يعد مطلب تحقيق الديمقراطية لدى كل مجتمع طموح
من ثوابت تطلعاتها السياسية لهذا يحاول بعض المتفلسفين من سحب جوانب من
الديمقراطية المستحصلة كـ(مكسب) عظيم عبر تقديم نموذجها الشكلي أكثر من
مضمونها العملي كما نرى في العديد من الدول التي تدعي التزامها
بالديمقراطية مع أنها ذات ديمقراطية لم ترق بعد إلى مستوى المصداقية في
تلك البلدان.
ولذا يلاحظ أن (نماذج الديمقراطية) قد تعددت حتى
لتكاد أن تطبق في بلد معين بما يتناقض شكل تطبيقها في بلد آخر وهذه
الإشكالية في إبداء الفهم نحو تحقيق أي ديمقراطية هي المطلوبة عن لا
قناعة؟ وما هي المواصفات القيمة الممكن بموجبها أن تسمى ديمقراطية؟ وما
هي الديمقراطية الحقيقة وبالذات في عصر اختلطت فيه الأمور ولم يعد من
السهولة بمكان التبجح أكثر مما هو ممكن لتوضيح تعريف أجدى لمعنى
الديمقراطية.
لقد فشلت حتى الآن كل النوايا التي استهدفت إلى
إحداث وقيعة بين جهات مجلس الحكم الانتقالي في العراق فقد كانت هناك
حالة من ارتفاع النفوس على أغلب الخلافات الجانبية وتغليب نقاط الاتفاق
بين كافة المجلسيين (أي ممثلي السياسة في المجلس الآنف) ولعل بهذا كان
هناك السبب المهم الذي مهد للاتفاق على قانون إدارة الدولة، بعد دراسة
جوانبه وأهم النقاط المثيرة للجدل بين الأعضاء المجلسيين.
إن الديمقراطية حالة متميزة يتحكم بها منطقها
السليم ويبدو أن هناك حالة من التدرج الذهني الذي يقر موضوع حقوق
الآخرين الديمقراطية فهذه الديمقراطية هي ليست مقتصرة أن يتمتع بها فرد
على حساب فرد أو جهة على حساب جهة. ولعل أهم محطة سياسية في أي بلد
يتطلع شعبه إلى الانعتاق الحقيقي هي محطة الديمقراطية الممكن تطويرها
على محورها الثابت.
إن المجتمع العراقي الآن وبعد صدور قانون إدارة
الدولة المؤقت إلى وضع جديد تم الاتفاق أن تكون الديمقراطية المحور
الذي تدور حوله ما يمكن أن يأتي بضمان ديمقراطي معبر فعلاً عن أداء
الدور الديمقراطي علنياً مع الأخذ بالاعتبار أن إبداء تحفظ بعض الآراء
حول الشكل المطلوب للديمقراطية هي مسألة عادية.
فلو أخذنا مثلاً (النموذج الأوروبي للديمقراطية)
لرأينا أنه نموذج يختلف بصيغته الديمقراطية ولو نسبياً بين بلد أوروبي
وآخر ناهيكم أن وجود اختلاف طبيعة الحكم بين بلد وآخر يحدده الوضع
والمنطلق السياسي فمثلاً أن هناك بلدان أوروبية طابع حكمها هو النظام
الملكي وأخر النظام الجمهوري وهذا ما يترك حتماً انعكاساً بأن الفارق
في فهم أو الاعتماد على ديمقراطية ما تختلف عن الديمقراطية الأخرى وإن
كان وجود ملك أو ملكة أو رئيس جمهورية في كل بلد له ما يمكن أن يكون
مبرراً لطبيعة الاختلاف بين ديمقراطيين في بلد عن الآخر. والمهم هو أن
لا تكون هناك حالة من الإسقاط لصيغة الديمقراطية المعتمدة إلا بما يؤخذ
بصيغتها إلى النقطة الأفضل لفائدة عموم الشعب في البلد المعني.
إن طرح سؤال تقليدي من قبيل – أي ديمقراطية
يريدها العراقيون؟ - سيبقى الجواب عليه مرتبط بفهم أي صيغة من مبادئ
الديمقراطية تصلح للعراق؟ وعلى أية حال فلأن تعريف الديمقراطية ينص على
أنه منح الشعب حريته.. الكاملة فهذا يعني أنها ديمقراطية ذات مسؤولية
حقيقية تأخذ بيد المآل للبلاد إلى شاطئ الأمان والأهم في هذا الجانب هو
أن لا تغفل من مسألة الديمقراطية ما يجعلها ناقصة التطبيق.
إن كل مجتمع بات يعرف أن التجاوز السياسي على
الديمقراطية الحقيقية تقوم به دول تدعي هي ذاتها أنها ديمقراطية وبعيداً
عن ظاهرة تخوين الآخرين وفضح عمالتهم للأجنبي فإن مبدأ الأرستقراطية
والتعالي السياسي على مصالح الشعب ليس فيه شيء من الديمقراطية ومستقبل
العراق لا يمكن أن يكون مشرقاً حقاً إلا بالديمقراطية التي تتيح فرصة
التنافس الشريف بين الجهات السياسية العاملة في العراق لتداول أمور
الدولة بموجب انتخابات شعبية عمومية ممكنة تقديم نموذجها الراقي كنوع
ديمقراطي يحسد عليه العراقيون إذا تجاوزا نقاط الأثارات السلبية.
ولعل الفهم أن الوطن العراقي هو لكل العراقيين
المخلصين هي مسألة الساعة الآن لذا ينبغي أن لا يكون هناك استئثار لجهة
على حساب جهة دون امتلاك ميزة الأجدر في تقديم الخدمات الحقيقية للشعب
العراقي لقد قيل بحسب بعض التخيلات أن العراق القادم سوف لن يكون موحد
الأراضي وهذا ما ينبغي التصدي له لأن أعداء العراق يتفشون عن إيجاد
وسيلة لتفريق العراقيين وعدم جمع شملهم على أي أمر ممكن أن يوحد الشعب
العراقي الذي هو موحد فعلاً من ناحية التمسك بهويته الوطنية الواحدة.
إن عراق اليوم بدأ يستعيد عافيته رغم كل
المنغصات السياسية والعملياتية الإجرامية التي يحدثها ضد شعبه أعداء
العراق القدامى والجدد وهذا ما لا يمكن أن يعيق.. التوجهات لتحقيق
التغيير الشامل في البلاد بعد أن انتشل العراق من حافة الهاوية التي
كان عليها إبان حكم صدام الإجرامي. |