الإعلام المقبل في العراق يمكن اعتباره من
المحاور المهمة التي تفتش عن وضع الاسياق والتصورات الفضلى له فالعراق
الذي كان محط أنظار العالم دوماً في كل عهود التاريخ يكتسب اسمه الآن
اهتمام دولي به لأنه يمثل المحور الدولي الذي تدور في فلكه كل الدنيا
وتحسب لما يحدث فيه كل الحسابات ومنها المسألة الإعلامية ومساراتها
الراهنة داخل العراق وما يمكن أن تفضي به من تغيير ليس الأفكار فحسب بل
والتوجهات أيضاً.
وهذا يعني أن الغرب المحتل للعراق الآن المتمثل
بانتشار القوات الأنكلو – أمريكية فيه وبمساعدة قوات أجنبية أخرى (رمزية
رمزية في العدد والعُدّة) أن يفتش هذا الغرب عن مد جسور صداقة حقيقية
مع الشعب العراقي وأن يفكر مليون مرة قبل أن يتخذ أي إجراء لا يرضاه
العراقيون.. فقد كانت العلاقة السابقة التي كانت سائدة بين العراق
المعاصر الممتد منذ تأسيس المملكة العراقية سنة 1921م بين مد وجزر
استعماريين في أغلب العهود التي كانت لبريطانيا اليد الطولى فيه
وتساعدها بذلك أمريكا وهذا ما كان منعكساً بصورة واضحة على النشاطات
الإعلامية في تلك العهود الآنفة إذ عملت النوعية السلبية بتلك النشاطات
فعلى المتوقع بحفر فجوة نفسية سادها عداء تاريخي بين الشعب العراقي
كـ(مُطالب لحقه الطبيعي على سيادة بلده) وبين (القوات البريطانية
والأمريكية) التي كانت تتصالف في تمييع تلك المطالب بكل مرة يرتفع بها
صوت عراقي لإجلاء البلاد من الأجنبي المحتل إلا أن الظروف شبه الغامضة
عند الرأي العام العراقي هي التي سمحت بالاعتقاد ربما يكون صدام وحكمه
غير معاديان استراتيجياً لمصالح الشعب والوطن العراقيان.
ولا ينسى العراقيون أن اللعبة الإعلامية
الحكومية في العراق التي قدم عروضها نظام انقلاب 1968م المشبوه عبر
الإجراءات المزيفة التي أقدم عليها النظام لمحاولة ترميم سمعته
المنبوذة التي عرف عنه الشعب العراقي أثر تجربة انقلاب نفس الفريق
السياسي سنة 1963م حيث أضاقوا الناس الأبرياء الأمرين خلال فترة حكمة
استمرت زهاء تسعة شهور فقد العراقيون فيها أكثر من الكثير (في الأرواح
والأعراض والأموال) تحت شعار نغمة العروبة المزيفة التي اعتمدها أركان
النظام مما أعتبر أكبر إساءة سياسية وطعنة تآمرية دولية استعمارية ضد
الأخوة العربية في العراق على الأقل إذا كان الشعب العربي في العراق قد
دفع هو الآخر ثمن تهور نظام 1963م المشبوه مع أن الإعلام العربي لتلك
الفترة عبر شطره المشبوه كان هو الآخر يطبل لذاك النظام الذي قاده أناس
لم يكن أحد يسمع في المجتمع العراقي أنهم سياسيون لكنهم كانوا معروفين
في مناطق سكنهم كأفراد منبوذين من فاقدي السمعة الطيبة.
واليوم فإن العراقيون وبعد تلك التجارب التي
تعامل الإعلام المحلي العراقي مع بعض عهودها بروح اللامسؤولية لم يعد
مناسباً فظروف سني الستينيات والسبعينيات والثمانيات والتسعينات كانت
مربكة بسبب تباطؤ نشر الأخبار وعدم اتساع دائرة الإعلام الدولي لكن
المرحلة الراهنة بكل ما فيها انتشار سريع للنتاجات الإعلامية المتعلقة
بالشأن العراقي وبالذات فإن الطموح العراقي العام يتجه نحو (الخيار
الديمقراطي في الإعلام) ولا يراهن العراقيون على غير ذلك فالإعلام
العراقي لا يمكن وصفه بـ(إعلام ناضج) إذا لم يعتمد على المكاشفة مع
الجماهير حول كل ما يهمه أن يعرفه من أمور سابقة أو حاضرة أو سابقة وأن
على القائمين والمشرفين على الإعلام العراقي المقبل حتماً بثوبه الجديد
أن يأخذوا بكل اعتبار أن المجتمع العراقي لم يعد يستسيغ أي نوع من فروض
الهيمنة أو المصادرة للحقوق الإعلامية.
وبهذا الصدد ممكن الإشارة السريعة إلى أن تهيئات
تتم لتوسيع العمل الإعلامي في العراق ولكن ليس بقيادات إعلامية عراقية
فمثلاً أن (إذاعة أوربا الحرة) وهي المؤسسة الإعلامية الأم بالنسبة (إذاعة
العراق الحر) تنسقان لتقديم برامج من نمط معين وهذه الإذاعة الأخيرة
التي أنشئت سنة 1998م ويقول عنها مديرها (ديفيد نيوتون) ما معناه (أن
المستمعين يقدرون ما تقدمه الإذاعة من برامج أصيلة.. ويعولون على قدرة
المحطة على تقديم تغطية واسعة النطاق لقضايا الساعة بالعراق وأشار
استطلاع بهذا الشأن أن (10%) من المستمعين في العراق يوجهون جل
اهتمامهم بإذاعة العراق الحر.
وعلى صعيد تثبت مسارات جديدة أخرى في الإعلام
العراقي وفي خطوة تعد الأبرز في مجال التقنية المعلوماتية في الحياة
الإعلامية العراقية الحديثة فإن شركات أجنبية بدأت تفتش عن مواقع
لأقدام لها في الحياة الإعلامية العراقية فقد تم إنشاء شركة بريطانية
كردية ستنشى نظام كمبيوتر واتصالات متطور في العراق في حين قامت القوات
الأمريكية بفتح مقهى انترنيت واسع مجهزة كمرحلة أولى من عشرين كمبيوتر
وبتمويل أمريكي طبعاً في أحد قصور صدام بمدينة تكريت.
ومع أن الوسائل الحديثة قد أصبحت من مقومات أي
إعلام ناجح إذ يمكن الاستفادة القصوى من التقنيات التكنولوجية المتطورة
في تسهيل مهام إعلامية كثيرة وبسرعة تعتبر خيالية من حيث أداء المهام
ونشره كـ(الرسائل الإلكترونية) وغيرها. إلا أن مثل هذه الانعطافة
الإعلامية يصاحبها أحيان (إغواء إعلامي) أن صح التعبير فقد أفدت بعض
الأخبار الواردة في مدينة النجف بالعراق مؤخراً: (أن الاستخبارات
الإسرائيلية تشرف على التلفزيون العراقي) حالياً كما صرح بذلك الشيخ
صدر الدين القبانجي من مكتب المجلس الأعلى الثورة الإسلامية هناك حيث
أشار إلى أن عناصر بالمخابرات الإسرائيلية يعرفها بالاسم والسؤال
الممكن إثارته بهذا الشأن أن قوى الاحتلال الأنكلو أمريكي هي التي تشرف
على التلفزيون العراقي المسمى (ايراكي ميديا نتورك) فكيف تسمح هذه
القوى بجلب عناصر إسرائيلية لتأخذ دوراً في العراق لا يرضى عنه
العراقيون ألا يعتبر ذلك أن صح الخبر الذي جاء بهذا التجريد على شبكة
المعلومات الدولية (الانترنيت) أن بريطانيا وأمريكا تخططان لاستلاب
مونة الإعلام القادم من أهم مقوماته المحلية – الوطنية؟ |