تعرضت الثقافة العراقية إبان عهود سياسية مرت
كان آخرها فترة حكم النظام الصدامي وفريقه السياسي الذي استماتوا من
أجل حجب عمليات تثقيف الإنسان العراقي فخلال فترة طويلة من الحكم
وبالذات منذ سنة 1979م اثر تنصيب صدام على رأس السلطة الفاشية ببغداد
كانت التعليمات الحكومية صريحة بإنزال عقوبة الموت لمن يستمع إلى اي
إذاعة خارجية عبر أجهزة الراديو إذا كانت تنقل أخباراً عن العراق حتى
ولو بصورة محايدة، فما بالكم لو كانت الأخبار ناقدة أو ساخرة في
الإجراءات القمعية التي يتعرض لها العراقيون.
لقد كان الهم الاول والأخير للسلطة الصدامية
الجائرة وأزلامها القمعيون هو كسب أكثر ما يمكن من مال وجاه ولأطول
فترة ممكنة يمكن أن يمكثوا فيها على دست الحكم ويديروا بها الدولة
الظالمة وبذاك فقد خسر هؤلاء الأزلام ضمائرهم أمام الشعب العراقي الذي
اعتبروه عدوهم الأول إن لم يكن عدوهم المتربص بهم فضيقوا على ثقافته
وتثقيفه الخناق حتى باتت قراءة كتاب سياسي عام جريمة لا تغتفر لدرجة أن
كاد الكتاب السياسي أو الكتاب الفكري أو الكتاب الثقافي أو الكتاب
الديني يختفي من المكتبات العراقية.
ويمكن الإشارة إلى أن ضعف قوى المعارضة من حيث
مستوى التكافؤ مع السلطة الحاكمة في العراق كان مشحوناً بالارتباط
المتواصل ويتضح ذلك من خلال عدم تفكير تلك القوى لوضع برنامج ثقافي
وتثقيفي للناس بحيث يجعلهم يعرفون ما يدور في العالم كـ(كل) والعراق
بوجه خاص.
ومن خلال المعايشات عن بعد قليل كانت الصورة
الثقافية عند نسبة عالية جداً من العراقيين الذين وصلوا إلى بعض
البلدان المجاورة للعراق تنم عن مدى المأساة التي وصل إليها الإنسان
العراقي جراء عدم معرفة (ألف باء) السياسة والجهل بمكائدها مثلاً قد
وصل في أذهان هؤلاء الضائعون من ناحية الافتقار لأولويات النظرة
السياسية للأحداث فمثلاً أن أعداداً كبيرة منهم كانوا يتساءلون عن
السبب الذي جعل ويجعل نظام صدام يمارس جرائمه حتى بالناس الأبرياء غير
السياسيين وبمثل ذاك النوع من التساؤلات قد نصلوا (صدام وحكمه) من
حقيقة العمالة للأجنبي الغادر الذي رسم خطة تحطيم المجتمع العراقي
وتضييع الوطن وخيراته بواسطة الأداة الصدامية وفريقها السياسي.
لقد فقد الشعب العراقي خيرة أبناءه البررة من
طبقة المثقفين نتيجة لاستباق قرارات اغتيالهم من قبل السلطة الغاشمة
ولم يتعدى الأمر بحدوث ذلك داخل العراق بل وتعدت عمليات الاغتيال إلى
خارج البلاد ضد مثقفوا العراق والشيء المضحك المبكي أن تلك العمليات من
قتل المثقفين العراقين تتم حين كانت السلطة الصدامية تروج لوصف ونعت
حكمها بـ(الديمقراطي الحقيقي).
واليوم فعلى كل القوى السياسية والاجتماعية
والدينية أن تتيح الفرص الكاملة لحرية التعبير والإطلاع على النتاجات
الثقافية من مختلف المشارب بعد أن وصل الحال السياسي في العراق بعد
زوال نظام صدام الجاهل الى الأجواء شبه المناسبة لانتهال من الثقافة
المنوعة فبذاك سيمكن وضع أسس فقد اثبتت تجارب العراق على الأرض حين
يقمع الرأي فيه تزداد نسبة الجهل بالأمور الثقافية التي منها جزئية (الثقافة
السياسية) فثمة أمل الآن أن يتم التعامل على سكتي مستجدات الثقافة
والتثقيف إذ أن ذلك سيزيد من الوعي الجماهيري ومعرفة الطريق الصافي
لحياة ثقافية ذات معنى.
إن وسائل التثقيف اليوم إلى جانب الكتاب هي ما
تبثه أجهزة الإعلام المرئي والمسموع أيضاً لكن ذلك لا يكفي قبل فتح
أبواب الحرية على مصراعيها أمام كل أبناء المجتمع كي يقولوا ما في
أذهانهم ويتم الحوار معهم على الجوانب المتحكمة بالأسس الثقافية
المحدودة التي يعيشها العراق حالياً ولعل في فرصة نشر عشرات الصحف
المحلية داخل العراق ما يمكن أن يشفي شيئاً من الغليل إلا أن ذلك غير
كافٍ تماماً لان معظم تلك الصحف هي خبرية أكثر منها تحليلية في
توجهاتها العامة.
إن كسب المعركة الثقافية لصالح الناس تقتضيه
شيوع أوضاع ديمقراطية فبا(الديمقراطية) وحدها سيرتفع الجدال إلى مستوى
الحوار الذي يعقبه حتماً توفير قناعات جديدة أحياناً ببعض الأمور
اللاممكن تجاوزها من أجل تحقيق ذلك فمثلاً أن حسن نوايا السلطات
القائمة وحكوماتها الشرعية تعتبران أهم ذخيرتان ممكن أن تقلب قصر النظر
عند عموم الناس في مجتمع تعرض للموآمرة على وعيه طيلة عقود عديدة كما
حدث بالنسبة للعراق إبان الفترة الإرهابية الشاملة التي قادها صدام
وفريقه السياسي الصلفين.
ولعل من أولويات نشر الثقافة والتثقيف السياي في
عراق اليوم والغد أن يعطي أكثر من رأي ونقد بأرشيف العراق السياسي
المعاصر فقد كان هناك دوماً علاقة طردية بين الثقافة والأوضاع السياسية
داخل البلاد ولعل في التوجهات الشخصية نحو التزود من النتاجات الثقافية
بطرق معينة قد أوصل العديد من المثقفين إلى مراتب مقبولة من الوعي
والمجتمع العراقي الذي رفض مثلاً ثقافة الحرب ضد إيران والكويت يرغب أن
يرى الثقافة في العراق أن تخطوا نحو الالتزام بثقافة السلم
والديمقراطية واحترام رأي الآخر بدل إلغائه. |