من المآسي الشديدة الوطأة على نفوس كل الشرفاء
في العراق والعالم أن الموآمرة الداخلية في البلاد والمحاكة بحسب
الفصال الدولي الخارجي ماتزال كما يبدو قد أعيدت بثوب حديد ضد الإنسان
العراقي الذي ما يزال يشعر بمعاملة التهميش وهو مازال يقظاً وقدماه
واقفتان على أرض وطنه.
ولعل أخطر ما يواجه حاضر ومستقبل العراق (الشعب
والوطن) هو المصالحة الظالمة المسماة بـ(المصالحة الوطنية) والمقصود
منها إكساب أزلام النظام الصدامي البائد إلى سابق نفوذهم في حال قيام
الدولة العراقية الجديدة. ومعلوم تماماً أن قرار قوى التحالف –
الاحتلال البريطاني – الأمريكي الأخير المنقول عبر أجهزة الإعلام
الدولية على لسان (بول بريمير) الحاكم المدني على العراق والخاص بحق
استعادة نوع أو أنواع من أزلام النظام إلى مواقعهم بمن فيهم على وجه
الخصوص العاملون في حقل التعليم وحقل الجيش على خلفية تبرير بأن الأول
منهم انتمو الحزب السلطة كي يكملوا دراستهم والذي كان شرطاً مفروضاً من
قبل النظام السابق هو تبرير غير مقبول إذ يتذكر الرأي العام العراقي أن
ذاك النظام الخائن قد قرر (تخريب) التعليم في العراق كي يعتمدوا على
مبادئ حزب السلطة في العراق التي لم يعرف المجتمع العراقي سوى تطبيق
معاكس لما كان معلن عنها في أدبيات قيادته الصدامية وفريقه السياسي
المشبوه فالوحدة كانت شعاراً لا تعني سوى عدم إقامة أي وحدة عربية
ومحاربة قوى التحرر الوطني العربية والحرية كانت خنق الشعب العراقي
وسلبه أبسط حقوقه حتى في التعبير أما الأشتراكية فقد كانت نهيبة علنية
لموارد البلاد المالية الضخمة لصالح صدام وعائلته والحاشية المجرمة
المحيطة به من مرتزقة النظام من سياسي الداخل والعربان (الخونة في
الخارج الذين اجتمعوا دون أي وازع من ضمير للتطبيل لكل إجراءات النظام
وما تخلله حتى غض النظر عن جرائمه العلنية ضد الشعب العراقي وكان كل
ذلك يحدث أمام مرأى (المربين) في التعليم الذين كانوا أبواق دعاية
للحكم الظالم في العراق ويلقنوا طلابهم من خلال المناهج المنافقة بمنح
صفات الوطنية والقومية والتحررية لجلاد العراق وفريقه السياسي الجاسوسي
واليوم حين يتم تغليب قرار (بريمر) يتبين أنه قد قد صدق أزلام النظام
الذين يملكون قابلية التلون مع أي وضع في العراق ويبدون للرأي العام
العراقي كـ(مساكين) ومعلوم أن كثير من هؤلاء المعلمين والمدرسين
وأساتذة الجامعات كانوا عناصر إجرامية شاركت في المذابح الجماعية على
العراقيين دونما أسباب موجبة وفي فترة من فترات مفارقات السياسة في
العراق إن جلب مدير الأمن العام ورقي لمنصب التعليم العالي والبحث
العلمي والذي كان يرأس التنظيم السري الإجرامي في حقل أساتذة التعليم
وهذا يبين أن الموضوع الذي يطرحه (بريمر) بهذه الصيغة لو مرر ونجح
فيسفقد قرار تغيير الحكم في العراق الذي تم أي معنى صحيح له ويناقض
تماماً سياسة النظام العالمي الجديد المعلنة من الغرب.
أما عن الوجهة الثانية المتعلقة بصفة إضفاء
الثقة لبعض أزلام النظام السابق من كبار الضباط العراقيين (اللاعراقيين
ضميراً) وقرب استقبالهم من قبل وزير الدفاع العراقي الجديد المعين
مؤخراً وزجهم في صفوف الجيش مرة أخرى للاستفادة من خبراتهم وعلى خلفية
التبرير بكونهم أصبحوا من (البطالة) فليس فيه ما يبرر التعامل بثقة
معهم فقد كانوا الادات الضابة بكثير من الأحيان في الاعتداء على الجارة
إيران وعلى الكويت أيضاً وكان أولئك الأزلام العسكريين بطريقة وبأخرى
من مساندي ومنفذي جرائم النظام حتى ضد الأشخاص النظيفين في الجيش
العراقي ولكونهم كانوا من حزب السلطة فقد كانوا من كتاب التقارير ضد
زملائهم ومعارضهم وإثبات هذه الحقيقة لا يحتاج إلى جهد كبير بسبب كون
تركيبة الحزب المذكور في العراق وطريقة عمله كانت تعتمد على مثل هذه
الأساليب الجنائية التي تستهدف الإيقاع بفخاخ السلطة آنذاك لأكبر عدد
ممكن من الناس وإلا فإن النظام السابق لم يكن بحاجة أصلاً لأي عنصر لا
يقوم بمثل هذه الأعمال المخابراتية القذرة.
أن أمام قوى التحالف – الاحتلال الأنكلو –
أمريكية اليوم وقيادتهما في لندن وواشنطن طريقان الأول هو كسب صداقة
الشعب العراقي عبر إنصاف مطالبة في الكرامة والحرية والسيادة وتحقيق
الديمقراطية له والسلم في ربوع البلاد ودون منح أي امتياز سياسي أو
إداري لأزلام النظام السابق وبطبيعة الحال فهذا لا يعني الدعوة إلا
لمحاسبة مجرميه والمخالفون لمبادئ حقوق الإنسان. وأما الطريق الثاني
فهو تلغيم ساحة المجتمع العراقي بعناصر من النظام السابق وبالتالي فقد
ثقة الشعب العراقي بسياسات بناء العالم الجديد الذي رفعه شعاره الغرب
ذاته بعد سقوطه منافسه المقبور الاتحاد السوفيتي السابق.
إن الرأي العام العراقي كأي رأي عام وطني لا
يفهم أو يستطيع أن يقدر كل النوايا عند الآخرين ويفسر العديد من الأناس
العراقيين اليوم معنى تصريح (المستر بريمر) على كونها إجراء للتحقيق من
نهج العنف الجاري في العراق والذي يقف حتماً على أغلب عملياته عناصر
عسكرية وحزبية من أزلام النظام السابق لأنهم يعلمون جيداً أن استقرار
الوضع السياسي في العراق إذا ما تحقق فسوف يساقون كـ(مخالفون) إلى
محاكم عادلة على أكثر احتمال لهذا فهم يتصيدون في ماء تعكير الوضع
الأمني في العراق حتى لا تأتي مناسبة (المحاسبة القانونية) لهم ومن
جانب ذو صلة فإن معاني قرار استعادة أزلام النظام السابق من العسكريين
أن الناس المتضررين من إرهاب دولة صدام وفريقه السياسي سوف لن يتشجعوا
لتقديم أي شكوى قانونية ضد عناصر النظام السابق على اعتبارهم أنهم
سيكونون ممثلون في السلطة الجديدة واحتمال أن يستعيدوا زمام قيادتها
مرة أخرى أمر غير مستبعد وأن هؤلاء المواطنين الشاكين سوف يلاحقوا من
قبل أزلام صدام مرة أخرى وتجربة حركة 18 تشرين الثاني 1963 التي أطاحت
بحكم حزب السلطة آنذاك ودعوة (عبد السلام عارف) قائد تلك الحركة ليقدم
المواطنين شكواهم ضد من ضرهم من عناصر السلطة الساقطة لم يستجب لها
مواطنو العراق تحسباً من لعنة الزمان الذي أعاد فعلاً نفس حزب السلطة
إلى دست الحكم في العراق بانقلاب 1968م الإرهابي. |