بمجرد إعلان التشكيلة الكاملة للحكومة العراقية المؤقتة تحلحلت كل
المواقف الدولية لصالح الوضع العراقي الجديد حيث تم الإعلان بخطوات
متوالية عن اسم رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وأخيراً قائمة بأسماء
الوزراء الذين سيشغلون المسؤولية في إدارة شؤون البلاد عبر (33) وزارة.
وكان من المبادرين الأوائل للاتصال بالحكومة العراقية المؤقتة قيام
الرئيس المصري حسني مبارك بإرسال برقية تهنئة إلى الرئيس العراقي الشيخ
غازي عجيل الياور لمناسبة بدء ممارسة مهامه الرئاسية في العراق، كما
حظي تعيين الدكتور إياد علاوي لمنصب رئيس الوزراء بتأييد عام داخل
وخارج العراق وبين الأسرة العربية والإسلامية والدولية وأخيراً جاءت
تشكيلة الوزارة العراقية المؤقتة بأفضل خطوة نحو (الممكن) وخصوصاً لدى
جماهير النساء العراقيات اللائي حصلن على تمثيل (6) وزارات في التشكيلة
الوزارية المعلنة.
أما المنظمة الدولية (هيئة الأمم المتحدة) فتتدارس حالياً إصدار
أكثر من قرار يسند عمل وتوجهات الحكومة العراقية المؤقتة التي أعلن عن
تشكيلها مؤخراً بغية فتح الباب الدولي واسعاً لإعادة تطبيع علاقات
العراق الخارجية مع مختلف دول العالم (عربية وإسلامية ومتقدمة ونامية)
بوقت أعربت فيه دول الخليج العربي عن الارتياح لما تم إنجازه بهذا
الشأن في صالح الوضع العراقي الذي بقي متوتراً أثر سقوط الدولة
العراقية السابقة التي كان يقودها صدام وفريقه السياسي الإجرامي الذي (حرق
الأخضر واليابس) كما يقول المثل العراقي إذ ترك للعراق إرثاً ثقيلاً
يلمس تخريبه الواسع في طول وعرض البلاد.
إن بدخول القوات الأنكلو – أمريكية إلى أرض العراق منذ ما ناهز
السنة تقريباً قد رافقه سلب ما كان يسمى بالسيادة العراقية التي كانت
مفقودة عملياً منذ اليوم الأول لانقلاب سنة 1968م أما عن كل ما قيل عن
فقدان العراق لاستقلاله بعد دخول القوات البريطانية والأمريكية فهو
كلام ليس فيه من العلمية شيء يذكر إذ ما عُرف أن ذلك معناه تزكية لصدام
وحكمه البغيض ومحاولة إظهاره وأعضاء فريقه السياسي المشبوهين وكأنهم
وطنيون مع أن العمالة للمستعمر الغربي عند صدام شخصياً ومن كان يدور في
فلك جرائمه حول كرسي حكمه لا يتعدى إطار تمرير المؤامرة الدولية ضد
العراق.
كما أن في الوقت الحاضر لا يعلم أحد مدى جدية أطروحة بناء العالم
الجديد أو ما يسمى بـ(سياسات العولمة) التي يتبناها الغرب حالياً كبديل
عن فكرة (الاستعمار القديم بشقيه الجديد والقديم) إلا أن ما تترجمه
أحداث العالم حتى الآن ليس فيها ما يشير إلى الاقتناع تماماً حول
الأطروحة الآنفة لكن الشعب العراقي يريد تخبر هذه الأطروحة على ارض
الواقع لاستبيان مدى جديتها ودرجة نقاوتها.
لا شك أن خطوات مهمة قد تمت لصالح إعادة العلاقات العراقية –
العربية أثناء الفترة القريبة المنصرمة التي كان يشرف عليها بدرجة ما (مجلس
الحكم الانتقالي) المنحل مؤخراً كالعلاقات التجارية المتبادلة مع بعض
بلدان الجوار ولكن المصداقية في التعامل مع البلاد العربية والدول
الغربية سوف لن تتحدد وتظهر ملامحها بالكامل إلا بعد أن تترجم المواقف
ميدانياً من قبل الحكومات التي تتعامل مع الوضع العراقي الجديد إذ من
المعلوم أن عمر الحكومة المؤقتة مقدّرٌ له أن يستمر لزهاء (6) شهور
تبدأ من أول تموز وحتى نهاية كانون الأول من هذه السنة 2004م أو أكثر
من ذلك بقليل.
وللحقيقة والتاريخ ولمن يريد أن يعرف الحقائق كما هي ودون أي رتوش
أو ترقيعات سياسية أن يتجه لمعرفة موقف الشعب العراقي مما حدث ومما
يحدث بالعراق وبدون استحصال رأي حقيقي للعراقيين بما كان وما سيكون سوف
يكون كل شيء فيه هراء في هراء لذلك فإن على القوى المركزية العسكرية
الغربية المتمثلة بتواجد القوات البريطانية والأمريكية في العراق حالياً
أن تأخذ بعين الاعتبار آراء وانطباعات العراقيين (والمخلصين منهم فقط)
بكل احتساب إذا ما أرادت إقامة علاقات متكافئة مع العراق وأن تستثني
العراق من أي سياسات غير حقيقية معه وأن لا يشجعهم الحال المزري الذي
أوصلهم إليه النظام الصدامي كمقياس للكذب عليهم.
إن الشعب العراقي ذو المشاعر الوطنية ظهرت بين أفراده شرائح
اجتماعية فيه آمال نحو تصديق سياسات العولمة لذلك فإن الغرب إذا ما حدد
الأطر العامة والسليمة في تعامله مع العراق دون أي تبعية غربية فهذا ما
يضمن مكسباً لعموم الدول الغربية المتطلعة إلى العراق كبلد كفوء يمكن
ضمه تجارياً كـ(دولة مستقلة ذات سيادة) إلى ساحات التعاون الاقتصادي
الدولي بعيداً عن أي تبعية معلنة أو سرية.
أن بوادر عديدة وبمختلف المجالات قد تمت لإعادة تطبيع العلاقات بين
العراق والبلدان العربية التي تعاملت قيادات دولها ومعها الجامعة
العربية أيضاً بإيجابية مشوبة بالحذر لكن إعلان الحكومة المؤقتة في
العراق مؤخراً يعتبر نقلة نوعية ممكن أن توظف لإعادة بناء العراق في
إطلالته المثلى على العالم. |