يشتد الجدل السياسي هذه الأيام حول قضية
الإنتخابات التشريعية في العراق، ففي الوقت الذي تصر فيه بعض الأوساط
السياسية والدينية العراقية على اللجوء إلى الإرادة الشعبية لاختيار
ممثلين عن الشعب العراقي يشكلون الجمعية التأسيسية التي ستشرع الدستور،
يرى آخرون أن الوقت ليس ملائما لإجراء انتخابات عامة في العراق ويصرون
على خيارات أخرى من بينها تعيين لجان تختار أعضاء الجمعية المشار
إليها..
وبين هذا الخيار وذاك تبرز بعض التساؤلات
القانونية..فهل تملك اللجان المعينة إضفاء سند قانوني على من يتم
تعيينهم، وهل ماينتج عن الجمعية التأسيسية من قانون يمتلك الشرعية، حين
نعلم أن الشعب هو من يمنح هذه الشرعية؟
من أجل تسليط الضوء على هذه التساؤلات وغيرها
أجرت مجلة النبأ حواراً مع بعض أساتذة كلية القانون وفيما يلي نص
الحوار..
* النبأ: معلوم أن القاعدة
الدستورية هي القاعدة الأساس، وهي المرجع للقوانين الأخرى، فإذا كانت
القوانين الأخرى تستند إليه في شرعيتها، فمن أين يستمد الدستور ذاته
هذه الشرعية؟
ــ يقول الأستاذ عامر زغير، أستاذ القانون
الأداري في كلية القانون في جامعة كربلاء : ( أي قانون يجب أن ينشأ من
إرادة الشعب، وهذا الأخير يعتبر سلطة تأسيسية أصلية لوضع أي دستور،
ولكن السؤال المهم هو: هل أن الشعب مؤهل دائماً لأن يضع دستوراً؟
هناك طريقة شائعة يختار بموجبها الشعب ممثلين
مختصين يمكن تسميتهم بالجمعية التأسيسية، وظيفة هذه الجمعية هي تشريع
الدستور نيابة عن الشعب، حيث يأخذ هؤلاء الأشخاص على عاتقهم تشريع
الدستور، ولكن الحقيقة النهائية هي أن الشعب هو المآل النهائي الذي
يستند عليه في سن الدستور.
ـــ ويقول الاستاذ صلاح جبير البصيصي ، ماجستير
في القانون الأدراي، وطالب دكتوراه في القانون الدولي: (ابتداءً هناك
طريقتان لو ضع الدستور، الطريقة الأولى وتعرف بالطريقة غير
الديمقراطية، وتقسم الى قسمين حيث يتم وضع الدستور كمنحة من الحاكم او
الملك على وجه التنازل منه عن بعض صلاحياته للشعب، وهذه الطريقة كانت
سائدة في القرون الماضية.
وهناك طريقة أخرى غير ديمقراطية أيضاً وتعرف
بطريقة التعاقد بين الحاكم والشعب.
الى ذلك هناك طريقتان ديمقراطيتان لوضع الدستور
هما: الطريقة غير المباشرة، وفيها ينتخب الشعب ممثلين عنه لوضع اللائحة
الدستورية.
وهناك طريقة أخرى معول عليها في الكثير من الدول
ذات الأنظمة الديمقراطية، وفيها يُستفتى الشعب ليعطي رأيه الفصل في
الدستور بعد الانتهاء من وضع مسودته.
النبأ: (أستاذ صلاح)
هناك شريحة واسعة من العراقيين ترى ضرورة أن يمارس الشعب دوره
بانتخاب ممثلين عنه يسنون مسودة الدستور،ويرون أن هذا يتلاءم والمباديء
الديمقراطية ومواثيق حقوق الإنسان، بينما
شريحة أخرى ترى عكس ذلك محتجة بانعدام الأمن في بعض المناطق،فما هو
تعليقكم على هذا الواقع؟
ـــ الاستاذ صلاح البصيصي: الديمقراطية من خلال
تطبيقاتها ومن خلال التجارب العالمية لا يمكن أن تكون بالتعيين ، بل
لابد ان يعطى المجال للشعب لاختيار الاعضاء الذين يثق بهم لكتابة
الدستور، هذه الثقة تأتي من خلال ماضي هؤلاء الأشخاص الذين يُتاح لهم
التعريف بأنفسهم من خلال الندوات والمؤتمرات الجماهيرية العامة، فضلا
عن وجوب توافر الاختصاص القانوني لدى من يرشح نفسه للجمعية التأسيسية .
النقطة الأخرى التي أود الإشارة إليها هي أن
الشعب العراقي لديه تجربة سياسية واسعة ،ويمكنه التمييز بين الغث
والسمين،ولابد أن يعطى له المجال ليعبر عن رأيه.
ـــ الاستاذ خالد عليوي،أستاذ مساعد في مادة
الأنظمة السياسية..: بداية أشير الى ان الرغبة في وضع دستور للعراق
تتجه نحو الطرق الديمقراطية، والكل تقريباً يستبعد اللجوء للطرق غير
الديمقراطية، أو أن واقع الحال بعد التجربة المرة التي مر بها
العراقيون يشير إلى أنهم لن يسمحوا بتكرار مصادرة إرادتهم مرة أخرى ،
تحت أي غطاء .
يمكن اعتبار الحديث عن الدستور سابق لأوانه، حيث
لا بد أولا من انتخاب برلمان يتولى مسألة الإعداد لعملية كتابة الدستور
والتحضير لآليتها..
النبأ:عفوا..هل من الممكن
الشروع باختيار أعضاء البرلمان دون أن يكون هناك إطار قانوني لهذه
العملية؟
ــ الاستاذ خالد عليوي: أعتقد أن مسألة الغطاء
القانوني، ليست مشكلة، حيث يمكن وضع آلية لانتخابات لو أردنا ذلك..
ــ الاستاذ عامر زغير: هناك تجارب سابقة على
الصعيد الدولي تفيد ان الانتخابات ممكنه في ظل غياب القانون الذي يعقب
سقوط الأنظمة السياسية كما حصل في( صربيا، وتيمور الشرقية) حيث تبنت
الأمم المتحدة الإشراف على تسيير الأوضاع في تلك المناطق. هذا من ناحية
ومن ناحية أخرى لابد أن ندرك أن قانون الانتخاب ليس فيه سوى تحديد شروط
الناخب والمرشح، وشروط اللجنة التحضيرية ، لذا ليس من الصعب التعامل مع
هذه الشروط ، والأمر الأهم هو لا بد أن نبدأ، أي لابد من بداية تضع
البلاد على الطريق القانوني والسياسي الصحيح.
ــ الاستاذ خالد عليوي :إن إصرار علماء الدين
على اللجوء للأمم المتحدة لتنظيم الانتخابات في العراق ، فهذا يعني أن
العراقيين يدركون ما للأمم المتحدة من صلاحيات وما تتمتع به من شرعية
لملء الفراغ القانوني، وحين تنظم الانتخابات تحت اشراف الامم المتحدة
وبرعايتها فلن يتاح لأحد الطعن بصدقية هذه الانتخابات..
النبأ: في حال انتهاء
اللجنة المختصة بكتابة الدستور من أعمالها فهل يُكتفى بعرض مسودة
الدستور على النخب، أم لابد من إجراء استفتاء شعبي عام عليه ليحظى
بالشرعية؟
ـــ الاستاذ خالد عليوي : حين ينتهي المجلس
التأسيسي من كتابة الدستور ، فهذا الأخير يصبح نافذاً، ووجب على السلطة
السياسية الأخذ به، هذا هو الرأي القانوني،ولكن لو شاء الشعب من خلال
قواه الدينية والسياسية عرض الدستور للتصويت قبل أن يكون نافذاً ، فهذا
يعني التأكيد على زيادة الثقة بهذا الدستور من خلال حصوله على الشرعية
بالاستفتاء المباشر في حال إقراره.
وفي حيثيات التصويت على الدستور فهناك عدة طرق،
وكما معمول به في الدول الديمقراطية ،منها الاستناد على نظام النسب
لإقرار الدستور أو رفضه.أعني أن يطرح الدستور على الشارع العراقي وتقوم
نُخب هذا الشارع السياسية والقانونية والثقافية بشرحه ومناقشته أمام
الناس.
- الاستاذ صلاح البصيصي: كما أشار الزملاء، هناك
طريقتان ديمقراطيتان لوضع الدستور( طريقة الجمعية التأسيسية، وطريقة
الاستفتاء الدستوري).
الاولى تعني أن هناك أشخاص يختارهم الشعب لكتابة
الدستور وينتهي الأمر، حيث يصبح الدستور نافذا من تاريخ الانتهاء منه
من قبل هذه الجمعية، حيث لايُرجع الى الشعب مرة أخرى للتصويت على
الدستور ،لأن هؤلاء الأشخاص قد اختيروا من قبل الشعب ، أي أنه منحهم
ثقته.
أما الطريقة الأخرى فتعني أن لجنة تضع الدستور
ويفضل فقهاء القانون أن تكون هذه اللجنة منتخبة من قبل الشعب... وبحسب
هذه الطريقة فأن الكلمة الأولى والأخيرة بالدستور هي للشعب، وهذه أفضل
طريقة لإقرار الدستور...
ـــ الأستاذ عامر زغير: هناك سؤال يطرح نفسه: هل
الاستفتاء الدستوري عام أم مقيد؟
الاستفتاء المقيد يعني أن هناك نخباً معينة يحق
لها إبداء رأي فاعل بالدستور،كأن يُحدد أصحاب الاختصاص القانوني أو
المثقفين أو حملة الشهادات وغير ذلك.
اما العام فيعني أن كل شخص بالغ السن السياسي
يحق له إبداء رأيه بالدستور، وهذا الرأي هو الأصوب والأسلم لأنه يتيح
لشريحة واسعة من الشعب التعبير عن رأيها بالدستور، وهذا حق لكل شخص.
المسألة الأخرى المهمة هي اللجوء إلى الاستفتاء
المجزأ للدستور، بمعنى التصويت على مواد الدستور مفردة وليس على كل
المواد، فربما حجب كثير من الاشخاص أصواتهم اعتراضاً على مادة واحدة في
الدستور، وليس عليه كاملاً وهذه مشكلة. |