ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

العراق...العلماني؟

نزار حيدر

ليس في العراق الجديد، من لا يحق له أن يدلي برأيه، في أية قضية من القضايا العامة، السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والحقوقية، وغير ذلك، ولكن، في نفس الوقت، ليس لأحد أن يفرض رأيه على ألآخرين، في كل الظروف.

هذه القاعدة لا يستثنى منها أحد، بسبب زيه أو إنتمائه أو موقعه الاجتماعي، فإذا كان المواطن العادي يحق له أن يدلي برأي ما في قضية ما، فهل يجوز أن نمنع المرجع الديني ـ مثلا ـ من الإدلاء برأيه، في قضية من القضايا، ليس إلا لمجرد أنه يلبس العمامة؟.

حتى أولئك الذين يرفضون اليوم تدخل (رجل الدين) بالسياسة، ظلوا، ولسنين طويلة، يتعاملون معه كرجل سياسة، وذلك طوال فترة عمل المعارضة العراقية، والممتدة أكثر من ربع قرن من الزمن، فهل يعتقد هؤلاء، بان (رجل الدين) هذا، يحق له التدخل بالسياسة فترة النضال السلبي، ولا يحق له تعاطيها فترة النضال الايجابي؟ وبعبارة أخرى، هل يرونه يصلح للذبح والإعدام والاعتقال والمطاردة والاغتيال، ولا يصلح للسلطة والإدارة، أو على الأقل كرأي في القضايا العامة؟ فيتعاملون معه في مجلس الحكم الانتقالي، ولا يتعاملون معه إذا لم يكن عضوا فيه؟ أو يتعاملون معه إذا كان ضعيفا مستضعفا، ويرفضون التعامل معه إذا كان قويا مقتدرا؟.

ثم، من انتم؟ وماذا تمثلون؟ حتى تحددوا دور الناس؟ فهذا يصلح للحكم، وذاك يصلح للذبح؟ أنتم تصلحون للقيادة، وغيركم جهلة وأميون لا يصلحون إلا للسوق كالبهائم؟.

حقا، لقد سقط الطاغية الذليل، ليكشف الكثيرون عن حقيقتهم، وما كانوا يخبئونه تحت طيلسانهم، والإمام علي (عليه السلام) يقول ؛ (المرء مخبوء تحت طي لسانه لا تحت طيلسانه)، وها هي الأيام، تنتزع ما خبأه هؤلاء، تحت طي ألسنتهم عقود طويلة من الزمن، لتكشفهم على حقيقتهم و (عش رجبا، ترى عجبا).

ما لهم؟ كيف يحكمون؟ وما هو الفرق، إذن، بينهم وبين نظام الطاغية الذليل؟، الذي لم يكن يميز بين مواطن وآخر عندما كان يوزع الموت وينشر القتل وينثر الدم في الاتجاهات الاربع؟.

لقد حاول النظام البائد أولا إبعاد (رجل الدين) عن السياسة، في الوقت الذي كان يتدخل هو في الدين وشؤونه ومؤسساته وبكل التفاصيل المتعلقة به، ولكنه عندما كان يمر بأزمة ما، كالحرب العراقية الإيرانية وأزمة إجتياح الكويت، وأزمة الحرب مع المجتمع الدولي، كان يسعى لتوظيف الدين و(رجل الدين) لخدمة سياساته وأغراضه أسوأ توظيف، وعندما كانت تعيه السبل، كان يستورد (رجال الدين) من الخارج، ليمرر ما كان يريد قوله على ألسنتهم، كما فعل ذلك فترة إحتلاله للجارة الشقيقة الكويت.

أكثر من هذا، فقد راح يفتتح بياناته وخطبه، بآيات من القرآن الكريم ويختتمها بأخريات، وأكثر، عندما اختار الآية المباركة، (وجئتك من سبأ بنبأ يقين)، لتكون شعار جهاز المخابرات سيئ الصيت، لتزين شارة عناصره الإرهابية، في إشارة إلى استحسان عملهم، كما فعل هدهد سليمان الذي نقل لصاحبه نبي الله خبر الملكة بلقيس التي كانت تعبد وقومها من دون الله.

ولم يكتف بكل ذلك، فأطلق ما أسماه بالحملة الإيمانية التي كانت، ولله الحمد، السحر الذي انقلب على الساحر.

وعندما أراد المرجع الديني (الصدر الثاني مثالا) أن يدلي برأي ما، في قضية ما، أقام النظام الدنيا ولم يقعدها، فهدد وتوعد، ولما لم ينحن الرجل أمام كل تهديدات النظام، إعترضه جهاز الاغتيالات، الذي كان يشرف عليه قصي، إبن الطاغية الذليل، ليمطره برصاصات الحقد الأعمى الدفين، هو وإثنين من أولاده الأربعة.

تلك كانت قصة النظام البائد مع الدين ورجاله، فلماذا يتعامل بعض ضحاياه اليوم بنفس الطريقة؟ وإذا بهم يصبون جام غضبهم على الدين ورجاله، لمجرد أن المرجع الديني قال رأيا في قضية ما؟.

هم يخوضون في قضايا الدين، كل الدين، لدرجة أن أحدهم نصب نفسه إماما وفقيها ومؤرخا ومفسرا (ما شاء الله)، وهو الذي لم يدرس ألف باء الطهارة، وراح يفتي بما لم ينزله الله من سلطان، ومن دون أي دليل أو حجة، فحمل الدين من البدع والخرافات الشئ الكثير، وفسر آيات القرآن الكريم بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، وأبدى رأيا في آيات القصاص، ما لم نسمع بمثله حتى أيام زمن الطاغية الذليل، ثم يختم مقالته بقوله، وكأنه استنتج رأيا فريدا يستحق أن يمنح عليه شهادة براءة الاختراع، فيقول (ولكل ذلك لا نريد للدين أن يتدخل في السياسة، ولا نريد لرجل الدين أن يتدخل في السياسة).

إن مثله يشبه إلى حد بعيد، مثل ذلك الذي سأله صاحبه، إن كان يصلي أم لا؟، فأجابه بالنفي، ولما سأله عن السبب؟ رد عليه بقوله، عملا بأمر الله عز وجل، فاستغرب زميله وسأله، وأين قرأت هذا الأمر الإلهي الخطير، والذي لم تنتبه له كل الرسل والأنبياء والصالحين والشهداء من قبل؟ فأجابه، قرأته بقول الله عز وجل في كتابه العزيز (ولا تقربوا الصلاة).

ضحك زميله ضحكة كادت أن تكون القاضية، قائلا له ؛ ولكن للآية تكملة، لعلك نسيتها؟ تقول ؛ (وانتم سكارى)؟ أجاب الرجل بكل ثقة المكتشف المتيقن ؛ أنا أعشق هذا الجزء من الآية، وأنا حر، ولذلك أطبقه حرفيا من دون زيادة أو نقصان، ولك أن تختار من الآية ما تحب وتهوى.

هو يحب أن لا يتدخل الدين بالسياسة، ويكره أن يتعاطى (رجل الدين) بالشأن العام، ومن أجل أن يدلل على رأيه، ويضفي الدليل الشرعي المزعوم، تراه يتصفح سور وآيات القرآن الكريم، وأحيانا بعض كتب التفسير المشبوهة، بحثا عن كل ( نصف آية) تخدم هدفه، بطريقة إنتقائية ظالمة ومتعجرفة، حتى إذا لزم الأمر، زاد عليها أو أنقص منها شيئا.

نعم هو حر بطريقة تفكيره المنحرفة والمخادعة هذه، ولكنه، بالتأكيد، ليس حرا في تحميل الدين خزعبلاته، والنتائج المنحرفة التي يصل إليها بهذه الطريقة من التفكير.

حقا إنهم تلاميذ معلمهم الطاغية الذليل، فهم الصورة المصغرة لتلك الحقبة التي مرت على العراق، فأرته الويل والثبور.

أجزم، لو حكم أمثال هؤلاء، العراق الجديد، لأعادوا عقارب الزمن إلى عهد نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي، فسيروا، أولا، المظاهرات الشعبية ـ وإن سماها بعضهم بالملايين الأمية لأنها لم ترفع صور الزعيم العمالي المحبوب، أو تردد شعار الطبقة العاملة، وهي تتوعد (الرجعية السوداء) بالويل والثبور، والقاضي المسكين، بالغرق حتى الموت، ليشرب من ماء البحر، وهي تردد ؛ (بس هالشهر، ماكو مهر، والقاضي نذب بالنهر)، ـ أي الزواج على الطريقة الديمقراطية.

أي عراق جديد يريد أن يبنوا لنا هؤلاء(الصداميون الجدد)؟ و(الضلاميون الديمقراطيون)؟ وأي مجتمع يريد هؤلاء؟.

لا أحد يعترض على كل ما يقولونه، فهو يدخل في إطار إحترام الرأي والرأي الآخر، شريطة أن لا يحملوا الدين كل ما هو منه براء، وعليهم أن يأتوا بالدليل العلمي المقنع، لنشعر أنهم بالفعل، حريصون على تبني كل كلمة يقولونها، وكل رأي يدلون به، أما أن يطيروا الكلام على عواهنه، ويوزعوا التهم والافتراءات يمينا وشمالا، ويحاولوا فرض آرائهم قسرا وبالإكراه، لدرجة التوسل بالكذب والتزوير والغش والخداع وطريقة الانتقاء السيئة، فإن كل ذلك مرفوض جملة وتفصيلا، لا أحد يقبل أن يعود إلى أجواء العراق الجديد أبدا.

كذلك، فكما أن من حقهم أن يقولوا رأيهم في كل الأمور التي يعلمون بها ولا يجهلونها، فإن للآخرين كذلك كامل الحق في إبداء آرائهم بكل ما يريدون، لا فرق في ذلك بين من يلبس الجبة والعمامة، أو من يلبس الكوفية والعقال العربي، أو من يلبس ربطة العنق ويضع على رأسه السيدارة الإفرنجية، أو من يلبس الزي الوطني الكردي أو التركماني أو الآشوري أو أي زي آخر، فليس المهم من الذي يقول، وما هو إسمه أو زيه أو رسمه، أو إنتماءه، وإنما المهم، ما الذي يقوله؟ وكيف يقوله؟، وفيما إذا كان صحيحا مقنعا، أم خطأ مرفوضا لا يقنع الآخرين.

إن ما يؤسف له حقا، هو أن بعض فلول جيل الديناصورات المنقرضة، كشف عن وجهه الحقيقي وأماط اللثام عن قلبه الأسود المملوء حقدا وضغينة، ضد كل ما يمس الدين وأهله من قريب أو بعيد، فيحاول أن يعيد للعراق أجواء عهد الخمسينيات والستينيات، أيام المد الأحمر سئ الصيت، الذي رفع وقتها راية العداء للدين وقيمه وأخلاقه، لدرجة إضطرت وقتها المرجعية الدينية العليا آنذاك، السيد محسن الحكيم، لإصدار الفتوى الدينية التاريخية المشهورة التي تقول (الشيوعية كفر وإلحاد)، والتي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير الأحمر.

ترى، متى كان الدين سببا لمشاكل العراق الحديث؟ لتطالب هذه الفلول بالنظام العلماني المعادي للدين؟، بل متى كان النظام في العراق دينيا، حتى يطالبون اليوم بنظام علماني؟.

ألم تحكم العلمانية، العراق الحديث منذ تأسيسه مطلع القرن الماضي وحتى سقوط الطاغية الذليل؟.

ألم ترتكب كل الجرائم التي شهدها العراق خلال القرن الماضي من الزمن، باسم العلمانية؟.

ألم يقتل الشيوعيون باسم، العلمانية؟.

ألم يقتل الإسلاميون، باسم العلمانية؟.

ألم يقتل الرجل والمرأة، الصغير والكبير، باسم العلمانية؟.

ألم يقتل رجل الدين الشيعي، وأخيه السني، وأخيه المسيحي، وكل رجال الدين في العراق، باسم العلمانية؟.

ألم تقصف مدينة حلبجة، باسم العلمانية؟.

ألم يمتلئ العراق بالمقابر الجماعية، باسم العلمانية؟.

ألم يقتل الأبرياء في عمليات الأنفال، باسم العلمانية؟.

الم تستباح الأعراض، ويغتصب الشرف، باسم العلمانية؟.

الم تشن الحروب ضد الكرد في الشمال، وضد الجارة إيران، والأخرى الكويت، باسم العلمانية؟.

لقد ارتكب الشيوعيون جرائمهم، باسم العلمانية، كما ارتكب القوميون جرائمهم، باسم العلمانية، وكذلك فعل المدنيون والعسكريون، إن كل الجرائم الفضيعة ارتكبت باسم العلمانية، فأين الدين في كل ذلك؟، لتطالب حثالة نكرة، بفصل الدين عن السياسة، ومنع رجل الدين من التعاطي بالشأن العام؟.

على العكس من كل ذلك، فان من حق المواطن العراقي الذي ضحى مدة (35) عاما من اجل صيانة دينه وقيمه ومقدساته، أن يطالب بقيام نظام ديني في العراق الجديد، بعد أن ذاق الأمرين من النظام العلماني.

إنهم يحكمون على الدين وأهله بالنوايا والاحتمالات، أما العلمانية، التي جربناها قرن من الزمن، ورأينا بأم أعيننا، ما فعلت بأربعة أجيال من الشعب العراقي، فلا يصدرون ضدها أي حكم، بل يبرئونها من جرائمها في اغلب الأحيان.

حقا إنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون.

ولهؤلاء أقول:

أولا: العراقيون شعب متدين (مسلمون ومسيحيون وغيرهم)، من دون أن يعني ذلك بالضرورة، أبدا أنهم يريدون إقامة نظام ديني، إلا أن الدين بالنسبة لهم، قيم وأخلاق وقواعد اجتماعية ولغة وتاريخ وثقافة وعبادات وعلاقات اجتماعية، يخطئ من يتصور أنهم سيستغنون عن دينهم في يوم من الأيام لصالح حفنة تدعو إلى التحلل الأخلاقي.

ولمن يريد أن يتأكد مما أقوله، عليه أن يقرأ الواقع العراقي الحالي بشكل دقيق، بعيدا عن النماذج الانتقائية والعقد التاريخية، فلقد رأينا كيف خرجت الملايين في أربعين الإمام الحسين بن علي (عليهم السلام) في مدينة كربلاء المقدسة، بعد سني الكبت ومحاربة الدين وشعائره، ومنها شعائر الحسين (عليه السلام).

أو كما عرضت لنا شاشات المحطات الفضائية، التظاهرات المليونية التي جابت شوارع محافظات العراق تأييدا للمرجعية الدينية، كما أن صلوات الجمعة التي يشارك فيها الملايين في كل مناطق العراق تقريبا، ومن دون استثناء ـ وهي بالمناسبة اكبر وأضخم تظاهرة أسبوعية دينية وسياسية لا تضاهيها أية ظاهرة سياسية أخرى، دليل آخر على صحة ما أقول.

ولكي أكون منصفا، يلزم أن اذكر هنا تظاهرة ألـ (200) نفر التي عرضتها لنا المحطات الفضائية، والتي خرجت في العاصمة بغداد، في ذكرى عيد العمال الذي يتخذه هؤلاء شعارا لهم، فلقد نقلت وسائل الإعلام وقتها، أن المشرفين على التظاهرة، أصدروا أمرا حزبيا صارما وملزما لكل منظماتهم الحزبية في مختلف مناطق العراق، للمشاركة في التظاهرة (المئتينية)، ولم ينس المنظمون دفع قيمة وجبة الغداء للعمال والفلاحين الكادحين، الذين شاركوا في التظاهرة (خبز وكباب).

ثانيا: سيكتب للنظام العلماني الفشل في العراق، فلا تتعبوا أنفسكم.

حتى الرئيس الاميركي جورج بوش، تنازل عن زلة لسانه، التي قال فيها يوم أن سقط نظام الطاغية الذليل، (أن إدارته تريد إقامة نظام علماني في العراق)، بعد أن اصطدم بحقيقة الواقع العراقي الملتزم بالإسلام، لدرجة انه أعلن احترامه للمرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني وتقديره لآرائه (السياسية طبعا)، لان الرئيس بوش لا علم له بالدين، ثم، انه علماني لا يتدخل في شؤون الدين، كما هو معروف، وينص عليه الدستور الاميركي.

ولا ادري إن كان علمانيو العراق قد اطلعوا على نص الدستور الأفغاني الجديد، الذي صادق عليه الشعب في ظل الاحتلال الاميركي وباستشارة اميركية صرفة؟، فقرأوا مثلا، النص الدستوري الذي يسمي الدولة الجديدة (جمهورية أفغانستان الإسلامية ) وأن (الإسلام هو دين الدولة الرسمي ومصدر التشريع الأول)؟.

وهل قرأوا دستور دولة فلسطين المرتقبة، المقترح، والذي يذكر نصوص مشابهة، لتلك الواردة في الدستور الأفغاني؟.

أقول وبصراحة، لقد ولى عهد الاستعمار البريطاني للعراق الحديث، وقد كنست كل مخلفاته عن ارض العراق، وبقي أن نكنس مخلفاته، التي لا زالت عالقة في أذهان البعض من أيتامه، مثل موضوعة فصل الدين عن السياسة، وتقسيم العراقيين إلى عربي وعجمي، وان المرجع الديني العجمي، لا يحق له أن يتدخل في شؤون العراق، وغير ذلك من الأفكار القذرة التي زرعها (أبو ناجي) في العراق، وظلـت عالقة، حتى الآن، في عقول البعض، يرددونها كالببغاوات، من دون أن يفهموا معناها، أو يعوا الغرض من ورائها، وبالمناسبة، فان الكثير من هؤلاء يتمتعون بمواطنة (أبو ناجي) من دون أن يقول احد لهم، اذهبوا فانتم غرباء أو أجانب عن هذا البلد، وهم الذين لم تمر على مدة إقامتهم في بلاد الضباب، سوى سنوات معدودة، فما بالك بالمرجعية الدينية التي ولد بعضها في العراق، أو مرت على إقامته أكثر من نصف قرن، هذا، إذا أردنا تناسي أصول السادة منهم، والتي تعود إلى بني هاشم، ما يعني أنهم عرب اقحاح معروفي النسب، وليس كبعض العرب، مجهولي النسب.

لقد كان الدين في العراق، مشروع تحرر وتحرير، وكان به جديرا، كما كانت المآذن والكنائس، جهاز الإعلام المفضل لدى العراقيين، للإصغاء إليه وهو يتلو بيانات الثورة وتعليمات الجهاد، أما العلمانية، فقد كانت مشروع سلطة، ولم تكن بها جديرة أبدا، فلقد حرر الدين، العراق، من الاستعمار، وسلمه إلى العلمانيين، وإذا بهم يخونون الأمانة فيعيدون البلاد وأهلها، إلى حضن الاستعمار والاحتلال من جديد، فماذا يعني هذا؟ ألا يعني أن الدين أدى دوره بكل جدارة، فيما فشلت العلمانية فشلا ذريعا في الحفاظ على منجزات الدين، وفرطت باستقلال العراق وكرامة أهله؟.

ألا يعني ذلك أن الدين كان أمينا على الوطن والشعب، فيما خانت العلمانية الأمانة؟.

ثالثا: إن العراق يختلف عن أوربا، التي نمت فيها بذرة العلمانية، ثم صدرتها لنا مع بعض أنصاف المثقفين الذين ذهبوا إلى عواصمها للدراسة وطلب العلوم الدنيوية.

فالعراق، مهد الديانات السماوية الثلاث، المدفون فيه أبو البشر آدم (عليه السلام)، والذي ولد فيه أبو الأنبياء الثلاثة أولوا العزم، (موسى وعيسى ومحمد)، إبراهيم (عليه السلام)، العراق الذي يرقد فيه أئمة الشيعة والسنة، العراق الذي حكم فيه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، واستشهد ودفن فيه الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، لا يمكن أن يكون علمانيا بأي شكل من الأشكال، لان خصوصياته تختلف كليا عن خصوصيات منبت العلمانية (أوروبا)، وان التجارب الإنسانية لا يمكن أن تصدر أو تستورد، كعلب السردين، إذ لكل بلد تجربته، ولكل شعب خصوصياته وواقعه، سيفشل من يحاول زرع النبتة في غير أرضها، أو الاحتفاظ بالسمكة بعيدا عن الماء.

قد تستفيد الشعوب من تجارب بعضها البعض الآخر، ولكن من المستحيل أن تتطابق فيما بعضها تطابق النعل بالنعل، أبدا.

إن فخر العراقي، انه يسكن في ارض طاهرة،تحتضن في تربتها، الأنبياء والأئمة والعلماء والفقهاء وأساتذة مختلف المدارس المذهبية واللغوية والنحوية والفقهية التي تأسست في العراق وانتشرت إلى العالم ليدين بها المسلمون، فكيف يقارن هذا العراق، بأي بلد آخر في العالم؟، وكيف تريدون لأهله أن يعتنقون العلمانية؟.

رابعا: كذلك، فإن الإسلام، هو الآخر، يختلف عن مسيحية أوروبا، التي كانت العلمانية ردة فعل لمنهجيتها ومواقفها المعادية للعلم، وان المسجد يختلف كذلك عن الكنيسة الأوربية، فلا الإسلام ضد العلم كما كانت المسيحية في أوربا فترة انتشار الأفكار التنويرية، أو في عهد الثورة الصناعية، ولا المسجد ضد التطور والتجدد والتجديد والمدنية، كما كانت الكنيسة في ذلك الوقت، والتي أدارت محاكم التفتيش، للتفتيش في عقول العلماء والمفكرين المتنورين، بحثا عن الأفكار التجديدية، فأعدمت مثلا، من قال بكروية الأرض، وقتلت من دعا إلى نظرية العقد الاجتماعي، وفصل السلطات الثلاث، وما إلى ذلك.

إن الإسلام دين ودولة، دنيا وآخرة، روح ومادة، تدين وسياسة، مسجد وساحة، واكرر، من دون أن يعني ذلك بالضرورة، أبدا، الدعوة إلى إقامة نظام ديني في العراق، ولكنه يعني، بكل حزم وجزم، الدعوة إلى احترام الدين ـ أي دين ـ وأهله وأخلاقه وقيمه وقواعده وعلماءه ومؤسساته.

وإذا كانت المسيحية التي جاء بها نبي الله عيسى بن مريم (عليه السلام)، من الأساس، دعوة روحية لم تنشأ في ظلها دولة بالمعنى الحديث للكلمة، حتى في عهده (عليه السلام)، فان رسول الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أقام دولته في المدينة، ومن بعده الخلفاء الراشدين الأربع، وهكذا ظل الإسلام مشروع دولة، بالرغم من كل حالات المد والجزر في مشروعه السياسي، وهذا، كذلك، ما يميز العراق (الإسلامي) عن أوروبا (المسيحية).

خامسا: لقد اعترف، كل من سعى إلى إبعاد الدين وقيمه عن الحياة العامة، بخطئه الفضيع، ولكن بعد فوات الأوان، كما هي عادة الإنسان، عندما يريد أن يعترف بخطئه.

إقرأوا كتاب ( البيروستريكا) لمؤلفه ميخائيل غورباتشوف، آخر الأمناء العامين للحزب الشيوعي السوفيتي، وآخر زعماء الاتحاد السوفيتي المنحل، الذي اعترف فيه، بأن واحدة من اكبر أخطاء الشيوعية، هو محاربتها للدين، ومحاولة إبعاد أخلاقه وقيمه عن المجتمع السوفيتي.

وراجعوا نص الخطاب الرئاسي، الذي أدلى به الرئيس الاميركي جورج بوش قبل سنتين، وهو يتحدث في البيت الأبيض، بحضور علماء مختلف الديانات في الولايات المتحدة الاميركية ورجال إدارته، في حفل التوقيع على قانون الأديان المعروف، وهو يتحدث عن دور الدين في الحياة العامة، خاصة، في مجال التربية.

ثم إقرأوا ما كتبه الدكتور فاضل الجمالي، قبل وفاته بسنة، (توفي في تونس عام 1996)، عن الخطأ الفضيع الذي ارتكبه المسؤولون على التربية والتعليم في العراق، بشأن تهميش دور التربية الدينية في المناهج التعليمية والتربوية، وهو بالمناسبة، كان قد تولى رئاسة الوزارة في العراق مرتين، ورئاسة المجلس النيابي مرتين، ووزارة الخارجية ثمان مرات، وكان قبل ذلك، من رجال التربية والتعليم البارزين ومديرا عاما لوزارة المعارف العراقية لمدة عشر سنوات.

فلماذا يصر هؤلاء، على تكرار التجارب الفاشلة، ومع سبق الإصرار؟.

سادسا: لا ادري أية علمانية يريد هؤلاء للعراق؟.

أهي علمانية فرنسا، التي تمنع الحجاب الإسلامي بالقوة؟.

أم علمانية تركيا، التي قادت الانقلابات العسكرية، بسبب اقتحام الحجاب الإسلامي لقبة البرلمان؟.

أم علمانية تونس، التي منعت العمال من الصوم في شهر رمضان الكريم؟.

أم علمانية رضا خان، الذي قتل المرأة بسبب ارتدائها للحجاب الإسلامي؟.

أم علمانية الاتحاد السوفيتي (الشيوعية)، التي حاربت الكنيسة والمسجد على حد سواء؟، ومنعت المسلمين من إطلاق الأسماء الإسلامية على مواليدهم؟.

كل هؤلاء يقولون إن أنظمتهم علمانية، وهم بالمناسبة، من أكثر الأنظمة تدخلا في شؤون الدين، أما إذا تدخل رجل الدين بالسياسة، ولو بشطر كلمة، أو على الهامش، فسوف يعدم ويفنى من على وجه الأرض، لأنه، وبكل بساطة، يعيش في ظل ( أنظمة علمانية).

أية علمانية لم تتدخل بالدين؟، حتى يطالبون الدين بان لا يتدخل بالسياسة؟.

حتى الذين يتبنون المنهج المعادي للدين، حاولوا امتطاء صهوة جواده من اجل إيجاد مواطئ قدم لهم في المجتمع العراقي، كما كان يفعل الشيوعيون طوال الستينيات والنصف الأول من السبعينيات من القرن الماضي، عندما كانوا يسيرون مواكب العزاء الحسيني أيام محرم الحرام في مدينة كربلاء المقدسة، للظهور بمظهر الولاء للإسلام وشعائره المقدسة.

بل إن اعتى الطغاة، وعلى مر التاريخ، كانوا يتلفعون بعباءة الدين، لأنهم يعرفون، أنهم إن أرادوا أن يضفوا الشرعية (وان كانت مزيفة) على أنظمتهم وسياساتهم، فلا يمكنهم ذلك، إلا بتركيب آيات القرآن الكريم، على عناوينها لتبدو مقبولة عند الناس.

لا أريد هنا أن أهون من المشكلة المزمنة القائمة بين الدين والعلمانية، ولكنني أريد أن أقول، بان فتح النار بهذه الصورة المتشنجة، على كل ما يمت إلى الدين بصلة، سوف يعقد المشكلة أكثر، لأنه سيستعدي حتى المتنورين من الإسلاميين، الذين تعاون معهم العلمانيون مدة طويلة من الزمن، قبل أن يسقط نظام الطاغية الذليل، كما أنهم سيستعدون، بهذه الطريقة، كل المتدينين، من المسلمين والمسيحيين وغيرهم، خاصة (رجال الدين)، وما أكثرهم، إذ كيف يجيز هؤلاء لأنفسهم، أن يحرموا كل هؤلاء من التدخل في السياسة، ويمنعونهم من التعاطي بالشأن العام، وكأنهم ليسوا مواطنين، أو أنهم مواطنون من الدرجة الثانية؟.

لنفكر، إذن، بطريقة ثانية، أكثر عقلانية واقرب إلى الواقع العراقي، لنصل إلى طريقة توافقية تمنع الصدام بين الدين والعلمانية، وبين (الدينيين) وبعض العلمانيين، طريقة تعايش بين الطرفين، حتى لا يطغى أحدهما على الآخر، فالتعميم في المواقف خطأ، كما أن التعميم في القياس، خطأ هو الآخر.

ليستعد الجميع إذن، لدراسة كل الأفكار والنظريات، من دون شروط مسبقة أو أحكام ومواقف استعدائية تاريخية، لأنهم جميعا أمام اختبار المصداقية، في كل الشعارات التي رفعوها طوال فترة العمل في حركة المعارضة أيام النضال السلبي.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية - الثلاثاء 3/2/2004 - 11/ ذي الحجة/1424