المتابع لما قيل عن وصف الكتاب يطالع العديد من
التعريفات له ولعل أهم تعريف له أن وصف بكونه الصديق المخلص أبداً
للإنسان فكيف ذلك؟
لو احتسب الكتاب كـ(نتاج ثقافي) لتم التيقن أن
نتاجات الثقافة منوعة وليست مقصورة على شكل دون آخر ومع ما يبدو أن
الهيئات المحلية والدولية لم تنبته بعد لتحدد يوماً عالمياً للكتاب
تمييزاً وامتيازاً وتقديراً له على اعتباره من اقدم المصادر الذي لعب
دوره في نشر المعرفة قبل أن يبت في نشر الصحف أو تخترع الإذاعة أو
السينما أو التلفزيون إذ ظهر الكتاب لأول مرة حين كان النتاج الفكري
ينشر على مواد صلبة كـ(حجر) أو هشة كـ(القصب) و (على جلود الحيوانات
أيضاً)... الخ حتى إذا ما وصل الإنسان إلى اكتشاف الطباعة فقد صاحبت
توصيل الكتاب إلى مرحلة الثورة في سعة النشر كماً ونوعاً وعلى وجه
التخصيص حين اكتشف الإنسان الورق الأبيض المعاصر بصفته المادة الأساسية
التي كانت الركن الأساسي في انتشار ظاهرة الطبع والطباعة قبل أن تصل
إلى هذه المرحلة المتقدمة التي جعلت للكتاب الرونق الراقي في شكل
طباعته وتصميم غلافه واختيار شكل حرفه المناسبة المريح أكثر للعين
القارئة حتى كاد إعجاب الإنسان بالكتاب أنه لم يكتفي باقتناء كتاب واحد
أو عشرة كتب بل تابع الناس الميسورون الذين عرفوا قيمة الكتاب إلى
اقتناء أغلب الكتب التي يرونها كـ(إصدارات جديدة) في المكتبات التجارية
لدرجة أن أعداد الكتب التي اقتنوها شراءً قد وصلت إلى الآلاف ولدى بعض
الأشخاص إلى عشرات الآلاف مما كان ذلك مناسبة لتأسيس كل منهم لمكتبه
الشخصية في بيت سكنه.
ولو تم سؤال واحد من هؤلاء الذين أسسوا مكتباتهم
الشخصية عن مدى أهمية وجود كتاب معين كانوا قد طالعوه وإبقائه في
مكتباتهم لأجابوك على الفور أنه ذو قيمة عالية ويشكل بالنسبة لأي منهم
ثروة روحية لا تعادلها أي ثروة من المال. أما عن أعداد الكتب في
المكتبات الحكومية العالمية فتصل في بعضها إلى مليارات النسخ وتأخذ
حجماً تملأ رفوف كثيرة من قاعاتها.
وبقدر ما دفعت الضرورة وما تزال تدفع بالاهتمام
بنشر الكتب فهذا يعني أن ميزة الكتاب عن أي نتاج ثقافي آخر يختلف لكونه
متخصص على الغالب في تبيان موضوع محدد فيه يحدده عنوانه ويبدو ذلك
ظاهراً من عشرات آلاف دور النشر التي تنشر الكتب بمختلف لغات العالم
وليس الأمر يقف عند هذا الحد فعد صاحب ذلك نشر الكتب المترجمة في
لغاتها الأساسية التي ألفت فيها إلى لغات أخرى وهذا ما ساعد على تقارب
الأفكار وفهم الآخرين الذين لا يجيدون لغات أقوام أخرى وعنوان أي كتاب
هو الذي يحدد موضوع الكتاب أو يشير إلى محتواه على أغلب الأحوال.
ولخطورة ما يطرحه نوع محدد من الكتب وبالذات ما
يتعلق منها بتبيان الحقائق التي تتحسس منها مواقف بعض الدول لأنها تخشى
أن تمسها نصوص من الكتب بصورة غير مباشرة لكنها واضحة في مقاصدها، لذلك
برزت ظاهرة ذات حيلة اعتمدتها بعض الجهات والمؤسسات الحكومية أو
السياسية التي تعيش في الظل إلى تحريف بعض الكتب بهدف الإساءة لكتاب
محترمين لم يقولوا ما تنشره كتب مدونة عليها طباعة أسماؤهم لكن بعض
محتوياتها متعرضة لتحريف معاكس ومشاكل وكل ذلك على خلفية الإساءة
المتعمدة للمؤلفين المعنيين ولتتفيه مواقفهم الإنسانية والإيجابية.
وبهذا الصدد يمكن الإشارة أن المناؤات في النشر
المعاكس تتبناها أحياناً دور نشر وهمية أي ليس لها وجود في أرض الواقع
لكن أصحابها لهم من النفوذ ما يستطيعون منه أن ينشروا الكتب المحرفة في
بعض نصوصها بيسر تام مستغلين حالة الخلل المستشرية في بعض أوساط توزيع
الكتاب وضعف الرقابات الرسمية بعدد من الدول التي تعاني من شبه توجه
فيه للاهتمام ما يمكن بتسميته متابعة حريصة على بناء الإنسان ثقافياً.
والكتاب الجيد الذي أضحى أحد أهم لوازم الشخصية
المتفقة ويشكل حملة باليد في الأماكن العامة اعتداداً لشخصية حامله فيه
من الفوائد ما يمكن أن يغني معلومات الشخص ويفتح له كل الأبواب المغلقة
المطلة على عوالم المعرفة بكل ما فيها من نتاجات إبداعية.
واقتناء الكتاب كما لا يخفى على أحد هو مقدمة
للدخول إلى عالم خاص يؤدي إلى أن يحمل المرء المطالع له رؤى حضارية
خاصة تسند توجهاته الشخصية وتنمي اهتماماته الروحية وتجمل سلوكه وتدفع
بأخلاقياته دوماً أن يراجع نفسه فيما يفعله وفيما فعله وكلما كبرت درجة
الثقافة لدى المرء القارئ توفرت لديه القناعة أكثر بالرضى بالقدر وما
تأتي به الحياة من محاسن أو مساوئ بحيث يستطيع من خلالها تقديم أفضل
الحلول لأي مشكلة تعترضه إذ أن تلك هي ميزة المثقف الحقيقي الذي تمده
الكتب بإحاطات لا يوفر في الحياة إلا الكتاب والتجارب الشخصية.
لقد بات احترام الكتاب في العالم المتحضر سمة
مميزة يحرص عليها الناس الواعون من أجل أن تكون للكتاب دوماً منزلة
خاصة في النفس غير قابلة للتضاهي. |