يمكن اعتبار تاريخ 8 شباط سنة 1963م منطلقاً لبدء تنفيذ الموآمرة
الاستعمارية الشاملة للانتقام من الشعب العراقي لما اتصف به من أنفاس
حضارية وأخلاق عالية كانت محط أنظار واعتراف كل من زار العراق إذ من
الطبيعي أن لهذه الصفات الغالبة عند الشعب العراقي كانت هي المستهدفة
لتغييرها عكسياً.
فقد طال الظلم في انقلاب شباط 1963م السيء الصيت كل شرائح المجتمع
العراقي دون تمييز وكان المواطنون المستهدفون هم من جمهرات الناس
الأسوياء من وطنيين ومؤمنين ووجهاء مجتمع وفتيات عفيفات فقد بدا واضحاً
أن عصابة الانقلاب لا تفتش عن خصومها السياسيين بقدر ما كانت تبحث عمن
هم ممكن أن يشكلو عائقاً لعدم تقبل حكمهم الإرهابي الذي أخذ الناس على
حين غرة، فأكال لهم مختلف صنوف القتل والتعذيب وإلقاء القبض على حتى
الفتيات المؤمنات المحجبات بحجة أنهن يعملن لصالح المعارضين للحكم ولكن
ما أن يلقى القبض عليهن فيتم معهن إجراء فعل الاغتصاب ثم يطلق سراحهن
أو يدفن وهن أحياء وحدث مثل هذا في مناطق مثل هذا على عوائل إسلامية
مؤمنة معروفة في مدينة النجف الأشرف وغيرها من العراق إذ كان جمال
الفتاة مبرراً لفريق الحكم آنذاك الذي كان يضم الميليشيات من ذوي
السوابق الأخلاقية لكن منطقة كمب الأرمن والبتاويين ببغداد ذاتا
الأغلبية المسيحية تعرضت الفتيات والنساء المسيحيات لما كان يفوق
التصور نظراً لحكم كونهن ينتمين إلى جالية مسيحية لا تشكل ثقلاً كبيراً
في التأثير على الحكم وعناصر مجرميه حتى في حسابات المستقبل والأتعس من
هذا أن ميليشيات النظام الذي تتحكم بمصائر الناس على أبشع صور التصفيات
قد طال بعض ذكور الأخوة المسيحيين أيضاً.
وما أن انتهى حكم انقلاب شباط 1963م وحل محله حكم عبد السلام عارف
بعد زهاء أشهر معدودة أضطر الحكم الجديد لتوثيق جرائم نظام انقلاب شباط
بكتاب عنوان (الكتاب الأسود) الذي فضح فيه جزء كبير مما اقترفه أوغاد
سياسة حكم شباط بالشعب العراقي لكن رخاوة حكم عبد السلام عارف وخلفه
شقيقه عبد الرحمن عارف قد شجع للتسريع بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء
في العراق فحدث انقلاب 1968م الذي ضم نفس قيادات انقلاب شباط 1963م
الذين حاولوا بهذه المرة إخفاء نواياهم الإجرامية ضد الشعب العراقي
لحين استتباب الأمن لصالحهم ومن ثم يبدوأ بتنفيذ بقية ما بدأوه في
الانقلاب الأول سنة 1963م ووفق خطة استعمارية كانت تعتبر ذكية على
مستوى عصابة الحكم الجديد وأسياده المستعمرين لكن تلك الخطة كانت
متيقنة لدى الطبقات الواعية في عموم المجتمع العراقي إذ ليس من المعقول
أن يتحول مجرمو الأمس إلى أسوياء الحاضر وهذا ما كان.
وبوصول (كتلة البكر – صدام) إلى الحكم وسيطرتهما على مقاليد الأمور
في قيادة البلاد أخذ الهلع يأخذ دوره في الصدور لما عُرف عن البكر من
كونه جاسوس يعمل ضد مصالح البلاد ومعادٍ للشعب ولما بدأ يتسرب من كونه
نائبه (صدام) ابن شارع وفاسد ولا يتمتع بأي أهلية أخلاقية وهو أحد
مجرمي سجون انقلاب حكم 1963م وعميل استعماري لا يتوانا من تصفية ضحاياه
لمجرد التلذذ بقتلهم وهذا ما زرع انطباعاً حتى لمن لم يكونوا يعرفوه
تماماً بين أفراد عصابة الحكم بأنه مجرم من درجة شنيعة.
لقد ساق صدام وبمباركة البكر ثم أسيادهم المستعمرين عشرات الآلاف من
العراقيين إلى السجون التي جعلوها أسواقاً مكتظة بالسجناء لأسباب
سياسية أو حتى دون أسباب فقد عمدوا إلى طريقة انقلاب 1963م بإنزال
الناس الأبرياء بعد جلبهم من السجون في حفر عريضة وطويلة بعد أن عصبوا
أعينهم وشدوا أياديهم إلى الخلف ثم أهالوا عليهم التراب وقتلوهم وهم
أحياء كما توسعوا بهذا النوع من الجرائم التي تقشعر منها الأنفس والناس
حيارى عن مصائر أفراد عوائلهم حتى إذا ما اكتشفت فضائح المقابر
الجماعية بعد هزيمة الحكم الصدامي الجائر أخذت الأحاديث تدور وتدور عما
حل بالعراقيين والعراق على أيدي أزلام النظام السابق الذين لم يراعوا
أي عدل أو قانون أو حرمة لأحد حتى يتخيل البعض أن جثث ضحايا النظام قد
وصلت في المقابر الجماعية المكنشفة أو التي ستكتشف حتماً إلى ما لا
يقلوا عن (مليونا شخص).
ومع أنه لا توجد أي فكرة عن عدد دقيق لمن تعرض للموت على عهد حكم
صدام إلا أن اكتشاف عدد من المقابر بمحافظات عديدة في البصرة وبغداد
والناصرية وغيرها قد خلقت انطباعاً عاماً بأن أي مفقود من العراقيين
أصبح ضحية للنظام ورفاته الآن في أحد المقابر الجماعية، أما عن أنواع
التفنن بالتعذيب التي انتهجها نظام صدام وفريقه السياسي فيمكن الحديث
عنها بلا أي حرج فقد لاقى مواطنو العراق الشرفاء حتفهم دون تهم موجهة
لهم أو دون إجراء حتى محاكمة صورية ضدهم.
لقد انتقم النظام الصدامي من الشعب العراقي شر انتقام قتلاً وتشريداً
وتخريباً للنفوس وسلباً لأبسط حقوقه بغية تضييع سوية وإنهاء حضاريته
وتلك هي غاية الاستعمار وذيوله الصداميين. |