لأول مرة بعد انقضاء (35) سنة على حكم الإرهابيين وبعد سنة من سقوط
رموزه الصداميين وفريقهم السياسي المشبوه ولمناسبة الإعلان عن بدء عمل
الحكومة المؤقتة بالعراق أخذ شيء من انتعاش الآمال لدى المجتمع العراقي
يأخذ موقعه في النفوس.
والعراق الجديد كيفما سيكون الحال فيه فهو أفضل بما لا يقاس مقارنة
مع الفترة الصدامية المظلمة إذ تسود اليوم داخل البلاد أنفاس من
التعابير عن الرأي الحر فالصحف العراقية تملأ أعدادها أرصفة الشوارع
عند باعة الصحف إضافة لعرضها يومياً على واجهات المكتبات والأكشاك وكان
لمجلس الحكم الانتقالي السابق الفضل بدرجة ما في الدعم المعنوي لصدور
تلك الدوريات من الصحف العراقية بوقت مازال العراقيون يعتبرونها ظاهرة
ثقافية صحية.
ومن محاسن المرحلة الحالية أن بوادر بدأت تظهر على السطح الاجتماعي
العام في العراق وكلها تبشر أن لـ(مبدأ الاعتماد على الذات العراقية)
سيكون هناك شأناً كبيراً فإصدار الدستور المؤقت الذي ستعمل الحكومة
المؤقتة العراقية اعتباراً من أول تموز القادم أي بعد زهاء ثلاثة
أسابيع ولفترة مقررة تنتهي عند نهاية السنة الجارية 2004م سيسهل الكثير
من تنظيم أمور الدولة العراقية الجديدة إذ يعد التزام المسؤولين
الحكوميين ببنود الدستور الآنف خطوة فوق حالة الفوضى التي سادت الوضع
العراقي إبان فترة ما بعد سقوط نظام صدام وعصابته.
وترسيخ الديمقراطية في العراق إذ يبقى مطلباً شعبياً ملحاً فإن ما
لا يمكن نكرانه أن خطوات فعالية أخذت هي الأخرى تثبت وجودها على الساحة
العراقية بهذا الشأن فلأول مرة في تاريخ العراق الحديث تجري استطلاعات
لاستشفاف الرأي في البلاد وهذه خطوة متقدمة مع عاديتها إلا أنها كانت
من ضمن مستحيلات التفكير أن تتحقق في ظل النظام المقبور ففي استطلاع
أجراه مركز (فكري) لاستطلاعات الرأي في العراق بالتعاون مع صحيفة
الأهالي البغدادية ونشر مؤخراً تبين أن (4776) مشاركاً ومشاركة ممن
زادت أعمارهم على 18 سنة شاركوا في استطلاع فيما إذا كان مجلس الحكم
الانتقالي السابق جدير على الترشيح ليحكم العراق خلال الفترة
الانتقالية الحالية التي ستنتهي في 31/12/2004م قال (65%) بـ(نعم) في
حين أفاد (34%) منهم بـ(لا) وكانت نسبة ممن لم يعربوا عن أي رأي هي
(1%) ولعل تشكيل الحكومة المؤقتة من أعضاء مجلس الحكم السابق على
الغالب كانت سبباً شجع قرار اختيار غالبية أعضاء الحكومة المؤقتة من
بين هؤلاء في حين بقي موضوع المشاركات الأخرى مفتوحاً أمام الجميع.
كما كشف استطلاع آخر نشر حديثاً: أن غالبية الشعب العراقي تريد رحيل
القوات الأجنبية عن الأراضي العراقية فوراً في حين أكد الرأي العام
العراقي على ضرورة انبثاق سلطة مركزية ببغداد تثبت جداراتها الإجرائية
في أمور تنفيذ قوانين الدولة الجديدة.
وجاء في الاستطلاع الآنف أيضاً الذي جرى بين 9 و28 شباط الماضي
2004م شاملاً (2737) عراقياً أن (49%) من المشاركين يعتقدون أن الغزو
الأمريكي البريطاني لبلادهم كان (صائباً).
ومما جاء في الاستطلاع الذي أجري لحساب شبكة التلفزة الأمريكية (أي
بي سي) والتلفزيون الألماني (أي ار دي) وتلفزيون هيئة الإذاعة
البريطانية (B.B.C) وتلفزيون (ان اتش كي) الياباني أن نحو (57%) من
المستطلعين اعتبروا أن حياتهم أصبحت أفضل الآن مما كانت عليه الأوضاع
في عهد الرئيس المخلوع صدام.
من خلال التمحيص الأولي للأوضاع العراقية الراهنة الأخرى وبالذات ما
يتعلق بمآلات الوضعين السياسي والاقتصادي في العراق الآن باتا أفضل
الآن عما كانا عليه في حقبة النظام السابق إلا أن قضية الأمن العام
وسلامة أرواح وممتلكات الناس مازالت الشغل الشاغل إذ أكد (40.8%) من
المستطلعين أن هناك ارتفاع بنسبة الجريمة في العراق وهذه قضية تعتبر
أكثر إلحاحاً التي تواجهه الحكومة المؤقتة.
لقد كان رأي المجتمع العراقي ومازال متداولاً بين الناس بشكل حر من
كون (أن سقوط الدكتاتورية كان بمثابة الحد الفاصل بين تاريخين أو عهدين..
وعهد جديد تنعم فيه بالديمقراطية، بغض النظر عما إذا كانت هذه
الديمقراطية هي من صميم الأمريكان أو مستوردة من الغرب أم أنها مستنسخة
من ديمقراطيات سبقتنا في مناطق أخرى في العالم..)
والمهم الآن هو أن آفاقاً سياسية جادة بدأت آخذة بالازدياد فعلاً من
أجل ضمان ممارسة الحقوق الديمقراطية وفقاً للدستور والمواطنون يأملون
أن تكون مناسبة بدء العمل المسؤول من قبل الوزارة المؤقتة وإشراك كل
مخلصي العراق في المسيرة التاريخية الجديدة لبلادهم. |