إذا تعافى العراق تعافى العالم.
ثبت بما لا يقبل الجدل أن استقرار العراق فيه استقلال لبلدان العالم
على امتداد الكرة الأرضية برمتها ولو تم الرجوع إلى صفحات التاريخ
لتبين أن الاهتمام ببلاد النهرين دجلة والفرات ليس وليد المرحلة
الحالية التي تقودها.. السياسات الدولية بسبب اكتشاف النفط العراقي فقد
سبق وأن كان العراق محط أنظار العالم القديم والطامعين فيه لم يكونوا
بأي مرحلة حضارية قد ركنوا خططهم جانباً إلا حين شعروا أن البلاد محصنة
بأبنائها كما لعب الطامعون دورهم الخبيث بالتدخل في شؤونه على مراحل
عديدة وكان في كل مرة تصادر فيه إرادة الشعب العراقي يخلق امتيازاً
للبقاء الأجنبي فيه على حساب سكانه الكرماء، وكم من الشعوب القديمة
التي قاد عساكرها الحملات الشعواء لاحتلال العراق انتهابهم المطاف إلى
أن ينكروا على قادتهم سبب احتلالهم، ففي حقبة اجتياح قوات المغول
للعراق أعقبها أن تحول أغلب العساكر الذين قاموا بالجرائم البشعة ضد
العراقيين لما لمسوا خيرات وطنهم العراق ورقي الإنسان من الناحية
الحضارية وحب العدل ورفعة الأخلاق إلى أن يغيروا موجة حياتهم نحو هذه
الوقائع التي بدونها لا يمكن تمييز أي مجتمع عن غيره. وبدأ هؤلاء
العساكر يعلنون سلوك سلامهم مع العراقيين ويعصون أي أوامر عسكرية تصدر
لهم ضد أهل العراق بعد أن وعوا إلى حسن المعاملة مع المحتلين الأجانب
المتأخرين من ناحية الضمير والأخلاق.
وإذ بقي الموضوع في التعامل بين العراقيين يشوبه شيء من الحذر مع
الأجانب الجاثمين على أرضه سواء بالطريق العسكري المفروض أو من جراء
التواجد الاجتماعي السلمي لمن قرر أن يقطن بالعراق إلا أن محاباة لمن
كان يحترم تقاليد وأعراف المجتمع العراقي هو الشيء الوحيد والسائد على
مر سنوات عديدة رغم أن العراقيين دفعوا ثمن تهور الدخلاء الأوغاد على
أرضه.
وفيما يحضى المرحلة التاريخية التي يعيشها العراقيون الآن أثر زوال
نظام فريق صدام السياسي المشبوه فقد أصاب بوصلة النفس العراقية شيء من
الإحباط حين استمعوا إلى تصريحات المسؤولين في لندن وواشنطن قبيل
اجتياح العراق إذ اعتقد العراقيون بذات شرائح من المثقفين بينهم أن
الاستعمار قد انتهى وأن الإمبريالية قد انتهت على ضوء ما هو منسجم في
أطروحة العولمة وأطروحة العالم الجديد وما شابه من هذه الأطروحات التي
أطلقها الغرب منذ استفراده تقريباً في الساحات الدولية.
لكن الغرب وعبر قوتاه البريطانية والأمريكية.. العاملة في العراق
منذ سقوط صنم صدام قبل زهاء سنة من الآن يبدو أنهما يشعران بأنهما
قوتان لا تقهر وإذا ما كان هذا هو الرأي السائد لدى رأي قيادتا الأنكلو
– أمريكان في لندن وواشنطن فهذا يعني أنهما يضربان مبادئ العولمة
والعالم الجديد عرض الحائط إذ سيعرضان أطروحتهما إلى مزيد من الفضح
وعدم جدية الأطروحتين الآنفتين لذلك ينبغي على قيادتا لندن وواشنطن أن
تفتشان عن بديل يضمن مصادقة الشعب العراقي وإقامة علاقات متكافئة مع
ممثلين الوطنيين بعيداً عن أي هواجس لا تصب في التعاون الإيجابي بين
العراق والعالم الغربي عموماً وبقية دول العالم أيضاً.
إن التدخل الأنكلو – أمريكي في العراق الذي اقتضته مصالح كل من
بريطانيا وأمريكا ينبغي أن يهذب ولا يدع مجالاً لتفسير سلبي على كونه
تدخل جاء ليكافئ صدام وفريقه السياسي الإرهابي على ما فعلوه من جرائم.
إذ أن خلفية الادعاء الإنكلو – أمريكي القائل بأنهما يطبقان القانون
الدولي بحق صدام وأزلامه وهذا ما هو قد تم فعلاً ففيه دافع الدعاية
الدولية للسلوك الأنكلو – أمريكي الذي تريد كسبه لصالح سمعتها كل من
بريطانيا وأمريكا ولكن على حساب شعب العراق بدليل أن ترك عدم محاسبة
صدام وأزلامه المجرمة وفقاً للقوانين العراقية ذاتها فيه تحد لمشاعر كل
عراقي وعراقية.
وفي الاعتقاد أنه قد حان الوقت لتنقذ كل من بريطانيا وأمريكا سمعتها
جراء تدخلهما في العراق الذي يبدو هذه الأيام قد تراجع عن مهمة مسائلة
أزلام صدام وفقاً للقوانين المعهودة لدرجة بات يخيل للعراقيين أن
التكلف بذلك حتى الآن هو نوع من مكافئة هؤلاء المجرمين الذين حولوا
حياة العراقيين إلى جحيم.
صحيح أن العراق بلد نفطي لكن النظر إليه كبلد نفطي فيه قصر نظر
للأمور السياسية الممكن أن تحدث في العراق وطموح دول العالم اليوم أن
يروا العراق معافى في عموم وضعه فقد ثبت أن كل دول العالم ليس بها
التأثير الممكن أن يتركه غير الوضع العراقي وهذا ما يقتضي أن يكون
الاهتمام ومراعاة القضية العراقية أمراً أكثر عقلانية في فهم ما مطلوب
منها. |