يلاحظ من خلال وقائع المماحكات المستحدثة الآن
في الرأي العام العربي أولاً والرأي العام العالمي ثانياً إن العراقيين
بدؤا يستعيدون موقعهم الطبيعي في نفوس مواطني العالم بعد زوال نظام
صدام وفريقه السياسي الذي عمل على سحق ما كانوا يتمتع به العراقيون من
رقي في الشخصية – على وجه العموم – الذين كان مشهوراً لهم قبل سيطرة
حكومة انقلاب 1968م على أوضاع المواطنين في العراق.
كل شعب في العالم يتطلع أن يحكمه فرد سوي يتمتع
في الكفاءة والأخلاق والعدل والشجاعة فبخلاف توفر مثيل هذه الصفات
الأولية في الشخص لا تجعله صالحاً ليكون حاكماً، هذا وكانت مسألة (الحاكم
والحاكمية) قد شغلت بال الفلاسفة القدماء حتى قبل التاريخ، فمثلاً أن (أرسطو)
فيلسوف الإغريق الشهير كان – وبحسب مخيلته العلمية التحليلة – أن أنسب
شخص يصلح أن يكون حاكماً في مجتمعه إذا كان فيلسوفاً (إلا أنه كان
مستثن نفسه من هذا الأمل) وفي العصور اللاحقة ومنها هذا العصر التعيس
فإن كل مجتمع يتطلع في الحد الأدنى أن يكون الحاكم ذو أخلاقية رفيعة
غير مستغل لمنصبه من أجل مكاسب ذاتية!.
ولو تم الكلام عمن يكون (أحمد حسن البكر) الذي
قاد الانقلابين المشبوهين سنة 1963م وسنة 1968م وكان بين أشخاص
الانقلاب الثاني اسم (صدام التكريتي) الذي قفز من القاع السياسي الذي
ضم أيضاً فريق من الأشخاص المنبوذين في المجتمع العراقي لتبين أي مصير
مزرٍ سوف يوصل إليه العراقيون على يد أولئك فقد كان عدد الانقلابيين في
انقلاب 1968 لا يتعدى الـ(70) شخصاً الذين كانوا يمثلون كل الشريحة
لتجمع البكر السياسي آنذاك بحسب اعتراف (صدام) بذلك في إحدى خطبه
العنترية وكانت تلك من النوادر التي اعترف بها صدام ليعيّر بها
العراقيون بصورة لا مباشرة بعد أن كان قد صرح بذلك وأصبح لديه من
المنظمين إلى فريق الحكم السياسي زهاء مليون شخص خلال سنوات قليلة من
الحكم.
ولعل هذا ما شكل عيباً لدى هؤلاء الذين رضوا
بالانتماء السهل إلى ذاك الفريق السياسي المحاط بالشبهات الأخلاقية قبل
الرذائل السياسية فبقدر ما كان الكلام مستسفراً باستهجان عن (البكر)
الذي عرفه العراقيون كأحد أكبر الخونة الجبناء الذين باعوا كرامة الشعب
وسيادة الوطن إلى الأجانب مقابل أن يسمحوا له وجماعته بالبقاء على رأس
السلطة في العراق، وهكذا فبقدر ما كان (الحاكم البكر) يمتاز بـ(الجهل)
و (النبذ الاجتماعي) فإن خلفه (صدام) كان يمتاز بضعة (الأجهل) و(الرفض
الاجتماعي) بسبب شيوع الكلام عنه الذي كان يمس تردي موقفه الأخلاقي
أولاً وانتهازية موقفه السياسي أيضاً، فقد كان معروفاً بين تجمع
أنقلابيو 1968 على الأقل أن صدام كان أحد المتعاونين علناً مع أجهزة
مخابرات عهد عبد السلام عارف وهذا ما أدى بصدام نفسه أن يلقي القبض على
العديد من (الرفاق) بحسب التعبير السياسي المتداول لدى الإنقلابيون
المشار لهم.
وحيث أن صدام كان يشعر (بالنقص) بين أعضاء
فريقهم السياسي لأن هناك من كان أجدر منه على أن يكون النائب للرئيس
البكر كما كان يحس بـ(الحيف الكبير) الدائمي الذي وقع عليه (صدام)
بفترة مظلمة من حياته وكان ما يسببه كلام الناس الذين عرفوه ويعرفوه
جيداً بمنطقة الكرخ ما وضعه بموقف حرج لذلك فحتى لا يقال عنه ما يقال
فقد كان قاسياً مع أعضاء فريقه السياسي بالقدر نفسه الذي كان قد مارسه
من قساوة مع أبناء الشعب واستهدف من ذلك تجميد الكلام السيء عنه لكن
ذلك لم يمنع الناس أن تتهامس للتعريف بصدام الجاهل الذي نال من عنصر
الرجال بالعراق شرّ نيل حتى غدا أغلبية الناس في طول وعرض البلاد يخشون
أن ينالهم شيئاً من تهوّر قراراته ضدهم لا لشيء إلا لكونهم رجال أسوياء
فارتضوا حين زجهم بأسلوب الإرهاب نحو جبهات حروب الجوار وحروب الداخل
عسى أن يكون ذلك مدعاة لعدم موتهم في الجبهات من الموت الحقيقي الذي
كان ينتظر كل من يرفض المشاركة بحروبه المفتعلة ثم ارتضى أغلب الناس
بسلب نظام صدام لمقومات عيشهم وهم يأملون أن يأتيهم الفرج بطريقة
وبأخرى والمهم لقد كان الجميع يطمحون أن يبقوا على قيد الحياة حتى يأتي
الله بأمره عبر معجزة تكفل إبعاد (صدام وفريقه السياسي الشديد الإجرام)
عن دست الحكم، وحتى إذا ما جاء القدر (اللامصدق حدوثه) في نيسان 2003م
وأزيح صدام وفريقه عن الحكم أخذ العراقيون يستعيدون الأنفاس ويفكروا
مجدداً أن يعوّضوا عما فاتهم من نكد وقلق استحكم عيشهم وحياتهم فأخذوا
يستعيدون مآلات ما كانوا عليه وما عرفوا به من كرم وسوية والنظر إلى
الغد بثقة وأمل حقيقيان ومع أن ما حدث من تغيير في الوضع السياسي داخل
العراق بحاجة إلى عمل وجهد عظيمان حتى يكون مستقبل العراق الجديد أكثر
انسجاماً مع التوقعات المعلنة حول إعادة بناء البلاد التي خربتها
الحروب من جهة وعاث بها فساداً (النظام الصدامي) المهزوم طوعاً من
ساحات المواجهة مع القوى الأنكلو أمريكية التي أخذت بزمام إدارة الأمور
للعراق لفترة محددة ومؤقتة كما هو معلن من قبل تلك القوى الحاكمة
للعراق الآن فعلياً.
والعراقيون الطامحون فعلاً لعدم إثارة أي مشاكل
مع قوى التحالف الأنكلو – أمريكية المحتلة العراق حاضراً إذ يتطلعون
إلى حكم ديمقراطي وحكومة دستورية محلية يختارها المجتمع العراقي بمحض
إرادته دون أي وصايا من القوى الآنفة فأنهم يتطلعون أن لا تكون هناك أي
(صفقة سرية) تعقدها تلك القوى مع أي أشخاص عراقيين أو جهة سياسية
عراقية فقد تغيرت معايير الصراع في العالم وأن على من يفكر بالركون إلى
الكذب والخداع أن يعيد حساباته بما يتوافق مع حق الشعب العراقي على
كامل خيراته ويمنح فرصه العيش بسلام وأمان. |