رغم انه تم التوقيع أخيرا على الدستور العراقي
المؤقت الا ان الخلافات التى أخرت التوقيع عليه لك تزل ابعد ما تكون عن
التسوية. وتقول الأغلبية الشيعية في العراق ان جوهر خريطة الطريق
السياسية التى تدعمها الولايات المتحدة تصدع بقوة.
ورحبت الادارة التى تقودها الولايات المتحدة في
العراق بالدستور باعتباره جسرا للانتقال من ماضي عراقي اتسم بالقمع الى
مستقبل ديمقراطي.
غير ان العديد من القيادات الشيعية تنظر للدستور
على انه عقبة أمام الديمقراطية وللدور السياسي الذين يقولون انهم
يستحقونه بحكم وضعهم كأغلبية في العراق.
وبعد التوقيع يوم الاثنين على وثيقة الدستور
التى تعد حيوية للغاية لخطط الولايات المتحدة لنقل السيادة الى
العراقيين في 30 يونيو حزيران تعهد الأعضاء الشيعة بالغاء البنود التى
يقولون انها تعطي الاكراد حق الاعتراض على الدستور بأكمله وتقلل من
سلطات الشيعة الذين يشكلون نحو 60 بالمئة من سكان العراق.
ولم يوافق الأعضاء الشيعة فى مجلس الحكم
الانتقالي الذين كانوا قد ألغوا احتفالا سابقا للتوقيع على الدستور
الأسبوع الماضي على التوقيع إلا بعد أن تشاوروا مع أعلى مرجع ديني
للشيعة وقالوا انه سمح لهم بالتوقيع على الاتفاق.
أما بالنسبة للأكراد الذين حصلوا على اعتراف
بالحكم الذاتي الذى يتمتعون به بالفعل فى شمال العراق منذ عام 1991
وأيضا لسلطة الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة فان التفاوض حول الوثيقة
يعتبر أفضل إعداد للعراقيين للجهود الصعبة للانتخابات وتشكيل حكومة.
وقال الزعيم الكردى جلال طالباني لرويترز "ان
الجهود التى نبذلها الآن تجعل الأمور أيسر فى المستقبل".
وقال طالباني "انه شىء مثلما في الجيش.. كلما
تدربت أكثر في الميدان كلما كنت أقل عرضة للقتل في ميدان المعركة. كلما
أجهدنا انفسنا الآن كلما مضت الأمور بشكل أيسر لنا في المستقبل".
إلا ان الشيعة لديهم أفكار مختلفة.
يقول عبدالعزيز الحكيم رئيس أكبر حركة سياسية
شيعية وعضو مجلس الحكم الانتقالي "اننا نرى عيوبا خطيرة في هذا القانون
ويجب عمل الكثير لمعالجتها في المستقبل".
وتزعم الادارة المدنية للقوى المحتلة للعراق ان
الدستور أعطى قوة دفع للجهود السياسية الرامية لاجراء انتخابات لاختيار
مجلس تشريعي في أوائل العام القادم.
وقال مسؤول رفيع المستوى "حقيقة انه أصبح موجودا
وتم التوقيع عليه تقلل بعض الشيء من حدة الخلاف. واذا استمرت الاتصالات
والمفاوضات فان سيكون كافيا للانتقال للخطوة القادمة".
ويعتقد هذا المسئول ان مشاورات آخر لحظة التي
أجراها المعارضون مع آية الله علي السيستانى رجل الدين الزاهد الذى
فرضت آراؤه ادخال تعديلات أكثر من مرة على خطة الولايات المتحدة لتسليم
السلطة للعراقيين تظهر انهم أصبحوا متمرسين بما فيه الكفاية للتصدى
لنفوذ السيستاني.
وقال "لقد سمعوا (الأعضاء الشيعة فى المجلس)
نقدا عنيفا يخرج من النجف. وقد لعبت المجموعة الشيعية بحق دورا ملحوظا
فى احتواء هذا."
واضاف قائلا "الحقيقة هى ان احتواءهم وتحييدهم
لهذا قبل التوقيع أمر جيد."
وقال السيستاني يوم الاثنين ان وثيقة الدستور
المؤقت تضع عقبات فى الطريق نحو دستور دائم وان القوانين التى وضعت
للفترة الانتقالية تحتاج الى الموافقة عليها من قبل كيان منتخب حتى
تصبح شرعية.
لكن الشيعة لهم رأي آخر فقد حذر زعماء الشيعة
بالعراق من ان الدستور الجديد في البلاد سيتسبب في عدة مشاكل على المدى
الطويل فيما قال أحد كبار رجال الدين ان بندا في الدستور يتعلق
بالفيدرالية قد يفجر حربا أهلية.
وكان مجلس الحكم في العراق قد وقع يوم الاثنين
على الدستور الجديد الذي يطلق عليه "قانون ادارة الدولة للمرحلة
الانتقالية" بعد مفاوضات مضنية فيما تم تأجيل التوقيع مرتين. ووقع
أعضاء المجلس الانتقالي الذي عينته الولايات المتحدة على الدستور في
حفل وصفته واشنطن بأنه نصر دبلوماسي وخطوة مهمة نحو إقامة حكومة
ديمقراطية ذات سيادة.
لكن عقب التوقيع بوقت وجيز قال عدد من زعماء
الشيعة انهم ليسوا سُعداء تماما بالدستور لاسيما البند المتعلق
بالأكراد والذي قد يمنحهم قدرا أكبر من السلطة. وأضاف الشيعة انهم قد
يدخلون بعض التعديلات على الدستور في مرحلة لاحقة.
اذ اتهم آية الله محمد تقي المدرسي وهو من كبار
المرجعيات الشيعية في العراق التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة
باقحام البند الخاص بالأكراد عنوة وهو ما تقول الأغلبية الشيعية انه
خطر يتهدد هيمنتهم العددية في البلاد.
وقال المدرسي في بيان "ان البند الذي يتضمنه
قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية والخاص بالفيدرالية يرقى الى
كونه قنبلة موقوتة قد تفجر حربا أهلية في العراق."
كما وصف المرجع السيد كاظم الحسيني الحائري
قانون ادارة الدولة المؤقت الذي وقع بأنه لا يمثل الحد الادنى من مطالب
الشعب العراقي المظلوم .
وأعتبر الحائري ان هذا الدستور المؤقت غير شرعي
، كما يعتبر طعنة في ظهر الشعب العراقي.
كما اعتبر السيد مقتدى الصدر قانون ادارة الدولة
الذي تم التوقيع عليه الاثنين «وثيقة غير شرعية» كتبت في غفلة من الزمن.
وقال مكتب الصدر في بيان تسلمت وكالة فرانس برس
نسخة منه «نود أن نوضح ان (القانون) تم انجازه في غفلة منا، وهو
بالتالي وثيقة غير شرعية ولا تمثل طموحات شعبنا وهي حتما لم تنبثق عن
إرادته، بكامل بنودها وفقراتها ابتداء من تلك التي تحجم دور الإسلام
وتصادر بكل وقاحة إرادة الأعم الأغلب من شعبنا المسلم».
وكان قانون الدولة اعتبر الاسلام «مصدرا
للتشريع»وليس «المصدر الرئيسي»او «المصدر الوحيد»للتشريع كما كان يطالب
البعض من الشيعة خصوصا، كما انه يتضمن مادة تعطي حق النقض على الدستور
الدائم لدى عرضه على استفتاء للمحافظات الكردية الثلاث بشكل خاص في
شمال البلاد.
واضاف الصدر «بئس العمل الذي يتكون في رحم
الظلمة، وبئست القرارات التي تدعي الشرعية وتنبثق عن الخيانة.إننا
نتبرأ من هذا العمل جملة وتفصيلا».
واوضح البيان ان «مجلس الحكم وقع على قانون كان
قد وضعه وأقره مع سلطة الاحتلال في زاوية مظلمة، دون أن يعرضه على
شعبنا وجماهيرنا قبل ذلك، ودون أن يترك لهذا الشعب المظلوم فرصة ولو
قصيرة ليرى من خلالها مقدار الهاوية التي يوشك أن يقع فيها، ويرى
بالتالي رأيه».
واعتبر البيان ان القانون «يصور ديمقراطيته
الزائفة التي روج لها بيننا من أجل أن يتستر على نوايا العدو المستعمر
الذي ما فتىء يعمل من أجله وفي سبيله».
ودعا البيان ابناء الشعب العراقي وبكل أطيافه
وشرائحه إلى أن «يعلن موقفه من هذه المصادرة وبكل جرأة وصرامة، ومن أجل
أن نحول بين الأعداء وبين التأسيس لعهد صدامي آخر يجر علينا نفس
المسلسل الظلمي التعسفي المريض».
من جهته اعتبر حيدر شياع البراك عضو مجلس الحكم
أن التحفظات التي أبداها البعض على قانون ادارة الدولة في المرحلة
الانتقالية «مشروعة ومعقولة».
وقال البراك: «إن هذه التحفظات يمكن معالجتها من
خلال الملحق الذي سيتم مناقشته داخل أروقة مجلس الحكم خلال الشهرين أو
الثلاثة أشهر القادمة للوصول الى صيغة مقبولة لجميع الاطراف بما يخص
الفقرات التي ابدى البعض تحفظات عليها» وأعرب البراك عن أمله في أن يصل
أعضاء مجلس الحكم الى حل مناسب ينتج عنه صيغة معقولة ومقبولة لجميع
اطراف المجلس والشعب العراقي وذلك من خلال النقاش والتفاهم بين الاعضاء.
وقال زعماء الشيعة انهم سيحترمون الوثيقة التي
وقعوا عليها والتي كانوا قد وصفوها بأنها تمثل انجازا كبيرا إلا انهم
أكدوا انهم سيجدون ثغرة في المستقبل كي يعدلوا عناصر لا يرتاحون اليها.
والبند الرئيسي الذي يبعث القلق في نفوس الشيعة
هو الذي يخشون ان يتيح للاكراد معارضة دستور دائم للبلاد في العام
القادم اذا كان لا يكفل مطالبهم بالحكم الذاتي.
وقال متحدث باسم المؤتمر الوطني العراقي ان
الحزب يرحب بالقانون الجديد ولكن اذا لم تحل المسائل التي تثير قلق
الشيعة فان عملية التحول الديمقراطي قد تصل الى طريق مسدود.
وقال المتحدث انتفاض قنبر في مؤتمر صحفي ان
توقيع أعضاء مجلس الحكم في العراق على الدستور تم بتحفظات مشيرا الى ان
البنود مثار الجدل قد توقع البلاد في دائرة مفرغة تطيل أمد الفترة
الانتقالية الى ما لانهاية وتعرقل الجهود الرامية الى صياغة دستور دائم.
وفيما رحب الرئيس الامريكي جورج بوش بالتوقيع
قال مسؤولون أمريكيون ان المهم هو ان أعضاء مجلس الحكم قد تمكنوا أخيرا
من التوصل الى اتفاق.
وقال بوش في بيان وزع على الصحفيين المرافقين له
خلال جولة لجمع التبرعات في دالاس "هذه الوثيقة خطوة مهمة نحو تشكيل
حكومة ذات سيادة في 30 يونيو. انها تضع الأساس لإجراء انتخابات
ديمقراطية وإقرار دستور جديد."
ووصف بوش التوقيع بانه علامة تاريخية مضيفا انه
فيما لايزال يتعين "بذل جهود مضنية لإرساء الديمقراطية في العراق فان
التوقيع اليوم يمثل خطوة حاسمة في هذا الاتجاه."
المصدر: وكالات |