الآصرة الدينية في العراق سواء بين المسلمين
كـ(شيعة) أو (سنة) أو بين المسيحيين كـ(آشوريون) و(كلدانيون) بقيت قوية
طيلة عهود تمتد إلى الفترتين منذ ظهور الدين المسيحي الكامل ثم ظهور
الدين الإسلامي الأكمل الذي شاء الله سبحانه وتعالى أن يتوج كل أديانه
السماوية بالإسلام المحمدي العظيم.
ظلت محاولات تفتيت عضد المواطنين المسلمين
بالعراق من قبل بعض الحكومات سواء منها الجاهلة أو المجرمة التي أرادات
العزف على النغمة النشاز لجر الدين إلى مواقع السياسة السلبية داخل
البلاد لا تتعدى أكثر من محاولات فاشلة بسبب أن مسلمي العراق بقوا
يشعرون أن الأخوة الإسلامية فيما بينهم هي فوق كل اعتبار.. بغض النظر
عن مذهبية أي مسلم أو مسلمة ويلمس ذلك بشكل واضح من حالة عدم التحفظ من
إقامة الزيجات بين المسلمين الشيعة والمسلمات السنيات وكذلك بين
المسلمين السنة والمسلمات الشيعيات حين تتوفر سمات عدم الحقد في
النفسيات المعنية على أهل البيت (ع) والصحابة الأبرار (ع) بصفتهم كانوا
معنيين جميعاً في رفع راية: (لا آله إلا الله محمد رسول الله).
ومع أن ظاهرة التعصب المذهبي مسألة ظاهرة لدى
بعض تجمعات السنة أو الشيعة إلا أن ما يسجل لصالح الشيعة من حيث محبتهم
وتقديسهم لأهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً
يمكن أن يسجل لصالح السنة أن الغالبية منهم.. يوقنون بأبي الفضل العباس
بن علي (ع) بما لا يمكن أن يضاهي اسمه المبجل في نفوس من حب يفوق درجة
التقديس ويظهر ذلك جلياً عند مجاميع من المواطنين ذوي المذاهب السنية
أنهم يلتجئون في حل مشاكلهم بالحضرة العباسية في كربلاء بدلاً من أن
يستعينوا بمجالس العشائر أو جهات المحاكم ويقول بعض الإخوة السنة عن
العباس (ع) أن العباس (ع) عباسهم أيضاً فهو ابن الإمام علي (ع) وابن
المرأة الطاهرة فاطمة العامرية البدوية العفيفة المؤمنة.
لقد بقيت هوية العراق كـ(وطن) مثل خيمة يجلس تحت
ظلالها كل العراقيين فإذا ما نظرنا إلى الأخوة المسيحيين فنرى أن (الأخوة
الآشوريين) و(الإخوة الكلدانيين) كل بحسب مذهب لا يبتعدون عما ألفته
الأجيال المتتالية بينهم من الشعور تماماً أن الفارق الديني في العراق
لا يمكن أن يشكل أزمة اجتماعية عامة والمذهبية المسيحية فيما بينهم
كـ(أقلية) لا تتعارض أو تتقاطع مع مصالح عموم الشعب العراقي لا من حيث
اختلاف الدين أو غيره لذلك فإن الأخوة فيما بين الآشوريين والكلدانيين
بقدر ما هي ظاهرة في المجتمع المسيحي العراقي فإن هذه الأخوة هي متحدة
المصير مع بقية العراقيين المسلمين أيضاً.
لا شك أن غالبية النفوس في العراق هم من
الأولوية ممن ينبغي أن يعاد لمجاميعهم كل الاعتبار السياسي مادام هذا
الاعتبار سيكون منصباً في خدمة العراق (الشعب والوطن) بعد أن لمس
الجميع أن حالة التكافل الاجتماعي بين العراقيين كانت دوماً هي السائدة
وأن أي مشكلة كانت تعترض العراقيين كانت تحل لكونها مشكلة العراقيين
لكونهم عراقيين وليس لكونهم مذهبيين أي ينتمون إلى المذهب الفلاني مثلاً.
وطبيعي فمما لا يمكن نسيانه أن البحث عن أسباب
اضطهاد الشيعة في وطنهم العراقي كان دوماً يعتبر من الأمور السياسية
التي تقودها السلطات الجائرة والجاهلة أو العميلة أما المواطنون
العراقيون السنة وباستثناءات قليلة جداً – تكاد لا تذكر – أن تمت بعض
التجاوزات ولكن لا يقبل العقل الراجح أن تحتسب كـ(حرب مذهبية).
وبديهي فإن جذور المشكلة المذهبية أو الطائفية
بالعراق هي مسألة مختلفة حديثاً ففي الشمال العراقي مثلاً فإن حكومة
صدام الجائرة المحسوبة على السنة – عموماً – قد قتلت الأكراد في الشمال
وهم سنة أي من نفس المذهب السائد لدى الحكومة الصدامية المشبوهة لكن
ذلك لم يكن مدعاة للإثارة من باب كون الاضطهاد الذي حدث كان عربياً
سنياً ضد الأكراد السنة وكذا الحال فإن قمع انتفاضة أوائل التسعينات
بين كربلاء والنجف (المدينتان المقدستان) قام به النظام الصدامي أيضاً
مما يتوضح من ذلك أن المعتدي الرسمي هو في أبسط الأحوال مجرم مشبوه
يعادي شعبه بمختلف فئاته ومذاهبه كـ(نموذج الحكم الصدامي الجائر) ولكن
مع النسيان أن الأكراد السنة والعرب الشيعة في العراق هم الذين دفعوا
ثمن تهور النظام الصدامي أكثر من غيرهم إضافة إلى الفئات الوطنية
الأخرى المتضررة من ذلك الوضع.
إن الإخاء العراقي سيبقى أصلد من أجل تفهم أفضل
بعد أن فشلت مهام الخبث والتآمر الدوليين على زرع نار الفتنة المذهبية
أو الطائفية بالعراق الذي يرفض مجتمعه أن يكون هناك صوت للتفرقة بين
العراقيين. |