العرب والأكراد وباقي الأقليات هم عماد المجتمع
العراقي ولا يجوز بل ومن العدل أن يتم النظر والتعامل مع كافة
المواطنين العراقيين المنتمين لاسم العراق بالحسنى والتساوي.
قضية (الهوية) في العراق كانت أبرز مشكلة
اجتماعية تعاملت معها أغلب الحكومات العراقية (بحذر شديد) ففي الوقت
الذي كان فيه العراقيون متماسكون من حيث انتمائهم إلى الوطن العراقي
الواحد إبان كل العهود وبالذات خلال حقبة العهد العثماني الذي استمر
لزهاء (5) خمس قرون متواصلة لم تكن هناك بين العراقيين نعرات قاتلة
تفرّق هذا التجمع أو ذاك عن الآخر إذ كانت (هوية العراق) قد عملت على
تقوية نسيج اجتماعي عراقي مشترك ومتجانس من حيث النظرة للأمور التي تهم
الإنسان والمجتمع بالعراق في آن واحد رغم أن من الحروب وفتك الأوبئة
بحياة العراقيين من حين لآخر لكن الناس كانوا موحدين تحت اسم وطن
الحضارات الأول في العالم القديم (العراق) الذي ورثوه ولعل هذا هو أحد
الأسباب التي جعلت مواطني العراق يتوحدون تحت اسم (الهوية العراقية)
كما كان هذا سبباً في الذهن الدولي الاستعماري آنذاك لتفكيك خيوط تلك
الهوية إذ بتفكيكها سيمكن تفريق الشعب العراقي وبالتالي السيطرة على
خيراته.
ومن اللامفهوم حتى الآن لماذا لم تدع أي حكومة
عراقية إبان العهد الملكي الذي استمر زهاء (37) سنة بوضع جدول أعمال
لتدارس مشكلة الهوية في العراق فمن يدري ربما كانت الضغوط المتوجهة نحو
حكومات ذاك العهد متقصّدة في إبقاء حالة التفريق بين المواطنين
العراقيين بعد أن وقعت شرائح أعداد كثيرة منهم في فخ الادعاء بالانتماء
إلى بلدان الجوار أو الأبعد من ذلك وكانت تصرفات بعض القائمين على
العوائل العراقية أي من ذوي القيمومة العائلية الذين بيدهم (قضايا الحل
والربط) ضمن أفراد العائلة مرتبطة بدعاية استعمارية تحثهم كي يصولوا
ويحولوا من أجل الحيلولة دون إلحاق أولادهم بخدمة العلم العسكرية خوفاً
على حياتهم جراء مشاركتهم من حروب دولية فأدعو كذباً أنهم تابعون إلى
بلدان أخرى وحقيقة هوية أحدهم الجديدة أصبحت تقرأ أما (الهندية) أو (الباكستانية)
أو (الإيرانية) أو غير ذلك التابعيات الدولية وهذا ما استغله الاستعمار
أسوأ استغلال فأحجب حقوقاً كثيرة لأولئك المواطنين العراقيين سواء فيما
يخص إلحاقهم بالوظائف الكبرى داخل بلدهم العراق أو التسهيلات الدستورية
التي كانت تمنح أحياناً للمواطنين العاديين ولكن الجيل الثاني الذي تلى
مرحلة بداية أزمة الهوية في العراق قد عانى كثيراً مما سببه لهم الآباء
وكـ(حل وسط) ولكثرة أعداد هؤلاء المواطنين فقد ارتضوا أن تحل مشكلتهم
بما يجعلهم مواطنين من (الدرجة الثانية) بعد أن قدموا طلبات إلى
الدوائر المختصة كي يكسبوا وثيقة التجنس بـ(الجنسية العراقية)
والغالبية منهم عراقيون اصلاء وباستثناءات قليلة جداً كان هؤلاء من
تبعيات أجنبية وبذاك (ضاع الطاس بالحمام) كما يقول المثل البغدادي.
وفي ضد ما استغلته حكومة صدام (وفريق حراميته
السياسي) فيما يتعلق بطريقة جموعات هؤلاء المواطنين أن اعتبروا في
ايعازات النظام الصدامي أنهم مواطنون ذوي أصول غير عراقية فسلب أموالهم
وعقاراتهم وتجاراتهم وهجّر أغلبيتهم الذين يعدو بمئات الآلاف إلى داخل
الحدود الإيرانية بحجة أنهم (شيعة) في حين كان من بين المهجرين بعض (الإخوة
السنة) و (الإخوة المسيحيين من الآشوريين وغيرهم) كما أن نفس هؤلاء
المواطنين الشيعة فعلاً لم يكونوا على غالبيتهم من الشيعة المؤمنين (أي
الذين يؤدون الفرائض الإسلامية كأداء الصلاة والصوم... هذا في حين كان
النظام وهو العارف جيداً أن هؤلاء المواطنين عراقيين وكان معظمهم عنصر
الرجال فيهم قد أدوا الخدمة العسكرية في الجيش العراقي وكان بينهم
شهداء في معارك العراق بفلسطين سنة 1948م وسنة 1967م أثناء مشاركة
العراق آنذاك بتلك الحربين لذلك فقد عمد النظام الصدامي تنفيذاً
للمؤامرة الدولية الاستعمارية التي استهدفت تشتيت العائلة العراقية
وصولاً لتشتيت المجتمع العراقي أن احتفظ بأعداد هائلة من الرجال الذين
سُفرت عوائلهم إلى خارج حدود البلاد وكانوا ومازالوا يمارسون أعمالهم
التجارية وغيرها كبقية المواطنين بالعراق وبذاك فقد أستطاع نظام صدام
الاستعماري من الاحتفاظ بمن أبقاه من شريحة أولئك المواطنين داخل
العراق كـ(رهائن) على حسابات المستقبل وما يمكن أن يأتي ضد النظام
ببغداد.
كما تعامل النظام الصدامي مع أعداد كبيرة من
المواطنين الذين احتسبوا كمواطنين من (التبعية الإيرانية) بطريقة حلا
للنظام تسمية تلك أن زج بهم في السجون الرهيبة وشمل ذلك من كان آبائهم
قد أخطأوا وسجلوا أنفسهم من تبعية إيران تلافياً للرغبة التي كانت بعض
الحكومات تطلبها من المواطنين العراقيين للانخراط في خدمة الجيش
العراقي آنذاك كما مر آنفاً.
وتشير بعض الأخبار الصحفية الواردة في العراق أن
أكثر من (نصف مليون شخص عربي وكردي عراقي ممن كانوا في سجون العراق قد
تعرضوا للتصفية الجسدية على يد أزلام صدام المقربين تنفيذاً لأمر
استعماري واستكمالاً لخطة الاستعمار في العراق التي اقتصرت غايتها وما
تزال إضعاف قوة الشعب العراقي إلى أدنى حد ثم شّل تلك القوة وبالتالي
إبعادها عن ساحة المواجهة مع أعداء العراق العلنيين والخفيين قدر
الإمكان إذا ما وقعت أو قُدرّ لها ذلك.
هذا وبعد أن أوصل النظام الصدامي الوطن العراقي
إلى نقطة الصفر، فإن القضية التي ينبغي أن يتمسك بها العراقيون راهناً
هو قطع الطريق على المحاولات الدولية لتفليت صدام من العقاب القانوني
الذي يستحقه والذي يصدره العراقيون بحقه فبذاك فقط سيمكن حجب المكافأة
الاستعمارية الدولية عنه التي تنتظره حتماً لقاء ما قدمه هو وفريقه
السياسي المجرم من عملية تحطيم العراقيين (الشعب) والعراق (البلد). |