لا أحد يدري أي مستقبل ينتظر العراق الجديد الذي ربما سيكون جديداً
في نوع تخريب ما تبقى به ومثل هذا الحذر ويمكن أن يبرره (مسلسل الدم)
الجاري في العراق الذي يتعرض اليوم لأبشع حوادث الإرهاب من قبل أعدائه
المعروفين واللامعروفين الهوية وتلك إحدى مصائب القضية العراقية
الراهنة.
وقضية التفجيرات والاغتيالات الواقعة على شعب وادي الرافدين مازال
يحيط بها الكثير من الألغاز فـ(نيرون تكريت – صدام) الذي حارب الشعب
العراقي بكل أنواع الجرائم السياسية وغيرها وأوصل رموزاً خيرة في
المجتمع العراقي إلى نقطة الصفر من حيث المعيشة وسلب الكرامة بعد أن
سادت قوى جريمة الدولة في العراق على عهد نيرون (الجديد هذا إلى
مستويات لا تصدق ولعل من المفارقة السياسية العجيبة التي جعلت كل
العراقيين تحت قبضة النظام الصدامي وفريق سرسريته من الدخلاء على عالم
السياسة بالعراق تحت عنوان الضرورات القومية التي لم يعرف عنها
العراقيون شيئاً إذ كان كل من مصطلح (العرب أو العروبة) غير واضحان
المعنى أو القصد منهما على عهد النظام السابق المباد والغريب أن أثر
فعل ذلك النظام مازال يتفاعل بكل سلبياته على مستوى العراق إلا أن مالا
يعقل أن يكون ما يحدث الآن داخل العراق سببه فلول السابقة فحسب إذ من
المستحيل تخيل أوضاع التفجيرات داخل البلاد أمراً خالياً من أي غاية.
فخطر تقسيم العراق أمراً مازال يتفاعل في العقول سواء تحقق شعار
الفدرالية للعراق أم لم يتحقق فكل ما سيأتي أو يجري على العراق هو بلا
عنوان مناسب الآن ولعل الإرهاب الراهن في العراق هو سلاح لا منظور
مازال بيد أعداء الشعب العراقي في داخل البلاد والعراق الذي مازال
المتابعون من غير العراقيين يعتبرونه من أكثر بلدان العالم حضارية إلا
أنه وعلى الصعيد العملي فليس هناك ما يشير على ارض الواقع أن هناك حرصاً
كي يبقى اسم العراق حضارياً.
وحيثما يعد الإرهاب أكبر تحدٍ يواجه العراق الجديد فإن من الغريب
حقاً أن لا تكون هناك التفاتة ملائمة يمكن بواسطتها القضاء على
العمليات الإرهابية إذ من المعلوم أن أجواء السلم داخل البلاد يمكن أن
توفر انطلاقات حقيقية كي يستعيد العراق عافيته السياسية التي حُرم منها
طيلة فترة حكم عصابة صدام الذي شهد حالة من التكالب على خيرات البلاد
وامتيازات الدولة من قبل تلك العصابة الرهيبة بعد أن لم تدع إنساناً أو
عائلة أو جهة تفلت منها فالتجاوز على حقوق الشعب وعلى حقوق الآخرين في
الجوار والاعتداء على حياتهم وسلب أموالهم كانت ومازالت مشاكل قد
أبقاها النظام السابق لتكون لعبة للضغط على العراق في المستقبل.
من المؤكد أن إحداث نقلة نوعية في الحكم العراقي لا يمكن أن تتحقق
في ظل ظروف تعميم الإرهاب والأصعب من ذلك أن حكومة (إياد علاوي)
المؤقتة بدأت منذ الآن (قبل أن تمارس مهامها الوزارية في أول تموز
القادم أي بعد زهاء أقل من عشرة أيام تدرك أن ما سيواجهه العراق من
تحديات كبرى سوف تجمد كل البرامج لتكون الحكومة بما في ذلك برامج
التنمية وتطبيق الديمقراطية وممارسة الحياة البرلمانية وغيرها من عناصر
القوة في الدولة الحديثة وعلى أساس من هذا الإرث السياسي لمجمل الأوضاع
العراقية أدلى (علاوي) مؤخراً وعلى عجل الدول العربية كي تساهم في
القضاء على عمليات الإرهاب في العراق إذ لا يعقل أن تبقى تلك العمليات
مستمرة ولا أحد يعرف تماماً مصدرها رغم أن ما يخشى من استمرارية
العمليات المذكورة أن يعقبها فرض شروط على الحكومة العراقية.
لذلك يمكن القول أن ما خصصته واشنطن من مبلغ وصل إلى ما زاد على (3
مليارات) دولار لإنشاء قوة أمنية في العراق سوف لن يعني شيئاً إذا لم
تحسن الحكومة المؤقتة كيف توظف هذا المبلغ لصالح استتباب الأمن داخل
البلاد.
ولعل من تعاسة الأمور المفروضة على العراق الراهن أن الإرهاب
السياسي الجاري لتنفيذ عملياته داخل البلد.. يتستر تارة داخل حلقة
المواقف القومية وأخرى بالإسلام لكن الواقع في كلا التبريرين لا أساس
له لا من هذه ولا من ذاك، وربما أمكن ربط لغز عدم إلقاء القبض على (عزت
إبراهيم الدوري) حتى الآن كـ(موضوع ربما اعتبره البعض تافهاً) أن يعطي
معناً أكبر مما قد يمر في المخيلة السياسية العراقية أو العربية أو حتى
الإسلامية وربما سيصبح هذا الموضوع مدعاة لشيء سلبي وكبير بالعراق بوقت
لاحق.
إن ثمة أمور مبهمة ترسم للعراق المقبل كما يبدو.. ومما ينبغي عدم
إغفاله بهذا الشأن أن أولوية قصوى لم يفكر أحد باتخاذها عملياً من أجل
إرساء أركان الدولة العراقية الوطنية إلا أن حلول الأول من تموز 2004م
القادم سيكون مناسبة لاختيار الجدارة على كيفية إدارة الصراع في العراق. |