لا يخفى على الرأي العام العراقي والعربي
والدولي أن ما حدث من تغيير النظام الصدامي البائد لم يكن مفاجئاً فحسب.
بل كان استثنائياً بكل الحسابات السياسية المعاصرة فقد طغى حدث وضع
نهاية ذلك النظام واستقبار حكمه على كل الهواجس والتوقعات لدى
المراقبين السياسيين.
وسيتذكر شعب العراق عبر أجياله القادمة أن في
سقوط نظام صدام الإرهابي مناسبة سياسية نوعية شكلت إمكانية الظفر
بتحولات إيجابية واسعة في العراق سيجني ليس ثمارها العراقيون بل
واقتصاد البلدان المجاور للعراق نظراً لما يملكه العراق من إمكانات
مادية هائلة تحتاج إلى تعضيد وتعاون من قبل بلدان الجوار من أجل أن تعم
الفائدة على الجميع ضمن حقوق ومصالح متبادلة تسودها أجواء الثقة
المتبادلة والأخوة الحقيقية والمصير الحياتي السلمي الذي لا يمكن أن
يتحقق إلا بحل كل المشاكل العالقة الحادثة سابقاً بين العراق الذي كانت
تحكمه فئة ضالة ومشبوهة سياسياً اغتصبت سلطة الحكم في البلاد منذ سنة
1968م بغفلة من مرحلة تاريخية كانت حرجة جداً في الوضع العراقي
وتحكماته والتي كان من نتائجها أن طال الظلم كل العراقيين الشرفاء ثم
وصل بعد ذاك إلى الإيرانيين والكويتيين دون توفر أي مسوغ أخلاقي.
وطبيعي فقد ترتب على مظالم النظام الصدامي
المهزوم دون أي معركة عسكرية أن وجدت الحكومتين في كل من طهران والكويت
أن الوقت مناسب جداً لمفاتحة بعض الجهات المسؤولة في مجلس الحكم
الانتقالي العراقي على ضرورة أن تأخذ تلك الجهات بكل اعتبار أن ما وصف
بـ(تغيير الحكم في العراق) ينبغي أن تصاحبه.. التفاتة اقتصادية يدفع
فيها العراق من الأموال ما خسرته كل من إيران والكويت جراء الاعتداء
الذي قام به النظام الصدامي ضدهما.
ولعل من باب الإنصاف ووفقاً للأعراف الدولية فإن
ما لا يمكن نكرانه أن إيران والكويت معاً كانا من ضحايا الاعتداء
العسكري الذي قام به النظام الصدامي وفريقه السياسي الذي اغتنى أكثر
أعضاءه المجرمين نظراً لما استولوا عليه من أموال ومن عينات مادية أخرى
إضافة لما سببه ذلك الاعتداء الغاشم أيضاً من تخريب واسع سواء في إيران
أو الكويت ومن هذا الفهم الحيادي يمكن القول أن أي مطلب مالي لكل من
إيران والكويت هو مطلب مشروع ومن أي زاوية أحتسب إلا أن الارتفاع فوق
مستوى الجراح السياسية اليوم مطلوب لدى الأخوة في كل من إيران والكويت
وضرورة أن يؤجل أي مطلب للتعويض المالي من الحكومة العراقية الحالية أو
القادمة وعلى أن لا يكون هناك مانع من إعادة (ملف التعويضات) إذا ما
وصل الوضع العراقي السياسي والاقتصادي إلى الحال الذي يكون فيه ذلك
ممكناً.
ومما لا بأس فإن صرف التفكير على كون العراق
السلمي المقبل الذي سيتحكم فيه بواسطة السلطات العراقية القادمة ممكن
أن يعكس صور من التعاون الاقتصادي ما ستجني منه وإيران والكويت أضعاف
أضعاف وبما لا يقدر برقم يمكن تخيله الآن من أرباح مالية لهما ربما
كانت الحكمة السياسية ستقر حينئذ أن مطالب التعويض الحالية من قبل
حكومتي إيران والكويت لا يفضل إلا وقفها وعلى اعتبار أن الذي اعتدى
عليهما هو النظام الصدامي المجرم وكان صدام ذاته وعائلته وأعضاء فريقه
السياسي وحثالة من المجتمع العراقي هم المستفيدون مما سرقوه من أموال
وغيرها ومما سببوه من دمار وأضرار للمواطنين في كل من إيران والكويت،
ومما لا ينبغي تركينه بهذا الشأن أن العراق الحالي مثقل بـ(الديون
الكبيرة) وأوضاعه الاقتصادية معقدة جداً وليس من المناسب أن تفاتح
حكومته أو حكوماته القادمة لعدة سنوات في موضوع أي تعويض قبل أن يتعافى
العراق هذا ومعلوم أن ديون العراق التي كشف عنها قبل فترة تقدر بما لا
يقل عن (120) مليار دولار.
أما بخصوص التعويضات الداخلية أي التعويضات التي
يطالب بها المواطنون العراقيون وغيرهم ممن كانوا داخل العراق وقد طالهم
الحيف المالي سواء بمصادرة أموالهم أو بيوتهم أو مشاريع عملهم لسبب
وآخر من قبل نظام صدام وفريق حراميته السياسيين.. فيفضل أن يكون لها
الأولوية وأن تعمل لحلها السريع سواء الحكومة الحالية أو الحكومة
المنتخبة القادمة للعراق في شهر حزيران القادم 2004م وينبغي تصفية (ملف
التعويضات الداخلية) بأسرع ما يمكن لأن ذلك يساهم بالنسبة للعراقيين
بالذات كي يستعيدوا دورهم المعيشي الطبيعي في بلدهم العراق إذ يعتبر
إتمام تلك التعويضات مساهمة في إعادة الأوضاع العراقية إلى سالف عهدها.
ومما يمكن التكهن به أيضاً أن إعادة الاعتبار
لحق التعويض وإعادة الحقوق ومنح التكريم المناسب على عجل لمن تضرر من
النهج الإجرامي للسلطة الصدامية البائدة فيه من الإنصاف ما يمكن
التعويل عليه إنسانياً. |