ظل الخطاب السياسي لقوى المعارضة العراقية مرتبكاً في مواقفه
المعلنة التي كانت مقتصرة على إدانة النظام السابق وتوجهاته المختلفة
وبدأ أن الثقة برأس النظام صدام وفريقه السياسي مفقوداً باستثناء القوى
التي سبق وكانت عبر مجاميع عناصرها من فرق النظام وأدوات قمعه ضد الشعب
العراقي.
وجوهر الخطاب السياسي للمعارضة العراقية بدأ واضحاً في دول المنافي
من كونه يفتش بين العراقيين المظلومين ممن أتيحت لهم فرص مغادرة العراق
(سفراً أو هروباً) كي يقتنعوا بذاك الجوهر الذي كان يأمل أن يحصل بين
هؤلاء العراقيين على أفراد يلتحقون بتنظيماتها ويتذكر مواطنوا العراق
بأكثر من منفى كيف أن ذاك الخطاب قد تغير أكثر من مرة وعلى أكثر من
محور فمثلاً أن حزباً علمانياً قديماً محدداً قد طرح شعار الكفاح
المسلح ضد النظام الصدامي لكن طرحه للشعار (وياللغرابة) قد أتى متأخراً
جداً وبذا فإن أغلب العراقيين الواعين قد شككوا بجدية ذاك الشعار
واعتبروه بوقت مبكر على كونه (للاستهلاك السياسي).
وكان أكثر من حزب ديني – إسلامي قد طرح لمدة تجاوزت العشر سنوات
مسألة (العراق الإسلامي) وكان ذاك الشعار بمثابة استفزاز للعراقيين
المسلمين الحقيقيين قبل غيرهم إذ كان الغاية من ذاك الشعار غير العملي
والمرفوض أصلاً أن يتم جلب فرد مسلم غير عراقي كي يحكم العراق تحت حجة
أن العراق بلد إسلامي، واستغلت تلك الأحزاب فرصة تجبر النظام الصدامي
واستغلاله السلطة وامكاناتها المادية في العراق وما ساندها من قوة
بشرية عراقية جاهلية باعت ضمائرها للشيطان صدام وفريق شياطينه العملاء
ووقفت (بكل صلافة) في الصف المعادي للشعب العراقي ومصالحه الحيوية ولكن
حتى إذا ما صفق النظام الصدامي بعد هزيمة الكويت الشنيعة التي ألمت به
الخيبة والعار جراء ما ألحقه بالكويت من جرائم وأضرار حتى تغيرت نغمة
تلك القوى الدينية، المعارضة إلى نقطة التأكيد على نغمة المحلية
الإسلامية العراقية إذ من المعلوم أن المعارضة العراقية في شعورها
الأول لم تستطع أن تجعل المسلمين في العالم طرفاً لجانبها في النزاع
المفترض مع النظام البائد.
وبين ظرف سياسي وأخر فوجئت جماهير المنفى من العراقيين أن قيادات
وكوادر وقواعد عديدة من أحزاب المعارضة العراقية (ودون أي استثناء حول
توجهات كل حزب) قد بدأت بدبيب التحرك نحو الغرب بوقت كانت فيه تحث
العوائل العراقية في المنفى أن تبقى في البلدان غير الغربية بسبب كون
الحياة في الغرب ليس فيها غير الخراب النفسي والأخلاقي وحتى إذا ما
فتحت مكاتب عديدة لأحزاب المعارضة العراقية في عواصم الغرب التي كانت
حتى الأمس القريب متهمة بكونها هي التي أوصلت كتلة البكر – الصدام إلى
الحكم وهي التي تمده بعصب القوة والتجبر في العراق أزداد اللغز غموضاً
لمعرفة ما يحدث خلف الكواليس فقد تم غض النظر تماماً عما يمكن أن يعنيه
الوجود الكثيف للمعارضة العراقية ورموزها السياسية في عاصمة بريطانيا –
لندن حيث كانت المعارضة تصدر حتى صحفها من هناك وثم تصدر إلى البلدان
الأخرى ومنها بلدان عربية.
ورغم هذا الكم في تغيير المواقف التي يبررها البعض بكونها تغييرات
لا بد منها فإن كرامة العائلة العراقية كانت في الداخل العراقي قد سلبت
منها مقومات العيش الكريم في حين عملت دول على فرض حصارات من نوع آخر
على العراقيين بأكثر من منفى وبذاك رخص دم الإنسان العراقي في المنافي
وتعرض خيرة أبناء العراق إلى العوز والإذلال والمهانة والمحاربة في
الرزق والعلم في حين ظهرت طبقة من بين ظهران عراقيو المنافي بكونها
طبقة غنية تبني العمارات الشاهقة وتفتح المشاريع التجارية التي تدر
عليها أرباحاً خيالية بما لم تكن تحلم بتحقيقه حتى حينما كان أفرادها
داخل بلادهم العراق وامتازت تلك الطبقة بقوة علاقاتها السياسية مع بضع
دول المنفى بعد أن أجاز أفرادها لأنفسهم أن يكونوا جواسيس لتلك الدول
ولكن ضد من؟ أنهم قد أصبحوا ضد الشعب العراقي في المنفى وبذاك فقد نكث
عدد من الأحزاب المعارضة ما قامت على أساسه من ادعاء مبادئ مقاومة
النظام الصدامي.
ودون سابق إنذار اتفقت المعارضة العراقية أو هكذا بدى المشهد قبل
الأخير للمعارضة العراقية حين بدأت مؤتمرات التنسيق فيما بين أحزابها
وحركاتها تجري لقاءاتها في ظل دول غربية ترعاها وقيل حينها المهم هو
تغيير النظام بواسطة الغرب ومع الاعتراف أن كل أحزاب المعارضة لها
تحفظاتها على المرامي الغربية في العراق.
وحين أستطاع الغرب من إزاحة سلطة صدام الفاشية عن الحكم في العراق
الذي أصبح محتلاً من قبل القوات البريطانية والأمريكية وتوابعها من
جيوش أخرى لم تستطع جهات المعارضة العراقية من إثبات وجودها كـ(أطراف
فاعلة) في عملية التغيير وبدت العديد من التنظيمات السياسية وكأنها
تأخذ أوامرها من المحتلين الجدد بعد زوال المحتل القديم للعراق الجاسوس
صدام وعملاء فريقه السياسي المعتمد استعمارياً.
وكل هذا يتطلب من قوى المعارضة اليوم كي تثبت أن لها إيثاراً في
تثبيت أحقية العراقيين لما يريدوه على أرض وطنهم وأن تكون أي حكومة
عراقية لهم وليس على مصالحهم الحيوية. |