة صدام البشعة أمام
الرأي العام.
وحتى يتم الاستمرار لاستكمال محاكمة صدام وفريقه السياسي دون كلل أو
تلكؤ فينبغي التذكير أن حجة تشكيل المحكمة العراقية الخاصة بمحاكمة
صدام وفريقه السياسي على كونه إجراء لتشكيل غير مشروع فيمكن الإفادة أن
أغلب المحاكم الحاضرة في البلاد العربية (ربما تكون دون استثناء منها)
هي محاكم لا شرعية وإن كانت انتخابات قد تمت في بلدانهم فهي انتخابات
مزيفة فرضت حكوماتها فرضاً وأن من فاز بها سواء ممن فاز برئاسة الحكم
أو دون ذلك فهي انتخابات مقررة سلفاً لذا فلن يغير من الحقيقة شيء كون
أغلب حكومات العالم العربي هي حكومات (سيف وإرهاب) وليست (حكومات مد يد)
مصافحة مع شعوب العربية.
ولعل هذا ما يستدعي حقاً أن يتم التعامل مع المحكمة العراقية
المشكلة لمحاكمة صدام وأركان حكمه الاستعماري من باب المعاملة بالمثل
خصوصاً وأن أول خطوة تجيز ذلك إقران الأمر بتشكيل الحكومة المؤقتة في
العراق التي سن لها دستوراً تعمل بموجبه وأن الانتخابات المقرر إجراؤها
سوف تكون انتخابات ذات طابع عادي جداً ومن يدري فإن ما أنطلى (حتى الآن)
في انتخابات أجريت في العالم العربي وتم على أثرها تشكيل حكومات حكمت
وما زالت تحكم ضمن لعبة انتخابية كبرى هي في الواقع كذبة انتخابية كبرى،
أليس في انتخاب الشعب العراقي لـ(صدام) سابقاً وحصوله على نسبة (99.9%)
من الأصوات ما كان يثير الاشمئزاز حقاً؟
واليوم لماذا يتم التركيز على ضرورة أن تشكل المحكمة العراقية
الخاصة بعد إجراءات الانتخابات التي بالإمكان أن تغيب الحقيقة عنها كما
غيبت بأكثر من بلد عربي أو غير عربي.
إن الاعتراض على محكمة صدام التي شكلها العراقيون لمحاكمته رأي خال
من أي إنصاف وأن في تأجيل محاكمته بحجة الانتخابات هي حجة غير عملية إن
لم تكن باطلة ومنسوفة من الأساس إلا أن ما يمكن أن يعزى به شعب العراق
في ظهور فريق من مرتزقة القانون في العالم العربي وغيره الذين أبدوا
استعداداً للدفاع عن الجاسوس الغربي صدام وفريقه السياسي المشبوه أن
يعرف هذا الشعب العريق كم هو.. مستهدف حتى في محاولة منع محاسبته
لجلاديه. |