منذ بدء تفعيل العلاقات الدبلوماسية بين دول الغرب والعراق التي
بدأت بصورة غير ملفتة للنظر عند حلول الربع الأخير من القرن التاسع حيث
تم افتتاح مقرات لبعض القنصليات في بغداد على عهد الحاكم العثماني
آنذاك كالقنصلية الألمانية وغيرها أخذت اهتمامات الغرب للعراق تأخذ
أشكالاً أكثر جلاءً وبالذات في المجال التجاري.
وحيث أن العراق كان بمثابة همزة الوصل بين الهند والبلدان الغربية
إلا أن المنتوجات العراقية وخصوصاً من الحبوب والفواكه المجففة لم يكن
إلا مناسبة ليوظف الغرب القديم عبر بعض دوله التي كانت تتطلع لموضع قدم
استعماري في العراق حتى ليكاد القول أن أكثر من دولة غربية استعمارية
كانت قد وضعت (اسم العراق) على قائمة أولويات مخططاتها لاحتلال العراق
وبالذات بعد أن لعب مد خط سكك الحديد من أوروبا مروراً بمدينة الموصل
وبغداد والبصرة دوراً فاعلاً في تنشيط الحركة التجارية بواسطة عدة
شركات غربية تحمل عدة جنسيات منها مثلاً (شركة بيت لينج) وغيرها.
وفي خضم اندلاع الحرب العالمية الأولى كانت اللعنة السياسية الغربية
قد توجهت بكل ما تضمنته من بطلان وتجاوز واعتداء على حق الشعب العراقي
أن يعيش حراً على أرض وطنه فتم احتلال العراق وتم تقطيع أوصال العديد
من الدول من قبل المنتصرين في تلك الحرب الرهيبة وكان أن دفع الشعب
العراقي الحصة الأكبر من التضحيات سواء في نفوسه أو من سيادته التي
أصبحت في (خبر كان).
إلا أن المستعمرين لم يكونوا في منأى عن الشعور بأن الشعب العراقي
يمقتهم ويرفض استمرار تواجدهم اللامشروع على أرض وطنهم إذ لم يهدأ بال
أحرار العراق من المطالبات المستمرة بطرق عدة كي يسترجعوا الاستقلال
لبلادهم، ولعل هذا ما جعل أن يتوجه المستعمرون بأن يهتموا قليلاً
بالاهتمام بما يمكن أن يكسب العراقيين ولو الحد الأدنى من بعض الحقوق
فشهد العراق شيئاً من الانفتاح على العالم الخارجي بأكثر من مجال كما
وظفت بعض الجهود من أجل ما يليق ولو بنسبة متواضعة لأجل الصالح العراقي
العام لكن التقصير في مجالات الصحة والتحكم بمصائر البلاد وفقدان
السيادة كان واضحاً للعيان إبان فترة العهد الملكي إذ كان العراق مكبلاً
بمعاهدات عسكرية وغيرها تجيز إبقاء التواجد العسكري البريطاني في
العراق كما كان العراق الملكي قد وقع على معاهدة تعاون عسكري مع
الولايات المتحدة الأمريكية وكان للجيشين البريطاني والأمريكي تبعاً
لتلك المعاهدات تواجداً ظاهراً في معسكر الحبانية وغيره.
ومما لا شك فيه أن التفكير الغربي آنذاك لتكون العراق قاعدة
للانطلاق بالتحرش (الهجوم أو الدفاع) لأسباب إقليمية وراء ذلك التواجد
العسكري الآنف رغم أن موقف الشعب العراقي كان واضحاً مما يجري خلافاً
لرغباته وشعوره الثابت أن البلاد قد أصبحت تحت قبضة الغربيين المعنيين
وتحت حجة معلنة أدعوها بكونهم حذرين من احتلال الاتحاد السوفيتي السابق
للعراق ولمناطق النفوذ الغربي في كل من العراق ومنطقة الخليج – إلا أن
استقبار الاتحاد السوفيتي وإنهاء دوره السياسي الخارجي الذي تم في
أوائل التسعينيات قد جعل الغرب يشعر تماماً أنه قد تخلص من منافس دولي
عنيد بحكم الخلاف الذي كان قائماً بين المعسكرين الرأسمالي الغربي
والاشتراكي الشرقي ولعل هذا ما يمكن أن جعل الاعتقاد ممكناً بضرورة
تغيير التوجهات السياسية في عموم علاقات الغرب الخارجية مع الدول
الأخرى ومنها العراق الذي كان يحكمه صدام وفريقه السياسي الإجرامي
الدولي.
وتجلت التوجهات الجديدة للسياسات الغربية مع العالم الخارجي عبر طرح
مبدأ (عولمة الكون) وتصفية بؤر التوتر والإرهاب الدولي الذي مثله نظام
صدام السابق على أوضح تمثيل وهكذا بدأ طلاق الغرب مع نظام صدام حين
اقتضت التوجهات الغربية الالتفات إلى مصالح كل الغرب في المنطقة
العربية – الإسلامية كي يتم المستحيل حتى يُزال نظام صدام ويقبر وإلى
الأبد.
وبانتهاء حكم المؤامرة الصدامية في العراق وتشكيل الحكم الجديد فيه
منذ أكثر من سنة الذي انتهى مؤخراً إلى تشكيل الحكومة المؤقتة والتي
يقدر لها أن تكون في مستوى أداء المسؤولية الوطنية والعراقيون بعد صدور
اعتراف مجلس الأمن الدولي الأخير وهو أعلى سلطة دولية من هيئة الأمم
المتحدة والخاص بقرار إعادة السيادة الكاملة، للعراق اعتباراً من شهر
تموز القادم 2004م تكون سياسات الغرب الخارجية مع العراق قد سلكت
الخطوة الصحيحة لبناء علاقة متكافئة بين العراق ودول العالم. |