للدولة الحديثة قيم ولنهجها معانٍ إذا تجاوزنا
مبادئ التراحم وعمل على تخريبها سواء عن عمد من قبل الدولة أو في غفلة
منها فهي دولة غير جديرة على الثقة وعلى أساس من هذا استنكر شعب العراق
الواقع المختل لدولة صدام وفريقه السياسي الإجرامي حتى ليمكن الإشارة
إلى أن عليه تخريب النفوس قد وصلت إلى أقصى مداها في ظل ذاك الحكم أبيد
بأعجوبة بعد أن كان يوزع بث الرعب والجريمة المنظمة للدولة على أبشع
صورها.
ويمكن الإضافة أن ظاهرة تخريب النفوس التي أصابت
العراقيين كان من أول انعكاساتها أن تردى المجتمع العراقي في العموم
نتيجة لتردي وضع دولته الصدامية المشبوهة التي نفذت الموآمرة الخارجية
لتحطيم المجتمع العراقي فجعلته يلهث من أجل الحصول على قوته بأخس الطرق
الصعبة حيث انتشرت الجريمة وجناية السرقات وأشيع الاحتيال، ولعل هذا
الإرث السياسي والاقتصادي والثقافي المتراجع في العراق عن سويته قد
انتقل إلى جيل ما بعد نظام صدام الخائن وأن أحد أخطر واقع الحال
السياسي الحاضر والمقبل وللعراق سيكون هو هذه الجموع الإجرامية وذيولها
من أرباب وخدام السوابق الإرهابية في العراق الذي غدت الأخبار عما يحدث
فيه على كل لسان بالعالم.
إن العراق اليوم يعاني من أثر سوء الدولة
الصدامية الظاهرة جداً في العنف والتفجيرات المتلاحقة في العراق من قبل
أزلام العهد المباد الذين أخزوا البشر في خلقهم وأخلاقهم لما قدموا
نموذجاً من السلوك المشين الذي فاق كل تصور. وطبيعي فهذا ليس اتهام
موجه للنظام السابق وعناصره الإرهابية بقدر ما هو تذكير أن الفاعلين
الحقيقيين لكل ما حدث ضد المجتمع العراقي هم مفتعلوا الأحداث الإجرامية
والتفجيرية في عراق اليوم التي ماتزال معالجتها صعبة بعض الشيء.
وملخص التجربة السياسية في العراق تقول ان
بإمكان دولة صدام أنها لو أخلصت لمصالح الشعب والوطن العراقيان لكان
الحال أفضل مما يتصوره البعض نتيجة لكون العراق على رأس قائمة الدول
الغنية في العالم إذ أن ثرواته لا تعد ولا تحصى سواء منها المعدنية
داخل الأرض أو الزراعية النابتة عليها وهذا ما جعل الإنسان العراقي أن
يبقى متطلعاص ويدور بذهنه دوماً لما هو مستهدف حتى في حال عدم تدخله في
الأمور السياسية.
وحقاً فإن مقولة صلاح الدولة يؤدي إلى صلاح
المجتمع لأمر يكاد يكون مفروغاً منه وفي تجربة العراق وما آلت إليه
ظروف المجتمع العراقي من أحوال متردية لخير دليل على صحة المقولة
الآنفة فقديماً كان قد قيل أن صلاحية الرعية من صلاحية الحاكم والناس
على دين حكامها والناس الذين طالهم التخريب تنطبق عليهم المقولة
الثانية بحذافيرها فيما يتعلق بأولئك العراقيين الذين ارتضوا أن يكونوا
من شريري النظام الصدامي بكل ما يحمله من عار وخيانة فها أن شعب العراق
الطيب يدفع ثمن صك سياسة (غض النظر) التي مارسها النظام الصدامي بحقهم.
لقد أستدار نظام صدام بكامل فريقه السياسي على
ما أدعوه في أوائل حكمهم المشؤوم الذي بدأ في سنة 1968 حين أعلن عن ذاك
النظام بانقلاب أجنبي ملعون كان منفذوه هم أزلام كتلة البكر – صدام
العميلة التي رفعت (للتمويه) شعارات براقة في أول عهدها فصدقها سذاج
السياسة في العراق فكانوا طعماً سهلاً ابتلعه النظام في أول فرصة سانحة
حيث أخذت الأحداث الجارية في العراق تطال أغلب شرائح المجتمع العراقي
وبكل قساوة وهذا ما زاد من ثقل وطأة الإرهاب على العراقيين.
إن الدولة القادمة في العراق التي ستشرع بأول
خطواتها حين ستؤسس (الحكومة العراقية المؤقتة) كما متفق عليه مع قيادتي
بريطانيا وأمريكا اللتان تتواجد قواتهما العسكرية على أرض العراق كعسكر
محتلين فإن ما يطلب أن تكون عليه تلك الدولة هو تمتعها قبل كل شيء
بسيادة حقيقية حتى يتسنى تطبيق برنامج إصلاحي عام للدولة الجديدة.
وبعيداً عن نغمة (التهليل المجاني) الذي كان
مفروضاً على الخائفين من الناس في المجتمع المدني العراقي كي يبعدوا
وكأنهم مؤيدون لإرهاب الدولة الصدامية المنظم، وكان النظام قد التجأ
لهذه الطريقة ضمن عملية (إخصائه) لشجاعة رجال العراق وبحسبما أرادت
تنفيذه قوى أجنبية معروفة آنذاك لمحاولة تغيير أسطورة شجاعة العراقيين
المعروفة.
ولعل من مهام الدولة الصالحة التي يتطلع
العراقيون الآن لانبثاقها هو توفير مستلزمات العيش الكريم للناس وأن
يتمتع العراقيون بنظام سياسي ديمقراطي تعددي كل مشاكله تحل عن طريق
الحوار وان يشعر إنسان العراق أنه سيد في بلده عبر منح بلاه السيادة
الحقيقية التي تجعل اقتصاده حر أو تطلعاته الثقافية والفكرية محددة
لاختيار المجتمع العراقي وليست مفروضة عليه بقوة النفوذ السلبي الداخلي
أو النفوذ السلبي الخارجي ففي ظل أوضاع سياسية طبيعية سيمكن بناء
الدولة العراقية يعيش شعبها مالكاً لزمام أمره. |