الضمير العالمي يقر أن صدام وفريقه السياسي متهمون بارتكاب جرائم ضد
الشعب العراقي وعمليات إبادة ضد البشرية وانتهاك أبسط قوانين حقوق
الإنسان التي كان ينبغي أن لا يسكت العالم عنها طيلة فترة حكمهم
الإرهابي الذي زاد على الثلاث عقود من السنين.
إن الإشكالية حول محاكمة صدام واحتمال عدم محاكمته تشغل الرأي العام
العراقي أكثر من غيره وأن الناس في العراق لا يدرون كيف سيكون التعامل
مع هذه القضية في ظل ظروف مجهولة المدى من الناحية السياسية
واصطفافاتها التي ربما ستكون مفاجئة بعيد إعلان الحكومة المؤقتة
بالعراق بزهاء أول تموز القادم 2004 أي بعد انقضاء شهر ونصف.
ومن باب الدعاية البريطانية لمحاولة زرع انطباع دولي عام وكأن صدام
لم يكن مستقوي بالغرب ونفوذه السلبي أثناء ما قام به خلال فترة حكمه
التي بدأت منذ سنة 1979 بكل ما قام به من جرائم وانتهاكات ومؤامرات
وحروب ضد إيران والكويت ونقل في أحيان عدوانه ضد الشعب العراقي في
شماله وجنوبه أيضاً فقد أفادت أحد الأخبار الوثيقة المصداقية في نشر
خبر جاء فيه تحت عنوان (مصير صدام ستقرره محكمة عراقية) هذا النص: (ولكن
لسوء الحظ فإن صدام ليس من حاملي الجنسية البريطانية ولا من المقيميين
في بريطانيا ولذلك فلا تستطيع لندن التوسط لدى بغداد لصالحه) إذ يتبادر
إلى الذهن وكأن أي مجرم عتيد من أمثال (صدام) إذا كان يحمل جنسية
بريطانيا فيشكل له ذلك امتيازاً للإنقاذ.
ومن المضحك - المبكي في قضية صدام التي أدخلت إلى دهليز (نظرية
الاحتمالات) التي منها ما يتجرأ البعض على الله وعدله والشعب العراقي
ومظلوميته فيدعي أن عقوبة الإعداد تعتبر بحد ذاتها مسألة لا أخلاقية
ولا تتحمل النقاش وتتعامل مع (صدام) كمتهم كما هو جارٍ في لغة القانون
مع أن كل تعليمات الدول توعز لأجهزتها الأمنية أن تطلق الرصاص فوراً
على كل من تشتبه به (مجرد اشتباه) إذ طلب منه التوقف عن المسير أو هرب
فاراً خوفاً من أذى يلحقه وهو إنسان بريء وقد ترديه قتيلاً ثم تبرر ذلك
على كونه لم يلتزم بالأمر الصادر للوقوف واليوم حين يعامل صدام كـ(متهم)
مع سبق الإصرار وليس كـ(مجرم) فهذا ما يخلق فرصة غير قانونية ولكنها
مطلية بمعنى القانون!
أما بالنسبة للمشرعون الأمريكيون فإنهم يطالبون بمحاكمة صدام فقد
أشاد أعضاء بارزون في الكونغرس الأمريكي بضرورة محاكمة على الفظائع
التي ارتكبت أثناء حكمه فقد صرح السناتور جون كيري مرشح الرئاسة عن
الحزب الديمقراطي في التلفزيون (فوكس) (يجب أن يحاكم صدام ويجب أن
يحاسب بطريقة تتماشى مع الشرعية الدولية ويمكن أن يحدث ذلك في العراق،
ويمكن أن يحدث في محكمة دولية) وبرر ذلك تحت عبارة قال فيها (أن أهم
شيء هو أن تثبت الولايات المتحدة الأمريكية أننا نعامل حتى أسوأ
المجرمين باحترام والمدى الذي تلتزم فيه بحكم القانون وأهمية أن تكون
هناك محاسبة تامة).
والملاحظ من تصريحات (كيري) أنها جاءت منمقة أكثر من اللازم وبالذات
في عبارته ويمكن أن يحدث في محكمة دولية) التي تعني الإيحاء للعراقيين
أن يتهيئوا لخبر محاكمة صدام خارج العراق من الناحيتين السياسية
والسايكولوجية.
وتمهيداً لثبيت أمر باطل ولكنه مغلف بعبارات مرنة رافقها إجراء غير
متوقع لما قام أحد مسؤولي منظمة الصليب الأحمر الدولية بزيارة صدام
ولهؤلاء يمكن القول (قليلاً من العدل أيها الغربيون بهذه المسألة التي
ينبغي أن لا تعقدوها فالشعب العراقي هو صاحب القضية والجانب المتضرر من
حكم صدام وأن عدم منح هذا الشعب الفرصة القانونية الكاملة والعادلة
لإجراء محكمة صدام فأن أي محكمة غير عراقية هي مسألة غير عادلة وسابقة
خطيرة في ساحة الدبلوماسية الغربية حيث أن أي جهة غربية مدعوة لإثبات
مصداقيتها في العدل لا أن تغلف قضية مجرم تلطخت يداه بدماء شعبه وشاركه
بذلك فريق من أفراد عصابة اتخذت من السياسة الدولية مهنة للارتزاق
واستغلال النفوذ سلبياً.
وبهذا الصدد يمكن القول أن التصريحات الغربية المتحدثة عن تقديم
صدام إلى محاكمة دولية خارج العراق والتلويح السخيف بذلك أن يتوقف فوراً
لأنه لا يخدم مبادئ السياسات الدولية التي يدعيها الغرب في تطبيقه لها.
إن ما تحتاج إليه المحكمة العراقية التي شكلت للنظر في الجرائم التي
ارتكبها النظام الصدامي وفريقه السياسي الإرهابي وعلى رأس تلك الجرائم
ما قام باقترانه هو شخصياً في عمليات التصفية الجسدية لخيرة ابناء
العراق لجدير أن تناط مهمة الدور الرئيسي للبت في ما يمكن أن يخدم
حيثيات جلسات المحكمة إلى العراقيين لأنهم الأدرى بما قام به صدام من
إرهاب وانتهاكات فاقت كل تصور فبذاك سيمكن فتح صفحة من التفاهم
والعلاقة المتكافئة بين الشعب العراقي والغرب ومن يدري فربما اكتملت
فرحة العراقيين بمحاكمة صدام الذي يستحق إنزال عقوبة الإعدام بحقه وهي
أقل عقوبة يمكن أن يفكر بها إنسان عادل. |