الخراب الشامل الذي خلفه نظام صدام التكريتي وفريقه السياسي الغاشم
قد أرجع البلاد إلى نقطة تقترب من الصفر أو دون ذلك بكثير من المجالات
فالعراق الذي بعد من بين الدول الخمس الأولى في إنتاج النفط مدانة
خزينته اليوم بمئات المليارات التي سيحتم على أي حكومة عراقية قادمة أن
تفكر وتخطط لكيفية حل هذه المعضلة مع الدول الأخرى.
تشير التقديرات الراهنة بحسب (مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية)
أن العراق القادم سيحتاج لإعادة ترميم وبناء اقتصاده مرة أخرى إلى (20
مليار دولار سنوياً) حتى يشهد فترة انتعاشه من جديد ذلك لأن إعادة بناء
القاعدة الاقتصادية هي المهمة الأصعب بهذا المضمار، والأزمة المالية –
الاقتصادية التي يشهدها العراق حالياً بسبب الانخفاض الحاد لقيمة سهم
الدينار العراقي أمام العملات الدولية المتداولة ليس بمعزل عن الأحداث
السابقة التي شهدها العراق بعد أن فرضت عليه أكثر من حرب نفذها النظام
الصدامي وفريق حراميته إذ تشير الأرقام الأولية أن من نتائج إدخال
العراق في حروب وأزمات لا مبرر لها قد سببت خسائر اقتصادية كبيرة
للعراق تقدر بما لا يقل عن (830 مليار دولار) منها (450 مليار دولار
خسائر الحرب العراقية الإيرانية) و (230 مليار دولار) خسائر غزو القوات
الصدامية للكويت إضافة لخسائر عائدات النفط بسبب قرارات العقوبات
الدولية والحصار التجاري والمالي الذي استمر زهاء (13) سنة على العراق
ضمن تمثيلية دولية فاشلة.
لقد أدى تنفيذ السياسات الطائشة والرعناء للحكم الصدامي الذي أستفرد
على كل شيء في العراق إلى انهيار إجمالي على كافة المستويات العسكرية
والاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية فقد شهدت قطاعات الصناعة
والزراعة والتجارة تراجعات فخرية لم يتحمل فشلها إلا النوع السرسري من
الحكام ممن يفضلوا البقاء في الحكم رغم منيهم بالفشل الذريع في حين
أعتاد المجتمع الدولي أن فضيحة سياسية واحدة في بلد ما أو فشل في
التوجه السياسي كافيان أن تستقيل حكومات ورؤساء وزارات ورؤساء جمهوريات
إلا في عراق الحكم المباد الذي حكم العباد بالسجون دون أي شرعية ولكل
الكلام عن جرائم النظام الصدامي موضوع له بداية ولكن لا يبدو أن له
نهاية.
فرغم كل ما كان يحس به أزلام السلطة الصدامية من كونهم منبوذين أمام
أنظار الشعب العراقي لكنهم وبكل صلافة استماتوا من أجل استحصال نهب
أكثر من خيرات البلاد وامتيازات المناصب التي لم يكونوا كفؤين لأشغالها
فقد اشتغل الفريق السياسي لصدام بعمليات التهريب والتجارة الدولية
اللامشروعة وكان كل شيء في العراق ممكن أن يهرّب إلى الخارج بعد أن
أجاز كل عنصر في قيادة البلاد لنفسه أن يكون تاجراً دولياً أو سمساراً
في التجارة الدولية فقبيل سقوط نظام صدام أفرغ ولداه عدي وقصي خزائن
البنك المركزي العراقي من الأموال النقدية والمجوهرات وهربوها إلى
الخارج بأمر من صدام نفسه وهذا ما سبب في أزمات اقتصادية عانى منها
المجتمع العراقي لعدم وجود سيولة ممكن أن تكون الوسيلة المثلى أن لم
تكن الوحيدة لتمشية حاجات الناس إذ لوحظت أزمات قد وصلت إلى درجة
الاستفحال بالنسبة لأزمة الوقود قبل أشهر وهذا ما أنعكس على زرع عدم
الثقة بالجهات الحكومية الجديدة إبان فترة مجلس الحكم الانتقالي الذي
بدا عاجزاً عن عمل شيء بهذا الصدد لكن حاجة الناس كانت أقوى اعتقاداً
منهم أن للدولة إمكانات ضخمة ويمكنها أن تحل أي مشكلة حيث حجبت عن
الرأي العام العراقي معلومة سرقة صدام وأولاده لخزينة العراق أو لم تم
التذكير لا كسبب من أسباب للخلل الذي أصاب الوضع الاقتصادي.
وفي غياب العقل الإيجابي وتضبيب الدعوات الصريحة لما يمكن وضعه من
بديل أفضل لكل ما حدث في العراق تصاعدت آراء وظهرت مواقف كاد شُعَل
فتيل الصراع المسلح أن يأخذ مداه بين التجمعات البشرية في العراق إبان
مناسبات عديدة من الفترة السابقة التي تلت سقوط حكم صدام المخزي.
أن العبرة والدرس ينبغي أن يؤخذان من تجربة المجتمع العراقي مع
حكومة مجلس الحكم الانتقالي السابق وبالذات بعد أن تقرر في قانون إدارة
الدولة الذي أصبح الآن بمثابة دستور مؤقت للعمل خلال الفترة الانتقالية
التي ستقوم الحكومة العراقية المؤقتة بإيصال الأوضاع إلى أفضل تهيئة
سياسية واجتماعية كما مقروءة من أجل انبثاق الحكومة العراقية الدائمة
في أوائل السنة القادمة 2005م.
إن إعطاء دور سياسي بارز حقيقي وفقاً للقانون سيمهد حتماً لتعامل
أفضل وأكثر نجاحاً وجدية مع نتائج حكم صدام السابق لتصفية تأثيراته
السلبية ثم إزالة ما يمكن أن يظهر منها مستقبلاً كـ(احتمال) وهذا ما
يتطلب وعياً متضافراً بين المجتمع والدولة المؤقتة لهذا المجال. |