خلافاً لكل التوقعات السياسية غير المدروسة وتحت ضغط الرأي العام
العالمي الذي وضع قيادتا لندن وواشنطن فقد التزمتا ولو بشكل أولي
بتسليم زمام إدارة الدولة في العراق إلى الحكومة العراقية المؤقتة
اعتباراً من صباح يوم الاثنين 28/ حزيران/ 2004م بوقت تناقلت فيه
وكالات الأنباء العالمية مساء ذات اليوم عن خبر منقول ضمن تصريح
لـ(إياد علاوي) رئيس وزراء الحكومة الجديدة بأن أيام معدودة ستنتهي
وتسلم القوات البريطانية – الأمريكية السجين صدام ومعه (11) شخص من
فريق عمله السياسي لغرض تقديمهم إلى محاكمة عراقية عادلة.
ولإعطاء تفاصيل استكمالية حول خبر محاكمة صدام وتوفير التهيئة
القانونية والسياسية والأمنية اللازمة لإجراء مثل تلك المحكمة فقد قامت
إذاعة لندن B.B.C بإجراء عدة لقاءات ضمن برامجها الإخبارية لاستحصال
مزيد من الآراء حول مدى أحقية الحكومة العراقية المؤقتة في إجراء مثل
تلك المحكمة التي طال أمدها ولعل من أغرب ما طرحه أحدهم جواباً على مثل
هذا الاستفسار عن الأحقية واللاحقية أفاد متهماً الحكومة المؤقتة لعدم
جدارتها أو أهليتها القانونية لإجراء المحاكمة الآنفة التي ستشمل (11)
شخصاً من أفراد عصابة صدام أيضاً إضافة لشخصه وعلل ذلك كون الحكومة
المؤقتة هي الأخرى تعتبر أمتداداً لمجلس الحكم العراقي الانتقالي الذي
عينت أعضاءه سابقاً نفس القوات البريطانية والأمريكية المحتلة للعراق
مما يعني حسب ادعاء المتكلم أن هناك تابعية من قبل الحكومة العراقية
المؤقتة للقوى البريطانية والأمريكية وأنه طالب أن يكون ذلك بعد إجراء
الانتخابات في العراق ولعل مثل هذه التصريحات اللامسؤولة فيها الكثير
من التقافز على الحقائق التاريخية وحقيقة الاصطفافات السياسية التي
تدار من خلف الكواليس.
وهذه ليست المرة الأولى بل ربما تكون المرة الألف التي تستضيف بها
إذاعة لندن B.B.C مثل هذا الموديل من الذين يدلون بآراء سياسية وهم
يتجاهلون عن عمد أن نظام صدام وفريقه السياسي هو نظام استعماري
إمبريالي وأن رؤوس هذا النظام ابتداءً من صدام وما دون هم عملاء يعملون
في صالح السياسات الغربية وبالذات منها غير العادلة وهذا يعني أن نظام
صدام هو نظام ذو تبعية للسياسات الغربية السلبية في العراق وإذا ما تم
الإقرار أن هناك صلات بين قيادات في الحكومة العراقية المؤقتة مع قوى
غربية معروفة فإن هذا لا يعفي صدام وفريقه السياسي الفاشل من إجراء
محاكمة قانونية بحقه وأفراد عصابته الذين اقحموا أساساً المجال السياسي
بأمر غربي كما لا يخفى ذلك على الرأي العام في العراق وخارجه وأن موضوع
تبعية الحكومة العراقية المؤقتة للقوات البريطانية والأمريكية أن صحت
حقيقته بهذه الشمولية على سبيل الفرض أفلا يذكر ذلك بأن مثل هذا
التصريح يتنافى مع العدل حيث أن نظام صدام حين كان ينزل عقوبة الموت
بالمعارضة أو المشتبه بهم كـ(معارضين) لماذا لم يثر من أمثال هؤلاء
شيئاً في أجهزة الإعلام ومنها بالذات عبر إذاعة الـ B.B.C اللندنية عن
شبهة نظام صدام وتبعيته للغرب آنذاك.
فكيف يجيز ضيوف الـ B.B.C أو يسمح لهم أن يدلوا بآراء تجيز إدانة
الحكومة المؤقتة وتتهم بالتبعية للقوات الأنكلو – أمريكية ولم يتهم
نظام صدام وحكومته بتلك التبعية، هل هناك إنصاف في مثل هذا الطرح الذي
أصبح يفسح لكل من يستطيع الكلام على هواه ليتفوه بالانحياز لنظام تابع
للغرب يحجب هذا الحق عن نظام آخر تابع للغرب ذاته لو صحت التهمة ضد
الحكومة العراقية المؤقتة علماً أن من يقيم صلات سياسية من بين الحكومة
المؤقتة مع الغرب ليس كل أفراد هذه الحكومة لكن حكومات صدام المتعاقبة
في التكالب على سلطة الحكم في العراق كانوا فريقاً متكاملاً من
الجواسيس الذين يعملون لصالح تنفيذ السياسات الغربية ودون أي استثناء
لفرد منهم وإلا لماذا تم اختيار العراق من دون بلدان العالم ليكون تحت
رحمة الإرهاب الصدامي الفاشي حتى دون سبب معلن كأن يكون يشير إلى أن
السبب الفلاني هو السبب!
إن وحشية صدام وأفراد عصابته من الجواسيس والمرتزقة وبسبب تغيير
السياسات الدولية يقتضي سوقهم إلى محاكمة عادلة من أجل تصفية بؤر
السياسات المتنفذة في العراق في عهد النظام البائد المتهم بعدد من
التهم الإجرامية والإرهابية بما يصعب إحصاؤها كلها بعد أن طال الموت
والقتل والتشريد كل عوائل المجتمع العراقي من غير المصطفين مع أزلام
السلطة.
إن في صورة مستقبل العراق الآن إشراقة ولا بد من الحكومة العراقية
المؤقتة أن تثبت جدراتها قدر ما تستطيع من مكاسب لصالح شعب العراق
وتعمير الوطن العراقي فبإثبات الشخصية العراقية الوطنية بكل تفاوض ممكن
أن يحقق الطرف العراقي مكسب وراء مكسب وبطريقة سلمية حثيثة وذلك ضمن
التحرك السياسي الممكن لـ(الحكومة العراقية المؤقتة) وبذاك ستستقيم أول
خطوة على طريق العراق الجديد. |