أسابيع وسوف تنبثق الحكومة المؤقتة في العراق ضمن الإجراءات الأولى
المقررة عند بدء مرحلة منح السيادة للعراقيين بزهاء نهاية شهر حزيران
أو بداية شهر تموز القادمين 2004م.
ولعل تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة سوف يكون حدثاً غير عادياً بعد
المخاض الذي تحكم بمصير البلاد طيلة فترة ناهزت السنة الماضية منذ
هزيمة نظام فريق صدام السياسي الاستعماري حيث برز إلى الساحة العراقية
نشاط محموم لمرتزقة النظام من الداخل العراقي وامتداده في بعض البلدان
العربية حيث امتلاك النظام المهزوم إلى جيش جرار من المجيدين للتطبيل
والتزمير لكل ما كان يقوم به ذلك النظام الباغي ضد الشعب العراقي ولعل
من غوغائية هؤلاء المرتزقة من العربان الخارجون على طيبة وشيم الشعب
العربي الشقيق أنهم يتكلمون بنفس لسان صدام وألسنة عناصر فريقه السياسي
الملطخة أياديهم بدماء شعب العراق لذا يمكن التنبؤ بأن محاولة زرع
الفتنة بين أبناء الشعب العراقي ربما ستبرز مع مرحلة انبثاق الحكومة
المؤقتة في البلاد وهذا ما يقتضي أخذه بالحسبان وذلك عبر التأكيد على
ضرورة وحدة الشعب العراقي لمواجهة أي تفريق يمس استمرار قيامها.
وحيث أن العراق ليس بحاجة إلى أزمات جديدة أو الاستمرار على الأزمة
الشاملة لمرحلة الحكم الانتقالي ومازال ما تحمله من عجز لمواجهة
المواقف السلبية التي تعصف بالوضع الداخلي العراقي ومن ذاك استفحال ما
يسمى بـ(المقاومة) وهي بالمعنى الوطني العام ليست مقاومة بأي حساب قيمت
لأن قيادتها بحسب التقديرات السياسية الذكية هي قيادات من بقايا أزلام
النظام السابق وقيادات من مرتزقة السياسات الجاسوسية الموجهة لزرع
البلبلة داخل البلاد وعلى خلفية الإبقاء على أحوال سياسية مربكة في
العراق ربما لتمرير بعض الضغوط على الحكومة المؤقتة المزمع تشكيلها
قريباً.
إن ما يمكن تفسيره من خلال أزمة البلاد العامة التي منها فقدان
الطمأنينة والأمن بين مواطني العراق بسبب استفحال توالي العمليات
الإجرامية التي تقوم بها جهات تبدو مجهولة أمام الرأي العام العراقي
بسبب عدم التعرف على أشخاصها المحددين إلا أن ما يمكن أن يقود التفكير
هو من الذي له مصلحة في قتل العراقيين الأبرياء وإذا كان الإرهابيون
المكلفون حقاً بمعاداة القوات الأنكلو – أمريكية العسكرية المحتلة
للبلاد فلماذا لم توجه تلك المقاومة عملياتها البربرية ضد عساكر تلك
القوات بدلاً من أن تخلط معهم الشعب العراقي، أن تلك المقاومة
اللامقاومة تستهدف إعطاء مبرر كاف لقوات الاحتلال أن تستمر في البقاء
بالعراق حتى بعد إعلان الحكومة المؤقتة، وسواء كان الموآمرة الدولية
بهذا الشأن هي من نتاج العقل الغربي أو غيره ولكن ما كان من المناسب أن
تخلط بين العراقيين أهل البلاد وبين المحتلين من الأجانب وتوجه لهم جام
عملياتها العسكرية سواء بسواء.
إن الملف الأمني إذا ما نجح في مرحلة عمل الحكومة المؤقتة في العراق
وتم حصار الإرهابيين واتخذت بحقهم القرارات القضائية السريعة المناسبة
فسوف يكون ذلك على أول طريق لإرساء المطلب الأول الذي يتطلع إلى تحقيقه
كافة العراقيين وبدون هذا المطلب فسيكون كل شيء في العراق مهلهلاً ولا
جدية له.
لقد خسر العراق سيادته بصورة عملية منذ انقلاب 17 تموز 1968م ولم
ينتبه لذلك كل السياسيين العراقيين حتى الآن.
لقد ترددت مؤخراً تصريحات لدى القيادة الأمريكية المكلفة لإدارة
العمليات العسكرية الرئيسية في العراق وعلى لسان الرئيس الأمريكي (جورج
بوش) بأن منح السيادة للعراقيين بنهاية شهر حزيران القادم 2004م سوف
تكون سيادة جزئية وهذا ما أثير حوله الكثير من اللغط وتحريف الحقائق
ويبدو أن لاستمرار العنف والإرهاب في العراق حالياً يد من توصيل الأمور
إلى هذه النقطة ولعل تخيل عراق خالٍ من الإرهاب لمجرد إعلان الحكومة
المؤقتة فيه ليس كافياً قبل اتخاذ إجراءات تثبت أن في العراق قوى
عسكرية تحظى باحترام المواطن العراقي وقادرة على إعادة الوضع الأمني
إلى نصابه.
إذ أن بدون توفير فرصة انتشار الأمان في العراق معناه أن كل الخطط
التي ستضعها كل وزارة للبدء بعملها كـ(منهاج عمل) سوف تكون خيالية وغير
واقعية على البتة إذ ما زال أعداء العراق الخارجين والداخلين متواجدون
في طول وعرض البلاد وما لم يتم وقف تسولات أنفسهم فسوف يتعرض عموم
الوضع العراقي إلى الخطر مرة أخرى لذلك ينبغي أن تحصل الحكومة المؤقتة
على إصلاحيات واسعة قانونية وعسكرية ومخابراتية كي تستطيع النجاح في
أداء مهامها الوطنية في التمتع بالسيادة الحقيقية عبر توفير أرضية ذلك
النجاح. |