تدفق الملايين من الشيعة من ختلف دول العالم على
مدينة كربلاء المقدسة العراقية يوم الاحد لاحياء ذكرى أربعينية الامام
الحسين بن علي عليه السلام حفيد رسول الاسلام(ص) وثالث ائمة الشيعة
الذي قتل على مشارف هذ المدينة في عام 680 الميلادي، وذلك على الرغم من
المخاوف بوقوع هجمات.
وتجمعت الحشود التي قدمت من مختلف انحاء العراق،
فضلا عن ايران وافغانستان وباكستان ولبنان وبلدان اخرى، امام ساحات
ضريح الامام الحسين واخيه العباس عليهما السلام.
وانطلقت «مسيرات حسينية» سمعت فيها هتافات مؤيدة
للزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر الذي تخوض ميليشياته المعروفة باسم «جيش
المهدي» مواجهات مع قوات التحالف في بغداد والعديد من مدن العراق
الجنوبية.
وقامت حشود اخرى بالطواف في حرم الضريح وحمل
بعضهم الرايات السوداء، وكان اللون الاسود هو الغالب في ألبسة
المحتفلين بالذكرى الذين راح الكثير منهم يلطمون صدورهم او يضربون
ظهورهم بالسلاسل كما في ذكرى عاشوراء.
ولم تنل مخاطر التعرض لاعتداءات او وقوع
اشتباكات بين انصار الصدر وقوات التحالف من حماسة زوار العتبات المقدسة
في كربلاء الذين ملأوا الساحات العامة حول مقام الحسين وداخله.
وكانت كربلاء تعرضت قبل اكثر من شهر الى
اعتداءات في مناسبة ذكرى عاشوراء اوقعت 112 قتيلا و235 جريحا. كما دمر
انفجار هائل واجهة مرقد الإمام علي في النجف في اغسطس (آب) الماضي
واوقع 93 قتيلا.
وقال الزائر الايراني محمد همامي، 25 عاما، الذي
قدم من اصفهان لزيارة كربلاء «ليتني اموت شهيدا الى جانب سيد الشهداء»
وهو يتابع بعينيه مسيرة اختلط فيها الشيوخ والشبان والاطفال والنساء
تتجه نحو المقام الذي تلوح قبابه الذهبية على بعد اميال من المدينة.
وامضى معظم الزوار ليلتهم في كربلاء ونام الكثير
منهم في حرم المقام او في الساحات العامة ليكونوا اول الواصلين وينضموا
صباحا الى المسيرات الحسينية التي تعبر شوارع المدينة قبل ان تصل الى
الوجهة النهائية وإلقاء التحية على ابي عبد الله الحسين بعد تقبيل
العتبات في كل زوايا الضريح والتبرك بالقفص الذهبي الذي يحيط بالمرقد
المقدس.
ولكن الاربعينية مرت بسلام. ومازالت الشوارع
مزدحمة بالشيعة ومنهم من مشى لعدة أيام قادما من أجزاء أخرى من العراق
لزيارة ضريح الامام الحسين في كربلاء.
والى اجواء الحزن والندب التي تخيم على المدينة
التي تحولت كلها الى مجلس عزاء ممتد، تضاف مشاعر الغضب ضد اولئك الذين
قمعوا كل مظاهر الذكرى طوال ثلاثة عقود في ظل نظام صدام حسين.
ولكن الغضب تحول بعد انقضاء عام كامل على سقوط
النظام السابق الى عدو جديد هو المحتل الاميركي خصوصا بعد المواجهات
الدامية بين قوات الاحتلال وبين انصار مقتدى الصدر نجل ابرز مراجع
الشيعة الذي قتله النظام السابق قبل خمس سنوات.
وقال رسول قحطان، وهو احد رجال الدين
الكربلائيين «انا اؤيد دعوة السيد مقتدى الصدر للانتفاضة، وكل من يقضي
دفاعا عن الدين فهو شهيد سيلتحق بسيد الشهداء الإمام الحسين». واضاف «الاميركيون
وحلفاؤهم لم يأتوا لنجدتنا وانما من اجل مصالحهم».
ولم يكن هناك ما يشير الى اي وجود مسلح لميليشيا
«جيش المهدي» في الحرم حيث تتولى الحراسة عناصر كلفتها الحوزة الدينية
بذلك. اما على مداخل المدينة فتقوم عناصر من «فيلق بدر» التابع للمجلس
الاعلى للثورة الاسلامية الممثل في مجلس الحكم برئيسه عبد العزيز
الحكيم بتفتيش السيارات وركابها.
وكانت قوات التحالف قد حذرت من هجمات ارهابية
محتملة ربما تقوم بها مجموعات تتسلل الى الداخل، اما من انصار النظام
السابق او من جماعة ابو مصعب الزرقاوي بهدف اثارة فتنة طائفية.
وأنهى سقوط الرئيس السابق صدام حسين ونظامه
العلماني الذي كان يهيمن عليه السنة عقودا من القمع للاغلبية الشيعية
الذين يمثلون 60 في المئة من السكان وأتاح لهم حرية احياء يوم عاشوراء
والاربعينية.
وقال خالد مجتبى وهو طالب من البصرة التي تقع
على بعد 425 كيلومترا "استغرقت رحلة قدومي الى كربلاء مشيا أسبوعا...
وكلما شعرت أن ساقي لا تقويان على حملي أذكر نفسي بمعاناة الامام
لاواصل السير."
وقالت الادارة الامريكية التي تقودها الولايات
المتحدة في العراق ان أكثر من مليون شيعي توجهوا الى كربلاء لحضور
الاربعينية وهو عدد أقل مما كان متوقعا.
وبحلول ظهر الأحد وبينما كان كثيرون يستعدون
لمغادرة كربلاء تجمع نحو 150 تأييدا للصدر.
وقال مراد المحمدي من مدينة الصدر ببغداد "نحن
ندعم مقتدى لانه تحدى الامريكيين والصهاينة وكشف رجال الدين المنافقين."
وفي أحد الشوارع حيث تحطمت معظم النوافذ وظهرت
اثار الرصاص على الجدران بعد القتال مع القوات البولندية دفع السكان
المحليون بعيدا رجلا كان يهتف تأييدا للصدر.
وقال أحد السكان "ابعد عن هنا لدينا نساء وأطفال...اذا
كنت تريد قتالهم فاذهب وقاتلهم في حيك ولا تقاتل في مدينتنا."
ولم يكن للشرطة العراقية التي وكلت اليها القوات
التي تقودها الولايات المتحدة من قبل الحفاظ على النظام خلال
الاربعينية وجود في كربلاء بعد اشتباكات الاسبوع الماضي.
وقام رجال ميليشيات شيعية وحراس محليون وظفت
بعضهم السلطات الدينية بدوريات في الشوارع.
وأعربت بعض السلطات الدينية عن قلقها. وقال افضل
الشامي رئيس امن مزاري الامامين الحسين والعباس في كربلاء "بسبب
الاشتباكات اختفت الشرطة تاركة فراغا كبيرا في خطتنا الامنية. نشعر
بقلق من ان يحاول البعض استغلال هذه الثغرة الامنية."
وقال محافظ كربلاء الجديد سعد صفوت المسعودي ان
الزيارة مرت بسلام وعاشت المدينة يوما من الهدوء بفرض حرص القوى
والهيئات والأحزاب في المدينة اضافة الى الدور المميز لشرطة كربلاء .
وأضاف في تصريح صحافي ان الجميع حرصوا على تأمين الأمن وتوفير الخدمات
اللازمة لأكثر من مليون زائر وهذه هي الأربعينية الثانية التي يؤمها
الناس منذ سقوط النظام البائد بكل حرية ودون قمع أو خوف كما كان يحصل
في عهد صدام .
ومن جهته قال عباس الحسني مدير شرطة كربلاء ان
الشرطة بذلت جهودا كبيرة منذ عدة أيام للمساهمة مع بقية المنظمات
والهيئات الدينية لضمان أمن وسلامة الزائرين وقد أثبتت أنها بالفعل في
خدمة المواطن وأنها لا تألوا جهدا في توفير الأمن للناس ولا يمكن أن
تصطف إلى جانب أعداء الشعب وخدمة الأجنبي وأكد أن رجال الشرطة يطالبون
بما يطالب به الشعب العراقي من رحيل الاحتلال وعودة السيادة للعراق .
واشتبك انصار الصدر على مدي الايام السبعة
الماضية مع القوات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق مما زاد من
مخاوف اراقة مزيد من الدماء خلال الاحتفال بأربعينية الامام الحسين .
وقال حسين راضي وهو شيعي من بغداد"كل عائلتنا
كانت تريد المجيء ولكن تعين اعادة النساء والاطفال في اخر دقيقة بسبب
القتال."
ويستمد الصدر الدعم الاساسي من الاحياء الفقيرة
الواقعة على اطراف بغداد وهو اقل شعبية في كربلاء.
وقال بول بريمر الحاكم المدني الامريكي للعراق
انه لا يمكن ضمان سلامة المحتفلين خلال الاربعينية.
وتقول واشنطن انها تشك في ان الهجمات الدامية
التي وقعت خلال يوم عاشوراء في الشهر الماضي دبرها الاردني ابو مصعب
الزرقاوي المتهم بصلته بالقاعدة في محاولة لاثارة حرب طائفية في العراق.
وحث تسجيل صوتي نسب الى الزرقاوي على موقع
اسلامي على الانترنت الاسبوع الماضي المتشددين السنة في العراق على
مهاجمة القوات الامريكية "والمتواطئين"الشيعة.
ولم يكن للشرطة العراقية التي وكلت اليها القوات
التي تقودها الولايات المتحدة من قبل الحفاظ على النظام خلال
الاربعينية وجود في كربلاء بعد الاشتباكات التي وقعت في الاسبوع الماضي
.
وانتقد بعض الزوار كلا من قوات الاحتلال التي
تقودها الولايات المتحدة وميليشيات الصدر بسبب الفوضى التي يشهدها
العراق.
وقال حامد حائري وهو عراقي عائد من ايران"قوات
التحالف اشعلت هذه الازمة كلها عن عمد.
"ولكن هؤلاء الذين يقاتلون في هذه الايام
المباركة ليسوا شيعة. انهم يقاتلون من اجل مصالحهم السياسية."
المصدر: وكالات |