عدم الثبات على موقف سياسي واضح قد يكون نهجاً لتنظيم سياسي معين أو
قد يكون سلوكاً لقيادي سياسي لا يبدو عليه التطرف إلا ما لا يخفى على
الانطباع السياسي العام إن الاصطفافات السياسية السرية منها والعلنية
هي التي تقف وراء ما يترافق ذلك مع الأحداث الجارية في العراق.
طبيعي أن مقولة (شر البلية ما يضحك) ممكن أن تنطبق على بعض السياسات
في العراق وبعض القادة إلا أن الخطورة الأكبر تكمن بهؤلاء الذين يصحبون
بين ليلة وضحاها سياسيين مع أي سلطة جائرة في العراق لهذا فإن الضحك
على العقل السياسي السلبي في العراق بقيت غير مبحوثة بشكل مؤثر على نهج
سياسات الحكومات الظالمة التي ظهرت في التاريخ العراقي المعاصر أكثر من
مرة، ففي الوقت الذي كانت فيه الضرورة الوطنية الحقة لدى أحزاب تعارض
النظام الجائر أن توظف نشاطها لاستشاطة الحكومات الظالمة لوحظ ومع كل
الأسف أن تنظيمات سياسية معينة كانت تؤكد دوماً على ضرورة إيجاد خطوط
اتصال مع الظالمين وهذا ما جعل شرائح اجتماعية واعية من الشعب العراقي
تجزع من بعض التحالفات السياسية التي وضعت العراق على (حافر حمار)
فمثلاً أن ما سمي بـ(جبهة الاتحاد الوطني) التي وقعت ميثاقها أربعة
أحزاب لم تكن جبهة وطنية متحدة على أسس خير العراق وما تسميتها لجبهة
الاتحاد الوطني إلا تعبيراً عن مجاملة سياسية في غير محلها كما ثبت من
خلال ما آل إليه مصير هذه الجبهة التي تبين أن المصالح الدولية
الخارجية هي تقود أهم قراراتها وبالسر ويمكن اعتبارها أنج تمثيلية
سياسية قد مررها الاستعمار البريطاني والاتحاد السوفيتي السابق كل من
جانبه على الرأي العام العراقي الذي استغلت طيبة شعبه.
وبعد كل ما حدث من نكد سياسي من قبل حكومة انقلاب سنة 1963م ضد
الشعب العراقي وقواه السياسية حليفة الأمس في جبهة الاتحاد الوطني
المنحلة حيث وصلت حالة الارتداد إلى تطبيق سياسات (كسر العظم) من قبل
الانقلابيين ضد عموم طبقات الشعب العراقي والذي كان أحد أسباب حدوث
حركة 18 تشرين الثاني 1963 ضد ذاك الانقلاب الدموي إلا أنه ما أن حلت
سنة 1968م وأصل الفريق السياسي الإجرامي الذي قاده أحمد حسن البكر إلى
دست الحكم بانقلاب استعماري مشبوه حتى بدأت التوجهات السياسية السلبية
تتجه نحو حالة من الاستقطاب العجيب فالفريق السياسي الانقلابي الجديد
في العراق رغم أنه نفس الفريق بكامل إرهابييه ومرتزقته وسرسريته قد حظي
بالاعتراف من لدن جهات سياسية كانت بالأساس متضررة من ذاك الفريق
المشبوه الذي كان (صدام التكريتي) أحد قادته الإرهابيين ومن سخرية
القدر السياسي في العراق أن تناست أحزاب الحركة الكردية العراقية أن
حكام انقلاب 1968 هم ذاتهم الذين شنوا الحرب العسكرية الشعواء ضد
الأكراد في فترة انقلاب 1963م فوقعوا مع الانقلابيين الجديد على وثيقة
– فخ بيان 11 آذار 1970 الذي كان قد وثق التزام الحكم العراقي بمنح
الأكراد حكماً ذاتياً والنتيجة الذي آل إليها الوضع معروفة حين جدد
النظام شن حرب أخرى ضدهم.
أما الحزب الشيوعي العراقي الذي وقع على القبول بقيادة الفريق
السياسي الذي سمي بـ(الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) فكانت قيادته
تعلم جيداً أنها اعترفت بأن يقود البلاد فريق السرسرية الذي يقوده كل
من البكر وصدام وما تترتب على ذاك الاتفاق من موالاة وتجاهل لموقف
السلطة الصدامية في معاداة الشعب العراقي منذ أن كان نائباً للبكر ولكن
ذلك الاتفاق المشين الذي أذاق العراقيين المآسي والويلات قد ساهم
مساهمة فعالة في تقوية شوكة النظام الصدامي إذ فتح له أبواب الدعم
الواسع الاشتراكية له رغم أن الإرهاب كان سمة الدولة في العراق آنذاك
لذلك فحين أن انفرط ميثاق تلك الجهة المشبوهة لم يؤسف عليها أحد ممكن
يملك أي نسبة ضئيلة من الضمير الحي.
وبعد زوال النظام الصدامي قبل أكثر من سنة ظهر حكم جديد في العراق
سمي بـ(الحكم الانتقالي) الذي قاده مجلس ائتلافي من معظم التنظيمات
والجهات السياسية المعروفة لكن معارضة من قبل (جيش المهدي) الذي تأسس
بعد زوال النظام البائد قد اختار أن يكون في صف المعارضة للتوجهات
الجديدة في العراق التي كان يقودها المجلس الآنف إلا أن هذا الجيش
سرعان ما غير موقفه من امتداد المجلس المذكور الذي تمثل الآن في تشكيلة
الحكومة العراقية المؤقتة التي ستأخذ على عاتقها زمام إدارة الدولة في
الأول من شهر تموز القادم 2004 ولصالحها وكان هذا التغيير لو حدث منذ
زهاء سنة مثلاً لكان أفضل أثراً على الوضع الداخلي العراقي 2004م. |