عانت الأسرة العراقية في ظل حكم صدام الفاشي
الأمرين بعد أن سلبت منها مقومات العيش وتم تعريض أفرادها إلى المخاطر
الجسام سواء في زج شبابها في أتون الحروب أو غلق أبواب تقدمهم المهني
وحتى إتباع سياسة العمد التي حرمت العراقيين من العلاج الصحي لدرجة
باتت سنح العراقيين الذين وصلوا إلى بعض البلدان المجاورة للعراق بُعيد
فترة وجيزة من فتح الحدود العراقية يبدون وكأنهم أشباح وملابسهم تدل
على صورة من صور المأساة الكبرى التي فرضت عليهم وكانت المرأة العراقية
الضحية الكبرى أكثر من الرجل التي عصف بحياتها النظام الصدامي والمعادي
المشبوه للشعب العراقي.
المرأة العراقية في كل عهود القهر السياسي بدأت
محافظة من قدراتها وكفاءتها في إدارة شؤون البيت والعائلة حتى حين كان
رجل العائلة ذو مصدر مالي متواضع وبقيت المرأة العراقية الواثقة من
إمكانية اجتياز مرحلة الإرباك التي تعيشها أحياناً أسرتها التي هي
الطرف المحوري فيها بسبب كونها أم أو زوجة أو أخت، لكن المرأة العراقية
وجدت نفسها في منعطف فترة حكم صدام قد فقدت الكثير مما كان يمكن أن
يكون عوناً لها بعد أن أصبح كل عنصر في الأسرة مهدد من قبل النظام
الآنف بكل ما احتواه من انتهاجات سياسات خائنة لصالح تنفيذ المؤامرة
الدولية الكبرى ضد الشعب العراقي الذي طبقت عليه خطة حصاره على أكثر من
صعيد وكان المنفذ لها الفريق السياسي ومرتزقته الصغار الذين غرر بهم
حتى وصلت حالة الجهل بالعراق إلى الفهم لدى هؤلاء وكأن (النضال السياسي)
هو ذاته الذي يحاربون فيه شعبهم وبعد أن طمس صوت الرجل في العائلة كان
من الطبيعي أن يطمس صوت المرأة هو الآخر لكن تأثير المرأة رغم كل
المنغصات كان مؤثراً ومانحاً الثقة بالنفس لكل أفراد العائلة.
لقد بقيت المرأة العراقية طموحة كيف لا وهي
الوريثة مع الرجل لكل الأنفاس الحضارية الراقية ولأن المرأة في العراق
ليست ضعيفة فقد ثابرت منذ سقوط الحكم الفاشي الصدامي للتذكير بوجودها
الكفوء مع الرجل فشاركت في عضوية مجلس الحكم الانتقالي في العراق كما
حازت على مناصب كـ(رئيسة في بعض المجالس البلدية داخل العراق الجديد.
وشجعت رجال أسرتها أن يرفعوا أصواتهم للمطالبة بحقوقهم وحقوق بلدهم
بطريقة وبأخرى حتى لا تهيمن أي قوة بصورة انفرادية على مصير العراق وهي
بذلك لم تتنازل لا عن حقها الطبيعي ولا عن حق أسرتها في ضرورة الظفر
بالعيش الكريم، وأصبح الناس في المجتمع العراقي يلمسون فعلاً أن للمرأة
العراقية اليوم رغم أن المرحلة انتقالية في إعادة أوضاع الدولة في
العراق إلى الحال الطبيعية أصبحت المرأة تأخذ مواقع ومسؤوليات وظيفية
كانت مقصورة على عنصر الرجل في سنوات عديدة خلت.
ومما يمكن تأكيده أن التوجه العام بالنسبة
للمرأة العراقية المعاصرة لم تعد ضحية لسياسات التمييز ضدها بتلك
الدرجة التي تحاسبها بدرجة أدنى من الناحية الإنسانية مع الرجل كما
حاول أن يشيع ذلك النظام السابق وكان من بقايا تأثير ذلك أن استطلاعاً
مثيراً في العراق أجرته مؤخراً جريدة (الزمان) الموصوفة بأنها الأكثر
مصداقية لدى القراء العراقيين قالت فيه: (ان العراقيين لا يريدون امرأة
تحكمهم) أما المجتمع العراقي فقد تجاوز مثيل هذه الطروحات واعتبرها من
الأمور السابقة لأوانها ولعل هذا ما دفع الجهاز المركزي للإحصاء لإجراء
مسح شامل للأسرة العراقية المعيشية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة
الإنمائي ومؤسسة الدراسات التطبيقية النرويجي الدولي وبالذات حول
النواحي الحيوية مثل السكن والبيئة والتعليم والصحة والعمل بالنسبة
للمرأة وكذلك الرجل.
إن الطبقة الوسطى في العراق بدأت تتشكل الآن
والمرأة العراقية هي عمادها المعنوي القادرة على تربية الجيل العراقي
الجديد المؤمن بدين الله سبحانه وتعالى والمخلص للعراق شعباً ووطناً.
إن معاناة المرأة العراقية لم تنته بمجرد زوال
النظام الصدامي ورغم أن الوضع الجديد عبر دستور إدارة الدولة مؤقتاً قد
ضمن أن يكون تمثيلها بنسبة (25%) في عموم تشكيلات الدولة العراقية التي
ستنبثق قريباً إلا أن ما في النفس النسوية قد بقى متحفزاً على أن لا
تتكرر مأساتها وبديهي فبإمكان لامرأة أن تعين الرجل معنوياً في أسرتها
إذا ما وقفت مشجعة له لمحاربة الظلم والظالمين متى ما ظهروا..
إن المرأة العراقية قد قدمت قرابين شهداء أسرتها
قرابين من أجل الحق العراقي ففقدت أبوها وأمها وأخوها وزوجها وبمجرد أن
سقط النظام الإجرامي كانت السباقة لتفتش عن إغراءها في المقابر
الجماعية لتعيد دفنهم بما يليق بالإنسان العراقي الذي لولا تربيتها
الصالحة له لما فاز بالشهادة وثوابها. |