ما
أن يحل المساء حتى يسود الصمت الحذر أحياء مدينة كربلاء التي تستعد
لاستقبال ذكرى أربعين الإمام الحسين..
هكذا عاشت كربلاء أيامها
الصعبة.
في النهار أقفلت معظم
المحال التجارية أبوابها وخفت حركة المارة فيها ولم يقصد الناس سوقها
إلا للتبضع الذي بات شحيحاً بدوره بسبب انعدام الأمن ومرابطة أصحاب
محلات الخضار في بيوتهم..
في ساحة التربية يعبث الصغار بسيارة عسكرية
بولندية محترقة..هذه السيارة كانت ضمن عدد من السيارات التي جابت
المدينة لتقوم بأعمال الدورية الروتينية، غير أن مجموعة من جيش
المهدي كمنوا لها عند معهد إعداد المعلمات فأصابوها بصاروخ أر بي جي...
في الحال قتل ثلاثة من ركابها وفرّ اثنان يقال أن جيش المهدي يحتجزهم
أسرى.
وفي نهاية شارع العباس في الجهة البعيدة عن
الحرم حيث مبنى المحافظة ومقر القوات البولندية، فالسيارات المدمرة
هذه المرة تعود للمدنيين حيث كانت هدفاً لنيران القوات البولندية
التي أخذت تطلق نيرانها بصورة عشوائية على كل من يمر من تقاطع هذا
الشارع الذي يبعد عنها أقل من مائة متر. وفي اليومين الماضيين باتت
تطلق نيرانها على أسطح المنازل البعيدة دون أن يعرف أحد على وجه
الدقة سببا لذلك. ولكن إشاعات يتناقلها الناس في كربلاء تقول أن
نيران قناصة تستهدف البولنديين من أسطح بعض المنازل الأمر الذي
يدعوهم لإطلاق النار !
وأي كان الأمر فالذي يدفع الثمن هم الناس
المسالمون ، سواء أولئك الذين تقع بيوتهم بالقرب من مقرات القوات
الدولية حيث يعيشون ليال مخيفة وسط القصف والقصف المضاد الذي يقع بين
تلك القوات وجيش المهدي..أو أولئك الذين يقطنون الأحياء الأخرى،
فالقلق يسيطر على الجميع.
هذا التوتر انعكس على مجمل تفاصيل الحياة في
كربلاء حيث عُطلت المدارس وترك الموظفون دوائرهم واختفى رجال الشرطة
من الشوارع، الأمر الذي يشيع حالة من القلق وشعورا بانعدام الأمن بين
المواطنين الذين راحوا يستعيدون الأيام الأولى التي تلت سقوط نظام
صدام.
البارحة
شن جيش المهدي هجوماً واسعاً ضد مقرات القوات البولندية استمر من
منتصف الليل وحتى الفجر، أسفر عن سقوط العديد من الإصابات حيث جاءت
سيارات الإسعاف لنقل المصابين إلى المستشفى الطبي التابع لتلك القوات.
أما جيش المهدي فقد خسر شخصاً واحداً قالوا أنه حاول اقتحام مبنى
المحافظة الذي يتجحفل فيه البولنديون، وبهذا يكون أنصار مقتدى الصدر
في كربلاء قد فقدوا اثنين على الأقل أحدهما قائد لإحدى السرايا ويدعى
مرتضى الموسوي حاول هو الآخر قبل يومين اقتحام مقر آخر للقوات
البولندية.
عشرات القذائف الصاروخية وقذائف المورتر
يطلقها جيش المهدي كل ليلة تقريباً منذ مساء الأحد الفائت على مقر
القوات الدولية في كربلاء، وهو يستعد لاستخدام قاذفات الستريللا
حسبما عرفنا من مصادر موثوقة، بعد أن استعانت القوات البولندية
بطائرات الآباتشي لملاحقة أفراده من الجو.
هذه الأوضاع الخطيرة ألقت بظلال داكنة على
الاستعدادات للاحتفال بذكرى أربعين الإمام الحسين ، فالذين وفدوا
مشياً على الأقدام من المدن الأخرى باتوا يواجهون ظروفاً أمنية
ومعيشية صعبة جراء انشغال الكربلائيين بهمومهم اليومية الناجمة عن
توتر الأجواء في مدينتهم، وربما عاد الكثير من هؤلاء إلى مدنهم،
وربما فكر آخرون بالعودة..
|