كان الوضع العراقي في محاور جلسات مؤتمر القمة العربية الأخير
المعقود في دولة تونس الشقيقة الذي أنهى أعماله يوم الأحد المنصرم 23
أيار 2004م على لائحة أعماله وقد حظي إثارة موضوع إعطاء دور رئيس لهيئة
الأمم المتحدة في ترتيب البيت العراقي الجديد باهتمام رؤساء وملوك
الدول العربية وكان ذلك أحد أهم إيجابيات التوجه كي يستعيد العراق
عافيته السياسية والاجتماعية.
ما أن فتأت شؤون الوضع العراقي أثر تغيير نظام صدام وفريق سرسريته
الذين اقتحموا الحياة السياسية في العراق بأمر استعماري وأصبحوا
سياسيين بين ليلة وضحاها وظلوا يعملون في الظلام قبل سنوات من وصولهم
إلى السلطة للمرة الثانية في تموز 1968م وما تركوه من عمليات تخريب
النفوس في العراق طيلة فترة ناهزت أكثر من ثلاث عقود حتى ظهرت أثار ذلك
التخريب بأبشع صورة وبالذات بعد أن وجد المنافقون السياسيون الذين
باعوا أنفسهم للنظام وأيدوه على كل جرائمه وساهموا في إعطاء صورة
دعائية براقة لصدام وعناصر مجرميه الذين يترأسهم وذلك عبر مظاهر
الاشتراك المفروض الذي أبدوه في التظاهرات الاحتفالية لدرجة بات كل
انهزام للنظام يعتبر انتصار له كما لاحظ ذلك الرأي العام أثر هزيمتي
انتهاء الحرب مع إيران والكويت.
ولأن الوضع الجديد في العراق الذي أفضى لاستلام إدارة البلاد من قبل
قوى الاحتلال البريطانية والأمريكية وما أبدته هذه القوى من ترخية
الحبل لعناصر قيادية مجرمة لطخت أيديهم بدماء الشعب العراقي فكان
طبيعياً أن يخلق مثيل هذا الجو السياسي المتساهل أن ينط هؤلاء
المشبوهون برؤوسهم مرة أخرى لإثبات وجودهم الذي يستهدف خلق البلبلة في
الوضع العراقي وساعدهم على ذلك إرسال وجبات من مرتزقة العربان وغيرهم
لتنفيذ عمليات تفجير واسعة سلبت الطمأنة من قلوب المجتمع العراقي ولحد
الآن.
والحجة فيما كل ما حصل ويحصل منذ هزيمة النظام الصدامي الاستعماري
حسبما هو مرسوم له أن ظهور شيء سموه بـ(المقاومة) اتجه المقاومة من
سموهم بـ(المحتلين الأجانب) والذي يسمع بهذا المصطلح (المحتلين) من
أغلب الناس غير العراقيين في خارج العراق وبالذات الإخوة العرب ممن
يستندوا في تقييمهم للوضع العراقي من جراء ما كانوا يسمعون من إذاعة
بغداد أو يشاهدوه من تلفزيون بغداد أو يقرأوه من صحف بغداد، إبان فترة
حكم صدام حيث كان كل شيء موظف لأجل نشر الدعاية العمياء لصالح كل ما
كان يقوم به صدام وفريقه السياسي وما ساعد على تمرير تلك الدعاية
السياسية الفاسدة التي جعلت من المجرم الدولي صدام بطلاً قومياً إن
أقلاماً وألسن وأيادي قد أضحت فاقدة لضمائرها وارتضت أن تكون كلمات
تسطر أو تصريحات تتقول أو أيادي تصفق لكل ما كان يقدم عليه صدام من
إجراءات ظالمة ضد شعبه وكذلك ذلك قد ترك رسالة سياسية من الداخل
العراقي إلى المجتمع الدولي بأن ما يحدث في العراق ينبغي أن تحل عقده
من تنظيف الداخل العراقي من أي قوة ممكن أن توصف بـ(قوة محتلة).
لكن ذلك لم يمنع الركون إلى ما آل إليه الوضع العراقي من أحوال
سياسية رديئة حيث تنتعش فيه الجريمة ذات الخلفية السياسية المشبوهة
بشكل واضح للعيان وساعدها وما زال يساعدها في ذلك نفر من القوى من أجل
استحصال مكاسب شخصية ضيقة وهذا الوضع المزري يبدء أنه كان مخططاً له
حتى قبل بدء العمليات العسكرية للقوات الأنكلو أمريكية المحتلة التي
استطاعت بسهولة بالغة من احتلال بلد كان يعد جيشه رابع جيش في العالم
من حيث العدة العسكرية والعدد إذ لم تكن هناك أي مقاومة يمكن أن تذكر
أو يستشهد بها من الناحية الخاصة بالمواجهة العسكرية الميدانية التي
وصلت عند جيش العراق المسيس من قبل النظام السابق إلى درجة الصفر.
بديهي أن الوضع العراقي ليس معقداً كما يصفوه وأن المؤامرة عليه
مفضوحة الجوانب وهذا ما وعى إليه قادة الدول العربية أو هم يعرفوه جيداً
لذا فإن انطلاقهم نحو نقطة إزالة الالتباس الذي تدعيه ما تسمي نفسها
بـ(المقاومة) ويسميها كذلك (غشمة العربان) بـ(إنهاء) عملياتها لا يمكن
أن يعطي أي نتائج إيجابية إلا بإجراء تغيير في التوجهات ولو المؤقتة
الممكنة الكافلة من حيث المبدأ لحل الوضع الأمني في العراق إذ من
المسلّم به بالنسبة للوضع العراقي أن قوى الاحتلال الأنكلو أمريكية لا
يمكن أن تغادر العراق بتلك السهولة المتفق عليها التي دخلت بها على
أرضه.
إن إعطاء دور مركزي للأمم المتحدة في العراق الجديد الذي ستعقب
مرحلته الحالية بالانتقال إلى مرحلة الحكومة المؤقتة المزمع تشكيلها
العملي في أواخر الشهر القادم حزيران 2004م معناه أن الأمم المتحدة سوف
تجلب قوات عسكرية من جنسيات مختلفة للسيطرة على الوضع الأمني داخل
العراق ويمكن أن تحتسب تلك القوات الجديدة (من باب المراوسة) وكأنها
حيادية على أرض العراق وهذا ما عملت لأجله القمة العربية الأخيرة بتونس
من باب أضعف الإيمان! |