الطريق إلى كربلاء لا يماثله طريق آخر، إنه
محفوف بالمخاطر دائماً.. النظام العراقي
البائد حارب شعائر العراقيين الشيعة ومنعهم من زيارة مرقد الإمام
الحسين (ع) الذي يزورونه مرتين في كل عام
على الأقل..
شعائر الزيارة لدى
العراقيين الشيعة تتخذ أشكالاً متعددة، فهم يقصدون مدينة كربلاء حيث
مرقد الحسين قبل أيام من المناسبة ليقيموا فيها ويسيروا مواكب العزاء
التي يستذكرون فيها ما جرى على الإمام الحسين قبل مئات القرون..
ومنهم من يسير على قدميه قاصداً كربلاء..
أهالي المدن القريبة ينطلقون من مدنهم بشكل مباشر، بينما
القادمون من مدن بعيدة يستقلون السيارات في القسم الأول من رحلتهم،
ويترجلون عند مناطق معينة، كمنطقة طويريج ليواصلوا الرحلة مشياً حتى
مرقد الإمام الحسين (ع)..
قبل أيام من زيارة الأربعين لهذا العام بدأ
الشيعة يتوافدون لهذه المدينة.. لم تمنعهم
التهديدات الأمنية الكبيرة، فقبل أسابيع فجر إرهابيون أنفسهم وسط
الزوار في كربلاء والكاظمية..
السيد عباس وهو من مضيفي الزوار في الطريق قال
إن مئات الناس يمرون يومياً من أمامه في طريقهم إلى مدينة كربلاء وبدا
مسروراً بتقديم الشاي مجاناً للزوار.
بدا المشهد رائعاً وأنت ترى الطريق العام بين
منطقة طويريج وكربلاء مزدحم بـ(المشاية) بحسب تعبير السكان هنا، وهم
يقصدون بذلك الزوار الذين يفدون سيراً على الأقدام... رجل بعكاز،
وامرأة كبيرة، وآخر يدفعه أقرباؤه بعربة... أطفال وشباب وصبية وكبار سن
ونساء من مختلف الأعمار كلهم في الطريق إلى كربلاء..
شاركناهم المشي بالاتجاه المعاكس وكأننا نرغب في
الوقوف عند نهاية هذا الحبل البشري الممتد إلى انتهاء الأفق..
مواطن آخر جاء هو وولده
من محافظة الديوانية وقد قضى ثلاثة أيام ماشياً.. يسير في النهار ويبات
ليلاً عند المضائف المنصوبة على طول الطريق،
أو إن شاء طرق بابا لمنزل في أي منطقة على الطريق، فأبواب الجميع
مفتوحة بوجه الزوار..
التهديدات الإرهابية لم تخيف الزوار وبدا لديهم
إصرار على إقامة الشعائر الحسينية بصورة أكبر طالما هناك تهديدات (ضد
الحسين).. الزوار يفهمون الأمر هكذا فالتهديدات والتفجيرات وأعمال
الإرهاب التي يهدد بها بعض الإرهابيين يعتبرها الشيعة موجهة بالدرجة
الأولى ضد الحسين (ع) لذا هم يصرون على أن
يكونوا هنا( في كربلاء) دفاعاً عن الحسين..
زائر آخر من أهالي الديوانية قال: ( قدمت لأخلد
ذكر الحسين) وحين سألناه ألا تخشى أعمال الإرهاب أجابنا بثقة: ( لا
والله روحي فداء للحسين).
المسألة التي لا يعرفها أعداء الحسين أن
العراقيين أعطوا تضحيات جسيمة على طريق الحب هذا، وما هذه المقابر
الجماعية إلا تأكيد وشاهد على هذه الحقيقة... حاول صدام بشتى السبل أن
يمنع العراقيين عن الحسين ولكنه عجز في النهاية..
سيدة عراقية تجاوزت الخمسين من عمرها خرجت من
منزلها قبل يوم من لقائنا معها، قالت: (أتمنى لو أموت قرب الحسين).
الغذاء مجاناً
على طول الطريق وفي كل المحافظات القريبة وربما
حتى البعيدة عن مدينة كربلاء توزعت مقرات لمواكب توزع الغذاء والماء
وأوقف بعض الخيرين سياراتهم تحسباً لأي طارئ قد يتعرض له بعض الزوار
نتيجة لطول الطريق..
السيد ستار صافي العرداوي كان يشرف على أقربائه
وأبناء عشيرته وهم يوزعون الطعام على الزوار وبدا مهتماً وفرحاً بما
ينجزه من عمل في سبيل الحسين (ع) على حد
قوله: (لسنا من اليوم نوزع الطعام مجاناً في سبيل الحسين بل نحن سائرون
على هذه العادة منذ عشرات السنين.. وحتى في
وقت النظام السابق ورغم الممانعة كنا نتحايل كي نوزع الطعام على الزوار
ولو سراً في كثير من الأحيان، أقصد بعيداً عن أعين السلطة آنذاك).
يشير السيد العرادي إلى مكان بدا خرباً قائلاً:
(حاولنا أن نبني حسينية هنا ولكن صدام هدمها)!
دعوة للتكاتف
ويضيف السيد العرادي قائلاً: (نحن نمر بظروف
غاية بالصعوبة والحساسية فأدعو جميع الأخوة الزوار وأهالي كربلاء
للوحدة والتكاتف من أجل سلامتهم..).
وبينما
كنا نسير بين مواكب الزوار رأينا سيارة للشرطة تجوب الطريق الخارجي..
أحببنا أن نتعرف عن قرب على ما يقوم به جهاز الشرطة من أجل سلامة
الزوار.. ولكننا وقعنا في المشاكل دون أن
نشعر.
حقيبتنا الغريبة والكاميرا الرقمية التي تشبه
جهازاً غريباً حملت سائق سيارة الشرطة على إطفاء مسجل سيارته الذي كان
يبث قراءات حسينية.. قابلنا جميع من كان في السيارة وهم أربعة أشخاص
بمن فيهم الضابط بلغة حذرة أمطرونا أنا وزميلي بسيل من الأسئلة.. لم
يقتنعوا بهوية الصحافة التي نحملها إلا بعد أن أخرجنا لهم بطاقاتنا
الشخصية!!
بعد ذلك تحدث الضابط عن مهام الشرطة وخططهم
لحفظ الأمن الذي فقد بعد لقائنا به بساعات إثر المواجهات التي قادها
جيش المهدي ضد القوات الدولية!! |