ليس عيباً إذا كان مجتمع ما يعاني من قصور في معرفة السياسات
المرسومة لبلده خصوصاً إذا كانت سياسات تحاط بسياج من الخطط السرية،
ولكن العيب أن يفكر المجتمع بازدواجية قاتلة بحيث يصبح ريشة في مهب
رياح الجرائم السياسية كما حدث طيلة زهاء (35) سنة كان الإرهاب الصدامي
هو سيد النهج السياسي في العراق.
وبعيداً عن المشهد السياسي الجنائي الذي بقي متكرراً في سماء العراق
خلال حقبة انقلاب شباط 1963م الاستعماري وانقلاب تموز 1968م الإمبريالي
وقول كلمة المجتمع العراقي بحق الانقلابيين الآنفين إلا أن ما يؤسف له
أن انقلاب 1963م الذي كان فالساً معنوياً أمام الرأي العام العراقي
بسبب تركيبة قادته وأزلامه وما عُرف عنهم من دونية المستوى السياسي
والأخلاقي واعتماد ذاك الانقلاب الدموي على عصابات اختيروا أفرادها من
أخس حثالة المجتمع العراقي كل ذلك مما كان سبباً لسقوط حكمهم شر سقوط
في تشرين الأول من نفس السنة 1963م حيث أمتاز ذلك النظام بعدم وجود أي
شعبية له.
لكن ذاكرة الشعب العراقي المتقدة عن نهج انقلاب 1968 الذي تراوح
بأول عهده بالحكم بتقديم مكاسب بدت وكأنها ستكون حقيقية وتكفل طوي
الماضي السياسي المخزي لتاريخ الانقلابيين سنة 1963م لكن مثل هذا
التطلع الذي أمتاز بطيبة العراقيين لم يكن في محله فقد كانت المؤامرة
الاستعمارية التي أكفل الانقلابيين تنفيذها ضد العراقيين قد انطلت على
الكثيرين بسبب قلة الوعي السياسي المتفشي في العراق وما كان يعانيه
مجتمعه من حالة شبه مجاعة عند قيام انقلاب 1968 بسبب تصدير النفط
العراقي إلى المستعمرين دون أن يسجل أحد ذلك على حساب دولهم إلا بشكل
رمزي لغرض التغطية وكأن العراق يصدر ثروته النفطية إلى الخارج بصورة
طبيعية.
طبيعي أن قضايا العراق مع المستعمرين لم يكن من سهولة ملاحقتها فقد
تمت عمليات هدر مليارات الدولارات عن الخزينة العراقية بحسبما تلاعب
بذلك الانقلابيون وكان العديد من العراقيين ينظرون بأم أعينهم أن آثار
النعمة قد بدت على أزلام النظام وعصاباته المنتشرة في طول وعرض البلاد
لكن التطلعات السياسية لدى المجتمع على قوة النظام وبطشه فيها من ضعف
الموقف ما شجع على أن يستمر النظام وفريقه السياسي الإرهابي أكثر في
استخراد الأوضاع، ولحد الآن لا أحد يدري كيف قبل أناس عراقيون كانوا
يتسمون بالخلق الرفيع حين أجازوا لأنفسهم وبكل صلافة وأصبحوا من أدوات
النظام والغريب ولتبرير اصطفافهم المخزي كانوا يتبجحون بأن للنظام
مبادئ وأن أي مخالفة تقع لا يمكن أن تحتسب على مواقف الحكم وكأن الحكم
الصدامي ليس ذاته الذي كان أحياناً يعرب عن نوايا معاداته للعراق شعباً
ووطناً عبر ما كان يصدره من قوانين وتعليمات وتوجيهات إضافة لتوريطات
حروب داخلية وخارجية طويلة الأمد حتى غدت ساحات العراق طيلة فترة حكم
البكر – صدام (الملعونان من قبل شعب العراق) لا أمان لأي مواطن فيها.
وبلغ سهم الجهل السياسي لدى البعض في العراق مرحلة فاعلة حين صدق
ذاك البعض وكأن صدام وفريقه السياسي على خلاف مع الغرب في حين كان
الحال يقتضي استكشاف فرص ما يدور في الكواليس من أمور إلا أن اهتزاز
المعارضة العراقية التي يفترض أن تكون مقربة من حيث امتلاك المعلومات
لمعرفة كل نقاط القوة والضعف لدى النظام كي تتحرك على أساسها لقلب نظام
الحكم لكنها كانت معارضة أعجز من أن تقوم ولو على سبيل المجازفة
المطلوبة لتلك المهمة المشرفة بوقت كان فيه النظام يتجبر أكثر في
استخدام آلته القمعية ضد المجتمع العراقي دون تمييز.
لقد عانت التطلعات السياسية لدى العراقيين خلال فترة حكم صدام
وفريقه السياسي الإجرامي من نقص في محاكاة الوقائع والأحداث السياسية
العراقية وعلاقة ذلك بالتطورات العالمية حتى إذا ما سقط النظام سقطت
أقنعة الكثير من الناس ممن استرخصوا أنفسهم حيث وضعوها في خدمة تنفيذ
سياسات النظام المعادية لمصالح العراق بيد أن كلمة (لا) واحدة لم يقلها
أي سياسي في العراق بوجه الجاسوس الذي يترأس سلطة الإرهاب في البلاد (صدام
التكريتي).
إن العقل السياسي العراقي بحاجة حقاً لإعادة تأهيل إذ أن ما لا يمكن
تفسيره كيف أن النظام بكل فاشيته وجرائمه أستطاع أن يجد أكثر من (4)
موالي له وأدوا لصالحه كل ما طلبه منهم ودون أي اعتراض. واليوم وحيث أن
مقتضيات الظرف السياسي الحالي يتطلب عدم إعطاء أي تقييم إيجابي أو سلبي
للحكومة العراقية المؤقتة إلا بما سيقترن بأعمالها الحقيقية مع عدم
إغفال الأعمال عن تأييد وتشجيع إيجابية لها ولكن بعيون مفتوحة. |