التافهون السياسيون هم وحدهم يفتشون بين صفحات
التاريخ لـ(يتشبهوا) بشخصية سياسية فيه كان له دوراً رائداً أداه دون
أي طمع شخصي له بما أقدم عليه من نصرة مظلوم ودحض ظالم.
وبغض النظر عن الآراء المحللة لأحداث التاريخ
القديم التي أصاب بعضها تورماً بالطرح بعض جوانبه فيمكن التذكير بأن
وجود (نبوخذنصر) على رأس المملكة البابلية في وسط العراق لم يكن مدعاة
لمناسبة أو خلق مناسبة لشن أي حرب ضد بلاد الشام القديمة التي احتلتها
قبائل الهكسوس الهاربة من مصر إلى شبه جزيرة سيناء والتي سبق لها وأن
اعتنقت الدين اليهودي وكان هروبها ذاك بسبب ما كانت قد عرفته من تهديد
حكام مصر الفراعنة ضد تلك القبائل التي أفلحت بعد زهاء أربعين سنة من
السيطرة على مقاليد الأمور السياسية في بلاد الشام التي كانت تضم في
الحسابات الجغرافية المعاصرة (فلسطين ولبنان وسورية والأردن) فأقامت
تلك القبائل بفترة وجيزة مملكتان يهوديتان في بلاد الشام آنذاك هي
المملكة اليهودية الشمالية) و(المملكة اليهودية الجنوبية) إلا أن تلك
المملكتان لم تنصفان الشعب الشامي برمته، ويبدو أن قبائل الهكسوس كانت
مستأنسة بما كانت تلحقه من أذى بالناس من أهل البلاد بعيداً عن مبادئ
الدين اليهودي.
وهذا التطرف السياسي لدى قبائل الهكسوس الذين
أصبحوا يتحكمون بمصير الشعب الشامي القديم هو وحده الذي جعل من وتيرة (النخوة)
لدى ملك بابل آنذاك (نبوخذ نصر) حين جاءته الأخبار أن شعب الشامي الجار
واقع تحت سطوة من احتلوه ولا من معين لهم فأرسل قوة عسكرية كانت لها من
المقدرة التدريبية على القتال ما ألحق بقوة قبائل الهكسوس الذي تناست
عدالة الرب أن يلحق بها هزيمة نكراء وانتصاراً مشهوراً أعاد على أثره
الحكم لأهل البلاد دون أي طمع أبداه – نبوخذنصر – إذ آثر أن يحكم
البلاد الشامية أهلها في حين أخذ ما تبقى من قبائل الهكسوس كـ(أسرى)
إلى بلده العراق البابلي وهناك أكرمهم وعاملهم بإنسانية وفسح لهم
المجال أن يعيشوا مع العراقيين وأن ينسوا بلاد الشام لأنها بلاد غير
خاضعة ولا تعود لأي قبيلة مصرية كـ(الهكسوس) وغيرها.
ومما ينقل عن تلك الأحداث التاريخية وما ينبغي
التذكير به أن نخوة نبوخذ نصر لإزالة الظلم الذي أصاب بلاد الشام
القديمة لم يكن مرده إلى أي شعور قومي لأن البلاد في تلك الفترة لم تكن
قد انبثقت فيها اللغة العربية بل أن اللغة السومرية هي التي كانت سائدة
في العراق ولم يكن على السطح الاجتماعي شيء اسمه (عرب أو عربي أو عربية)
لكن الجانب الإنساني لإنهاء حالة من الجهل السياسي آنذاك كانت المحرك
لإعادة الحياة والعيش إلى طبيعتها الآمنة في بلاد الشام الجارة القديمة
آنذاك للملكة البابلية.
أما صدام التكريتي الذي يبدو أن في قرارة نفسه
قد نبذ سلوك (نبوخذنصر) وما كان منه حين أبدى موقفاً تجريدياً وحرر
الشام القديمة وأعاد سيادتها إلى أهلها فإن (صدام) وأسياده من خلفه قد
أطلقوا عليه لقب بطل، وقارنوا اسمه بـ(نبوخذنصر) ولكن بصورة مغايرة ولم
يكن ذلك قد كلف (صدام) المعادي لشعبه أكثر من أن يطلق صواريخ على
الإسرائيليين بفلسطين وبطريقة فنية بحيث لم تلحق أي أذى فاعل بهم وفسر
العديد من المراقبين أن تلك الصواريخ ليست أكثر من تمثيلية فاشلة، إلا
أن الجهل المخيم على الرأي العمومي في المنطقة العربية ولدى العاطفين
في الشعب الفلسطيني ما جعلهم يصفقون ويهللون على إطلاق تلك الصواريخ
التي لم يكن لها أي معنى من الناحية الاستراتيجية العسكرية سوى نوع من
الدعاية الاستهلاكية الموظفة لتغطية حالة الاستهلاك المحلي (العراق)
والإقليمي العربي، وبذاك فقد كانت مناسبة إطلاق تلك الصواريخ لعبة
مكشوفة بعيدة عن أي قيمة سياسية أو عسكرية.
وما لوحظ فيما بعد انتهاء تلك المناسبة ورغم
حالة شيوع دعاية إعلامية قوية داخل الأقاليم العربية كانت قد أشادت
بإطلاق تلك الصواريخ – اللعبة – إلا أن الإعلام الحكومي في العراق
المأجور – المدفوع الثمن – كان يقارن باستمرار ضمن شعاراته العديدة
المرفوعة بين (نبوخذنصر) البطل البابلي اللاطامع في بلاد الشام القديمة
الجارة للعراق القديم وما بين (صدام) البطل المزيف الطامع بالدعاية له
لدى الفلسطينيين – على الأقل – كي يعتبروه نسخة جديدة مؤملة من صورة
نبوخذنصر التاريخي.
لقد قيل قديماً (رحم الله من عرف قدر نفسه) ولكن
مثل صدام المشبوه الظالم لشعبه العراقي لا يمكن أن يصلح محرراً لشعب
آخر فأين صدام المشبوه من (نبوخذنصر المحرر). |