دوماً ما يثير طرح موضوع الحقوق القومية
للأقليات في العراق ردود فعل متباينة ويعتبر البعض من قاصري النظر أن
المطالبة بتلك الحقوق أمر مرفوض جملة وتفصيلاً ويبرر ذلك البعض توجههم
هذا على كونه سيكون مدعاة لتشتيت شعب العراق وضياع لوطن العراق أيضاً..
ومع أن الحال ليس بهذا التسطيح من الطرح فإن ما ينبغي عليه كحل عادل
لهذه المسألة الشائكة أن تتم وحدة الشعب العراقي بكل أطيافه على أرض
وطنه وفقاً لأسس إنسانية أولاً مثل الأسس المصيرية.
والمرحلة التاريخية في العراق اليوم بعد زوال
نظام العصابة الصدامية الاستعمارية وفرت حالة من الانفتاح ما بين
القومية الكردية ثم القومية التركمانية وكذلك أقليات أخرى كالصابئة
والزيدية وفئات أخوية أخرى كالمسيحيين بمختلف انحداراتهم المذهبية
كالآشوريين والكلدان وغيرهم، وهناك إمكانية من توظيف هذا الانفتاح لما
يضمن تفتيت أي توجه ممكن أن يمزق نسيج المجتمع العراقي.
إن وقت الشطارة السياسية التي انتهجتها بعض
الحكومات العراقية المفروضة على كرسي الحكم استعمارياً خلال العهود
الذي مثل حكم صدام وفريقه السياسي المشبوه أتعسها قد انتهت وأن المرحلة
السياسية العالمية اليوم هي من حيث الخط العام تتمتع بعافية ينبغي
استثمارها لأكبر حد ممكن، وبهذا الصدد تبرز الأهمية لدى كافة القوى
السياسية العراقية بكل تنظيماتها الدينية والعلمانية والقومية
والمذهبية أن ترتفع لمستوى مسؤولياتها عبر التأكيد العملي المترجم
لروحهم العراقية، وذلك بإزالة أي مظلمة عن الجمهرات الملاينية التي
تعاني منها تلك القوميات والأقليات التي تلي القومية العربية والمذهب
السني اللذان كانا لهما دوماً اليد الطولى في حكم العراق طيلة أغلب
العهود العراقية.
وإذا ما أعيد الاعتبار السياسي الحقيقي اليوم
على احتسابا أن الأولوية السياسية العراقية هي لكل العراقيين وبإجراءات
ملموسة فإن الكثير من المطالب الآنية التي يطالب بها أصحاب الحركات
السياسية غير العربية العراقية ستخف وربما ستتلاشى حين سيلمس الجميع أن
أي تقصير حكومي عراقي تجاه ما سمي بـ(الأقليات) التي تشكل بمجاميعها (أكثريات)
قد أصبح واقعاً مقبولاً.
لقد ولى عهد الاستسلام من قبل الأقليات القومية
والدينية في العراق إلى السلطات والحكومات الجائرة التي لعبت لعبتها
الاستعمارية ضد عموم الشعب العراقي ومصالحه الأساسية أو على الأقل أن
أغلب نفوس العراقيين متجهة لإقامة عراق ديمقراطي موحد لا يشعر فيه
المواطن العراقي أي كانت هويته القومية أو العرقية بأنه مستهدف من قبل
أي حكومة عراقية حالية أو مقبلة.
إن الأمور القومية والأقلية في العراق اليوم
ممكن تتحسن وترقى لمستوى ترجمة المبادئ في المساواة ونبذ نوازع التفرقة
التي كان يغذيها المستعمر الخارجي الذي يقف وراء كل ما تسبب للعراقيين
من مآسي وويلات.
إن أمام العراق اليوم مهام سياسية جسيمة وهذا
يتطلب أن تكون هناك حالة إبداع سياسي في القرارات التي ستتخذ داخل
العراق سواء من قبل مجلس الحكم الانتقالي أو الحكومة المؤقتة أو
الحكومة الثابتة التي ستلي ذلك منتهلين من مبادئ المساواة بين
العراقيين التي أقرها قانون إدارة الدولة المؤقتة في العراق (الدستور
العراقي المؤقت) ومنتبهين أن بدون إقامة وحدة عراقية تساوي بين كل
الوطنيين العراقيين سوف يخسر الجميع كل شيء، وهذا ما ينبغي أن يكون
هناك تشدد في شيوع الحالة في تلك المساواة التي يتمتع بها الجميع
بامتياز الهوية العراقية والانتماء للوطن العراقي.
إن العراق اليوم وبشخوص سياسييه الحاليين الذين
يتمثل بهم مجلس الحكم الانتقالي تقع عليهم مهمة الإسراع التي تمكن أن
يحكم شعب العراق نفسه بنفسه وأن يتم الضغط بالحوار على الطرف المحتل
علناً للعراق الآن المتمثل بقوى التحالف الأنلكو – أمريكية كي تلتزم
تلك القوى الدولية بما أعلنته على لسان قادتها في لندن وواشنطن مرات
عديدة بأن احتلالهم للعراق عارض وقتي وأن السيادة ستمنح للعراقيين ومثل
هذا الوضع الذي تؤكد عليه تصريحات تلك القوى الأجنبية قد وضعها في موقف
حرج أمام الرأي العالمي وأمام الرأي حتى في داخل بلدانها، وأن التقرير
الإعلامي الذي أسمع (بالصوت والصورة) تلك التصريحات على كونها من ثوابت
السياسات الجديدة للغرب في العالم سوف لن يجعل الغرب أن يتراجع عن
تعهداته تلك بسهولة إلا إذا وجد ثغرة داخل الصف العراقي السياسي يمكن
منه أن يبرر بقائه في العراق لفترة دائمة، وهذا ما لا يريده العراقيون. |