كان العراق إبان عهود قديمة متوالية موحداً من حيث الحفاظ على حقوق
ناسه ولحمة مجتمعه رغم احتلال أرضه من قبل غير العراقيين وما كان
يصيبهم من تجاوزات المحتلين.
في العصر الحديث لتاريخ العراق الذي اجتهد الدكتور علي الوردي
الباحث العراقي المعروف على تحديده ضمناً بأنه التاريخ الذي يبدأ من
زهاء منتصف القرن التاسع عشر فصاعداً يمكن القول أن حُظى التاريخ
العراقي بدأ يتبلور بما لم يعهده العراقيون منذ وطأ المستعمر البريطاني
أرض العراق وقام باحتلاله أثر بدء العمليات العسكرية لجيوشه التي بدأت
منذ إندلاع الحرب العالمية الأولى في سنة 1914م وما أعقب ذلك من تأسيس
المملكة العراقية سنة 1921م.
فعند قيام النظام الملكي في العراق تحت رعاية الملك فيصل الأول،
كانت ساعة الحقيقة التي تدور حول تركيبة الشعب العراقي تكاد أن تتركز
على الأرض عبر مشاركة الجميع في أشغال المناصب وغيرها من المسؤوليات
المشتركة ومع تغيير أشخاص الوزراء وتشكيلاتهم للوزراء كان هناك قاسم
مشترك بين جميع العراقيين لكن الوزن الأثقل كان للعرب على اعتبار أن
القومية العربية في العراق يتمثل بها غالبية العراقيون لكن ذلك لم يمنع
أن يشغل مناصب عليا من غير العرب فمثلاً أن (نوري السعيد) المواطن
العراقي الذي كان تركماني القومية قد شغل أعلى منصب وزاري في العراق
لعدة مرات ولسنين طويلة إذ كلف بتشكيل الوزارة العراقية أكثر من مرة
وكانت تحت أمرته مجاميع من الوزراء عرباً وأكراداً وتركماناً وصائبة
ومسيحيين ولم يكن هناك أي تحسس من كون نوري السعيد من القومية
التركمانية في العراق التي تصنف كـ(ثالث) قومية بعد (العرب) و(الأكراد)
لكن ما لا يخفى من التاريخ المعاصر في حقبة العهد الملكي أن سياسة (فرق
تسد) بين القوميات والأقليات العراقية قد ضربت بجذورها في المجتمع
العراقي لدى بعض الشرائح الجاهلة التي وقعت بفخ تلك السياسة التي ما
يزال العراقيون يعانون من آثارها على بعض النفوس المريضة أو الجاهلة أو
غير العلمية إلا أن ما يفرح أن الطبقات الواعية في العراق عارفة أن
انحدار المواطنين من أي اصل فيه أو انتمائهم لأي عرق غير قابل لغير
سيادة التضامن والتكافل المطلوبين للعراقيين بكل وقت، وعلى عكس ما حاول
أن يرسخه نظام صدام المأجور من زيادة الفرقة والأحقاد بين طبقات الشعب
العراقي إذ تجرأ على الله سبحانه وتعالى وعلى الحقائق والأصول اللتان
كانتا من الثوابت للأخوة العراقية فهجر ما يقرب من مليون نسمة أو ما
زاد على ذلك في حين هرب ملايين آخرين من العراقيين إلى الخارج مفضلون
العيش الصعب في المنافي على أن يكونوا ضحايا إجرام النظام الصدامي
وفريقه السياسي الاستعماري ففي الوقت الذي كان ذاك النظام الباطل ينفذ
خطة تهجير المواطنين العراقيون الأكراد من معتنقي مذهب آل بيت رسول
الله (ص) الشيعة، كان يجلب من مرتزقة العربان إلى العراق ويمنحهم
الامتيازات الكبيرة ويشركهم في مسؤولية إدارة الدولة الصدامية كما خلق
هذا التخلخل الشنيع في المجتمع العراقي إلى الاستعانة بالأيدي العاملة
العربية المستوردة من مصر بالدرجة الرئيسية وغيرها من بلدان العالم
العربي وبذلك فقد اخترق النظام الصدامي الأخوة بين القوميات العراقية
إذ فضل الأعراب والعرب ليستفيدوا من أوضاع وخيرات العراق ويحرم ذلك من
الأكراد وقليل من العرب الشيعة الذي طردهم النظام إلى خارج الحدود
لأسباب غير عادلة بتاتاً إذ جردهم من أموالهم وممتلكاتهم ومقتنياتهم
الشخصية حتى لا يظهر اسم الدولة آنذاك التي تتحكم بالعراق وكأنها (دولة
حرامية وسرسرية) ولكن الله سبحانه وتعالى كان لهم بالمرصاد فقد أخزاهم
بكشف حقيقتهم كفريق إجرامي جامع للأموال يقودهم (حرامي تكريت صدام
التكريتي).
واليوم وقد دارت عجلة الزمن نصف دورة سياسية وولى نظام الصداميين
المجرمين الذين أبادوا أكثر من (25%) من المواطنين العراقيين سواء في
الحروب المفتعلة غير الجادة التي شنها النظام على الجوار في إيران
والكويت أو تلك المشنة ضد العشب العراقي في الشمال والجنوب أو هؤلاء
الذين كانوا ضحايا النظام ممن قلتهم دون محاكمة أو ذنب اقترفوه على
خلفية نشر الرعب والهلع بين صفوف المجتمع العراقي وكان الأكراد
العراقيون من شيعة وسنة هم أكثر ما شملتهم قرارات الإبادة بفريق الحكم
الصدامي.
إن العراق الآن يعيش أكثر من أزمة والمطلوب قبل أي إجراء يتخذه
الوضع العراقي الجديد وبالذات الحكومة العراقية المؤقتة التي ستشكل
قريباً أن تساوي بين مواطني العراق ودون أي تمييز عرقي أو طائفي فبذاك
سيمكن القول أن نهجاً عقلانياً قد تم نحو حل مشكلة القوميات والأقليات
في البلاد. |