إن التعامل السياسي مع الحقائق في بلد قد نكب شعبه بحكم عصابة
سياسية استعمارية عميلة وفقدت كراسي حكمها فجأة بترتيب دراماتيكي لا
يعرف مدى غاياته السرية إن وجدت لهو أمر يدعوا إلى التفكر الطويل عما
هو مرسوم لمصير الشعب والوطن كما هو في ما آلت إليه الأوضاع في العراق.
وحتى لا تكون الحكومة العراقية المؤقتة ذات نهج ذو حدين يوالي
القوات الأنكلو – أمريكية موالاة سلبية لصالح قيادتيها في كل من لندن
وواشنطن بعد أن استلمت كما يفترض الحكومة المؤقتة زمام الأمور لإدارة
شؤون الدولة مؤخراً فإن ما لا يغيب عن البال أن هذه الحكومة قد استلمت
في حال قيادتها للوزارة الجديدة إرثاً كبيراً من القضايا والمشاكل بما
لا يحد له وتتنوع تلك القضايا والمشاكل على كل جوانب النشاطات السياسية
والعسكرية والاقتصادية والتربوية والعلمية والإعلامية والحضارية أيضاً.
فبعد استلام الحكومة المؤقتة لا ينكر أحد أن إعادة بناء الإنسان
العراقي من جديد يحتاج إلى سنين طويلة بعد أن أدت مؤامرة سلب مقومات
العيش في المجتمع العراقي طيلة فترة ناهزت العقدين من الزمن كان
الابتزاز والعنف هما معيار التعامل بأغلب الأحيان ولعل طرح سؤال من
قبيل ماذا يطمح العراقيون أن تقدمه لهم. الحكومة المؤقتة ربما يصل عند
معظم فئات الشعب لدرجة الاستغاثة إذ أن ما سيكون صعباً على أفراد شعب
العراق أن مطالبهم الحقيقية لضمان عيش كريم للفرد العراقي والعائلة
العراقية والمجتمع العراقي ينبغي أن تكون أموراً تحت أنظار وزراء
الحكومة المؤقتة إذ بدون توفر ذلك فإن الحديث عن حل أي مشكلة سيصبح
هراء في هراء.
إن المجتمع العراقي بحاجة فعلية قصوى كي تقرن الدعوات لإصلاح النفوس
ليس بإلقاء المواعظ فحسب بل أن تصاحب ذلك اتخاذ إجراءات قانونية رادعة
بكل من سولت له وتسول له نفسه بمعاداة الشعب العراقي وذلك عبر سماع صوت
أبناء الشعب العراقي بهذا الصدد، كما وأن على الحكومة المؤقتة أن لا
تطرب إذا ما سمع مسؤوليها ثناء لهم بل ينبغي أن يكون إصدار الثناء
للوزارة الجديدة ما تعتقد أنها تستحقه فلقد ظلت حقوق العراقيين
الأساسية محل شكوى بصمت طيلة فترة عهد صدام الاستعماري الغربي واليوم
فإن البطالة والفقر وبدء تصاعد الغلاء وعدم تدفق مستلزمات المعيشة
اليومية مثل توفير المياه النقية الصالحة للشرب وشحة الكهرباء الواصل
إلى البيوت تحتاج إلى معالجات سريعة كي يشعر المواطنون أنهم غير معرضين
للإهمال المتعمد.
وحتى تنجح الحكومة المؤقتة في أداء مهامها على أكمل وجه فينبغي أن
تختار حتى صغار موظفيها وعناصرها قدر الإمكان ووفقاً لتدقيق صحيح أن
يكونوا من النزهاء حقاً ويتعاملوا مع أبناء المجتمع العراقي من موقع
محبتهم وليس التعالي عليهم وهذا ما يستدعي أن يكون للقانون العراقي بكل
فروعه الأثر الذي تستند إليه مؤسسات الدولة في قراراتها.
من المؤكد ومن باب المقارنة أن أي حكم جديد في العراق سوف يكون أفضل
من حكم جواسيس الاستعمار الصداميين لذلك فإن وصف الحكومة العراقية
المؤقتة الحالية إذا ما وصفت بـ(حكومة جيدة) فلا ينبغي أن يكون ذلك
مدعاة للغرور بين قياديها ومسؤوليها إن العالم اليوم يتطلع إلى الحكم
الجديد في العراق والرأي العام العالمي لا تنطلي عليها الهيمنات السرية
على العديد من البلدان التي تسمى نفسها زوراً وكذباً بـ(المستقلة) لكن
تحرك الحكومة المؤقتة لاستحصال أكبر المكاسب الممكنة لصالح مجتمعها
العراقي هي غاية نبيلة يفضل أن تعبرها ولعل ما يبشر بخير أن الجهات
الدولية المانحة للعراق مازالت على عهدها بمساعدة العراق حتى تتم نهضته
من جديد ويقف بثقة على أرضية من السيادة الكاملة للبلاد.
لقد ولى عهد المضاربات السياسية التي كان ينتهجها نظام صدام البائد
حين كان ينزل عقاب الموت المنوع بالمواطنين الأبرياء تحت ادعاء الحرص
على تطبيق مبادئ القومية والأمن القومي والوطنية والمصلحة العامة والى
آخر هذه المصطلحات التي جعل منها النظام المقبور شعاراتاً تدعوا إلى
البكاء في بلد الحضارة الأول في العالم (العراق).
ومن التحديات الكبرى التي تواجهها حكومة العراق المؤقتة الحالية هو
إيجاد السبل القانونية السريعة لما يكفل تمثيل رأس نظام عصابة الحكم
البائد صدام ومعه كل فريقه السياسي من الظلمة وتقديمهم لمحاكمة عادلة
بأسرع وقت ممكن ودون الالتفات إلى تدخل مرتزقة السياسة الدولية في
الشأن العراقي وخصوصاً منهم أولئك المحامون من الجواسيس والمرتزقة
الدوليين الذين سيتكفلون الدفاع عن صدام المجرم.
إن العراق ينبغي أن يكون لأبنائه وقد آن الأوان لإعطاء معنى جديد
لحكم القانون في العراق الجديد. |