يشعر العراقيون أنهم مستهدفون من محيطهم
العربي، ويمتعض كثير منهم من المواقف العربية إزاء الأزمة العراقية
التي امتدت عقودا طويلة..
معظم العراقيين فسروا هذا الموقف على أنه جزء
من حالة التردي التي يعيشها الواقع العربي، وهي ليست مقصودة ولا تحمل
عداءً ضد العراقيين حسب تصورهم، ولكن آخرين يرون فيها عداءً مقصوداً
مستشهدين بمواقف وسائل الإعلام العربية من الحرب الأخيرة تحديداً،
فهذه الوسائل الإعلامية_ حسبما يراها العراقيون _ لا سيما الفضائيات
العربية أو بعضها قد وقفت إلى جانب صدام حتى اللحظة الأخيرة، بحجة
أنها تقف مع العراق وليس مع نظامه السياسي. غير أن العراقيين يرون في
هذا مغالطة كبيرة فهم يقولون أن هذه الفضائيات وتحديداً الجزيرة
والعربية قد وقفت ضد الشعب العراقي بعد أن سقط صدام ونظامه.. ويشرح
العراقيون سخطهم على هذه الفضائيات بالقول ( إنها تكرس الطائفية
وتدعو للفرقة والعنف في العراق)..
السيد فاضل الهنداوي وهو رسام ومخرج يرى: ( أن
فضائية الجزيرة والعربية تثيران النعرات الطائفية وهو أمر واضح
للعيان، وقد رأينا ذلك بعد سقوط النظام مباشرة حيث عزفت على الوتر
الطائفي واتهمت مجلس الحكم بأنه طائفي ولا يمثل خيارات العراقيين..
ولكن هذه الفضائيات لم تقل يوما أن صدام كان طائفياً ولم تتعاطف مع
معاناة العراقيين ولم تغط بشكل حريص وحيادي الجرائم التي ارتكبها بحق
العراقيين طوال فترة حكمه).
ويضيف: ( لو تركتنا هذه الفضائيات وشأننا لكان
خيرا لنا، ولكنها تعزف عن تغطية الأحداث في مختلف أنحاء العالم وتكرس
كل همها وجهدها لملاحقة الأحداث في العراق، بل وصنعها في بعض الأحيان.
وقد رأى العالم كيف صورت الجزيرة والعربية بعض العمليات التخريبية،
وكيف أعطى مراسلوها نقوداً لبعض الصبية في مدينة عراقية كي يرفعوا
صور صدام حسين)!
السيدة شيماء عودة قالت: ( ليت هؤلاء الذين
يحرصون اليوم على التواجد في أمكنة الحدث قبل الحدث، ليتهم تواجدوا
عند قبور موتانا في المقابر الجماعية التي ملأت آفاق العراق..إنهم لم
يسجلوا موقفاً ينصف الحقيقة، لو كانوا حقاً حريصين على نقل الحقيقة
والبحث عنها)!
وترى السيدة شيماء عودة أن فضائية الجزيرة هي
من المؤسسات المجهولة الجذور: ( من يدري ربما شيدت هذه القناة بأموال
تنظيم القاعدة، أو غيره من التنظيمات المشبوهة، فمن يسيطر على هذا
القناة، ومن يديرها ومن يمولها.. هل تمثل هذه القناة حكومة قطر وهذه
الحكومة أقوى حليف لأمريكا في المنطقة؟!)
وترى السيدة ذكريات مظفر أن قناتي الجزيرة
والعربية تمثلان منطقاً أعور كونهما تنقلان أنصاف الحقائق ولا
تتعاملان مع الأمور بشفافية وتسوق مثلاً على ذلك: ( مصر والأردن
والمغرب قبضا مبالغ ضخمة من المساعدات الأمريكية بينما الحرب على
العراق على أشدها، ولكن أحداً من فضائية الجزيرة والعربية لم يقل أن
هذه المواقف (خيانية) أو أن هذا الأمر هو بيع للمواقف في أشد الأوقات
حراجة. كما أن الأعلام الإسرائيلية ترفرف على سفارات الكيان الصهيوني
في بعض الدول العربية ومن بينها قطر التي ينطلق منها صوت قناة
الجزيرة، غير أن هؤلاء الذين يعملون في هاتين القناتين يغمضون أعينهم
عن هذه الحقيقة)!
وتتساءل السيدة ذكريات مظفر قائلة :( من أين
انطلقت القوات الدولية باتجاه العراق... أليس من البلدان العربية،
فلماذا إذن يتهمنا (عمّال) الجزيرة والعربية بالخيانة ولا يتهمون
الدول العربية بذلك؟).
أما السيد أبو محمد الكربلائي فقال: ( من
يتتبع قناتي العربية والجزيرة يجد في ما تبثانه لحنا خاصا تكررانه
وتؤكدان عليه..هاتان الفضائيتان تحرضان على العنف والقتال في العراق،
ولا ندري حقيقة الهدف من وراء هذا التوجه.. بلدنا يمر بظرف عصيب
وشعبنا منهك جراء ما خاضه النظام البائد من حروب وما تسبب به من
معاناة... نحن بحاجة إلى الهدوء وإلى أن نلتفت إلى إعمار بلدنا
والاهتمام بمستقبل أجيالنا..)
لقد تضررت قطاعات واسعة لا سيما قطاع الماء
والكهرباء من خروج المئات من عمال الشركات الأجنبية الذين كانوا
يعملون في مشاريع إعادة الإعمار، فمن المتضرر من وراء ذلك غير
العراقيين ..
ويواصل السيد أبو محمد الكربلائي قائلاً : (
في العراق تباع ( اللالة النفطية) أو مصباح الزيت، بالرغم من كوننا
بلد غير فقير، فلماذا يحرض بعض المثقفين العرب وهاتين الفضائيتين على
تدمير العراق، ولماذا يرضون للعراقيين ما لايرضوه لأنفسهم؟ لو كان ما
يمر به العراقيون من معاناة يحدث في قطر مثلاً أو السعودية أو مصر،
فهل ستبقى نرى نفس المواقف المجحفة هذه أم إن الأمر سيختلف؟!).
ولكن بعض وسائل الإعلام ومنها قناة الجزيرة
والعربية تدافعان عن نفسهما بالقول أنهما تعكسان هموم الشارع العراقي،
وتحرصان على مواكبة تطورات الأحداث في العراق.. غير أن السيد أبو
محمد الكربلائي يرى غير ذلك: (بالعكس..المواطن العراقي لا يحتاج لمن
يحرضه على العنف والقتال وممارسة القتل والإرهاب... العراقيون بحاجة
إلى بيان الجوانب الأخرى في حياة العراقيين كالتعليم والبناء وأجواء
الحرية التي يعيشها الفرد العراقي والتي لم تكن موجودة... في العراق
اليوم عشرات الصحف وعشرات الأحزاب وفيه حرية في ممارسة الرأي وهو أمر
يستحق أن يشاد به ولكن أحدا من العرب لم يفعل ذلك، لأن التجربة
العراقية إن نجحت فستعصف بمواقع عربية كثيرة.. ثم دعني أتساءل _ يضيف
السيد الكربلائي_ هل يعلم العرب أن أبناءنا في المدارس كانوا يفترشون
الأرض ، ويعانون من شدة الحر في الصيف ومن برد الشتاء القارص في زمن
سلطة صدام التي طالما مجدها الإعلام العربي؟ بينما هم الآن أفضل
بكثير رغم عمليات القتل والعنف التي طالت مدارسهم وعطلت حركة الإعمار..
أنا أنصح تلك الفضائيات وكثير من الشخصيات الإعلامية والثقافية
العربية أن يتركونا وشأننا).
الاعلام وسيلة مهمة لنشر الوعي والثقافة وقيم
التحضر، ولكن بعض المؤسسات وبعض الدول للأسف تحرص على استغلال
الإعلام لنشر الفتنة وإثارة النعرات الضيقة، سيما في الأماكن التي لم
تعي بعد ألاعيب الإعلاميين في صياغة الخبر وتمرير الغايات غير
النزيهة، فالمواطن العادي مثلاً لن يكتشف الدس في خبر تبثه قناة
الجزيرة وتقول فيه: ( انفجرت عبوة ناسفة في أحد شوارع العاصمة بغداد
صباح اليوم ما أدى إلى مقتل طفل وإصابة آخر كانا في طريقهما إلى
المدرسة. ويبدو أن العبوة الناسفة قد استهدفت دورية أمريكية كان من
المفترض أن تمر من هذا المكان).
يصور الخبر زارع العبوة الناسفة وكأنه مقاوم
أراد إصابة آلية أمريكية بينما انفجرت عبوته بطريق الخطأ عند مرور
طفلين فقتلت أحدهما وأصابت الآخر بجروح، ولو أراد المخبر صياغة الخبر
بطريقة أخرى لفعل ولكان أقرب إلى الواقع قوله: ( قتل صبي في الثامنة
من عمره وجرح زميله إثر انفجار عبوة زرعها مجهولون على أحد الطرق في
بغداد، ويذكر أن المدن العراقية شهدت حوادث كثيرة من هذا النوع راح
ضحيتها مواطنون أبرياء، ولم تعلن أي جهة مسؤليتها عن تلك الحوادث
الأمر الذي يحيطها بكثير من الشكوك والتساؤلات).
|