لا شك أن ما هو مرسوم من خطط معلنة لعراق المستقبل بحسب ما تعلنه
وتؤكد عليه قوى التحالف – الاحتلال الأنكلو أمريكية فيه الكثير من الذي
يناسب تطلعات الشعب العراقي بهذه المرحلة إذا كان ما تتفوه به
القيادتين البريطانية والأمريكية هو ضمن علاقة سمياها بسياسة العالم
الجديد الخالي من أي توجهات استعمارية.
وبديهي فعالم السياسة وتجاربها المرة التي أذاقت الشعوب الأمرين
خلال القرن العشرين الماضي وآثار تلك السياسة المباغتة التي كانت كاذبة
في وعودها من قبل الغربيين بحاجة اليوم إلى إثبات مصداقية سياسة العالم
الجديد وعولمته ولكن على المحك العملي وليس التنظيري.
إن قراءة خطط الدولتان العسكريتان بريطانيا وأمريكا اللتان تحتلان
العراق الآن ليست مسألة ميسورة هذه المرة التي تدعي بها الدولتان
الآنفتان أنهما جاءتا لتحرير العراق وتطلبان من الشعب العراقي أن يصدق
ذلك وهذا ما يذكر بنسبة ما بادعاء بريطانيا أنها جاءت لفتح العراق لا
لاحتلاله حين دخلت جيوشها العراق بعيد الحرب العالمية الأولى وثم
تنكرها لما أدعته بعد السيطرة العسكرية التي فرضتها آنذاك على العراق
والتي أسفرت لتنظيم شؤون سيطرتها بواسطة حكومة ملكية كانت قد أسستها
سنة 1921م كما هو معروف تاريخياً.
إن ترضية الشعب العراقي ينبغي أن تكون هي الأساس في أي توجه غربي
وبدون أخذ هذه الترضية بكل الاعتبارات فإن بريطانيا وأمريكا ليسا
وحدهما اللذان سيخسران صداقة الشعب العراقي بل الغرب برمته إذ أن عدم
الإيفاء بتنفيذ سياسة العولمة على أساس إيجابي أي دون أي مصادرة لحقوق
الشعب العراقي سوف يبرز أمام العالم أجمع أن (أطروحة العولمة الغربية)
ما هي إلا أكذوبة وبديهي فإن الذاكرة تحتفظ بعشرات الأمثلة التي خان
بها الغرب وعوده أو غامر في عملياته العسكرية في البلدان الأخرى لكن
العراق شيء آخر فالحرب الأمريكية الغربية في فيتنام في ستينيات القرن
العشرين الماضي رغم أنها انتهت لصالح الشعب الفيتنامي الذي أستطاع طرد
القوة العسكرية وماكنة الغرب من بلاده لكن العراق يختلف عن فيتنام كونه
مصدر عالمي للنفط على أقل تقدير وأن المعادلة فيه ما لم تتوازن فإن
الخلل الذي يسببه العراق ينعكس مباشرة على الأوضاع الاقتصادية
والاجتماعية في مختلف بلدان العالم.
من هنا فإن المرحلة المقبلة التي مقرر أن تحكم العراق هي أخطر مما
كانت عليه الأحوال منذ سقوط نظام الصنم الغربي صدام ولعل ما يتوجب على
السياسات الغربية التي تقودها قوى الاحتلال بالعراق بريطانيا وأمريكا
هي أن تستوعب فقط ما يرضي العراقيين ويوافقوا عليه وهناك حقيقة ينبغي
أن يفهمها المتابعون للشعب العراقي بأن مرتزقة النظام السابق وذيولهم
من المصفقين له طيلة 35 سنة الماضية لم يكونوا يمثلوا سوى أنفسهم ولا
يمثلوا الشعب العراقي في شيء وهذا يعني ضرورة أن لا يبني الغرب آماله
على هؤلاء المرتزقة الناقصين الساقطين سياسياً وهم بمجموعهم يمثلون
أقلية سياسية قياساً لمجاميع المواطنين العراقيين المستقلين مثلاً.
إن الإنسان العراقي اليوم ومن خلال استيعابه لألاعيب السياسات
المحلية والإقليمية والدولية قد اقترب كثيراً من التعامل الإيجابي أكثر
وركز نسبة عالية من هواجسه ولديه الرغبة أن يعطي فرصة حقيقية للغرب كي
يصحح من سياساته السابقة في العراق، ويمكن الإشارة بمعنى من المعاني أن
الغرب الذي يعتبر اليوم قوة عسكرية لا تجارى على المستوى الدولي يعاني
من نخر في بنيانه الداخلي ولا توجد دولة غربية مستثناة من نسبة نخر في
كيانها وهذا ما ينبغي أن يشجع أن تكون التوجهات الغربية عموماً لإقامة
علاقات متكافئة لضمان علاقة أفضل بين الغربيين والمجتمعات النامية وعلى
أساس إنساني بدلاً أن يترك الغرب العلاقات الدولية الحاضرة متوفرة
لصالح الهيمنة الغربية في بلدان عديدة.
من المعلوم تماماً الذي يقبله العقل الراجح أن القوة وامتلاكها ليست
المعيار الأول الذي يبقى قائماً في العلاقات الدولية فكل شيء يسير نحو
التغيير البطيء أو السريع لذا فإن تحديد آليات تنفيذ خطة العولمة في
العراق يفضل أن تكون واضحة ويلمس الناس محاسنها ومكاسبها إذ أن هذه
الأطروحة ما تزال يلفها الضباب بالنسبة للذهنية العراقية.
إن الهيبة الغربية في العراق ستتوقف على مدى الإنصاف الممكن أن
تتعامل به مع المجتمع العراقي وحقوقه خصوصاً وأن آراء عديدة ترتفع
ونبرات حادة بين العراقيين على المستوى الاجتماعي العام بأن صدام
وفريقه السياسي كانوا من جواسيس الغرب الذين يحتلون الآن العراق وهذا
ما يتطلب من المحتلين أن يقدموا البديل الإيجابي في التعامل مع أهل
العراق وعلى اعتبار أن مرحلة جديدة من السياسة الغربية هي التي سيلتزم
بها الغرب لاحقاً.
ففي إقامة إطار علاقات متكافئة بين العراق الجديد وبلدان العالم
ومنها البلدان الغربية ممكن إعطاء نموذج جيد من الطرفين إذا توفرت
النوايا الحسنة لدى الجانب الغربي المحتل للعراق والمتمثل بقيادتي
بريطانيا وأمريكا. |