عادت اليافطات المطالبة بإجراء الانتخابات تملأ
الشوارع العراقية مع اقتراب موعد تسليم السلطة للعراقيين في الثلاثين
من حزيران القادم ، في وقت دعا فيه مجلس الحكم العراقي الأمم المتحدة
للعب دور أكثر فاعلية في مساعدة الشعب العراقي للخروج من أزمته الحالية.
ومما يذكر في هذا الشأن أن الشيعة العراقيين الذين
يمثلون الأغلبية في العراق قد أعلنوا مرارا على لسان مراجعهم الدينين
ومؤسساتهم الثقافية والسياسية إصرارهم على إجراء الانتخابات ، بينما لم
توافق أطراف عراقية أخرى لا سيما سنة العراق على إجراء مثل هذه
الانتخابات في وقت مبكر بدعوى أن الوضع الأمني لا يسمح بإجرائها . وقد
أثار تقرير الأخضر الإبراهيمي الذي رفعه للأمين العام للأمم المتحدة
السيد كوفي عنان في وقت سابق والذي أكد فيه عدم إمكانية إجراء انتخابات
في العراق قبل مرور عام، حفيظة الأطراف الشيعية التي اعتبرته محاباة
لسنة العراق على حسابهم..
الأكثر من ذلك أن الشيعة العراقيين وبعض السنة
والتركمان وبعض الأقليات الأخرى لا ينظرون إلى قانون إدارة الدولة
العراقية للفترة الانتقالية(الدستور) بارتياح، بل يعتبره الشيعة (مصادرة
لحقوق الأكثرية في وقت تعني الديمقراطية احترام الأقلية لرأي الأكثرية
مع الحفاظ على حقوق الأقليات)، حسبما أكدوا ذلك في ندوات ومحاضرات وخطب
واسعة سجلوا فيها تحفظاتهم على الدستور العراقي الذي أقر بعد تأجيل دام
عدة أيام إثر تحفظات الشيعة في مجلس الحكم عليه..
عودة اليافطات المطالبة بإجراء الانتخابات من جديد
تعكس من جهة أخرى قلقاً شيعياً مما تخفيه المرحلة القادمة سيما وأن
ممثليهم في مجلس الحكم الانتقالي لم يتمكنوا من تسجيل حضور فاعل في قطف
ثمار التغيير الذي قام حسبما يراه الشيعة على أجساد مئات الآلاف من
ضحاياهم الذين قضت عليهم سلطة صدام ودفنتهم في مقابر جماعية بشعة لم
يشهد لها التاريخ مثيلاً في العصر الحديث.
هذا القلق الشيعي جاء أيضاً على خلفية تحالفات
سياسية عراقية وإقليمية.. ففي الوقت الذي اعتبر شيعة العراق حليفاً
ستراتيجياً للكرد طوال سنوات نضالهم ضد الديكتاتوريات التي تعاقبت على
حكم العراق،ابتداءً من فتاوى علماء الشيعة بتحريم قتال الكرد ومروراً
بتأييد الأحزاب الإسلامية الشيعية العراقية لأحزاب (المعارضة) الكردية
في مطالبها بحكم فيدرالي يضمن حقوق الكرد بعد سنوات من الاضطهاد لاقوها
على أيدي الحكومات القومية والطائفية، يشعر الشيعة أنهم خُذلوا من
حلفائهم الكرد الذين استغلوا إلى أقصى حد الصراع السياسي السني –
الشيعي لتحقيق مكاسب كردية.
وبدت الهوة الكردية الشيعية واسعة من خلال تصريحات
السيد زيباري وزير الخارجية العراقية التي قلل فيها من أهمية انسحاب
الشيعة من التوقيع على قانون إدارة الدولة في وقت سابق معتبراً إياهم
أقلية، ومتهماُ إياهم بالوقوع تحت تأثير أطراف خارجية في تلميح واضح
لعلاقة شيعة العراق بإيران التي يعتبرونها الدولة الوحيدة التي قدمت
لهم الدعم المادي والمعنوي خلال سنوات صراعهم ضد صدام.
هذه التصريحات أحدثت ضجة في مجلس الحكم العراقي حيث
هاجم أعضاء مجلس الحكم الشيعة وزير الخارجية،وجاء على لسان الدكتور
الجعفري العضو الشيعي البارز في مجلس الحكم : (أنهم يمثلون شيعة العراق
وهم أكثرية وليسوا أقلية)..الأمر الذي حمل زيباري على الاعتذار محتجاً
بملاحقة الصحفيين له واضطراره للإدلاء بتلك التصريحات!
وبالعودة للمطالب الشيعية التي عكستها يافطات عريضة
ملأت الشوارع تجدر الإشارة أيضاً إلى أن التحرك السياسي في المرحلة
القادمة ينصب على نقطة هامة تدور حول شرعية الدستور المؤقت، فبينما يرى
السنة العراقيون العرب والكرد أنه غير قابل للنظر فيه بعد المصادقة
عليه من قبل مجلس الحكم يرى الشيعة وأقليات عراقية أنه لا يكون شرعياً
إلا بعد أن تصادق عليه جمعية وطنية منتخبة من الشعب العراقي محتجين بأن
أعضاء مجلس الحكم وإن أجازوا الدستور ووقعوا عليه غير أنهم لا يمثلون
إرادة الشعب العراقي لأنهم غير منتخبين بل معينين..



 |