لازال العجز التجاري الأمريكي يهدد النمو
العالمي، والذي تتوقع مؤسسات اقتصادية أمريكية ارتفاعه إلى أكثر من 5%
من الناتج المحلي الإجمالي ويرى محللون اقتصاديون أمريكيون أن ارتفاع
العجز التجاري وانخفاض معدل الادخار سوف يدفع الإدارة الأمريكية إلى
زيادة معدل الاستدانة من الخارج، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن
إجمالي الديون الأمريكية تبلغ 4 تريلونات دولار أي حوالي 40% من الناتج
المحلي الإجمالي والذي يبلغ 10 تريليونات دولار وتوقع المحلل الاقتصادي
الأمريكي روبرت كتز ارتفاع حجم الديون الأمريكية مع ارتفاع مخصصات
الديون الأمريكية، مشيراً إلى زيادة الديون والعجز في الموازنة يضر
بالنمو الاقتصادي على المدى القصير.. وأضاف أن العديد من المؤسسات
الاقتصادية الأمريكية حذرت الإدارات الأمريكية طيلة العقدين الماضيين
من تجاهل قضية الديون والعجز في الموازنة وشدد على أن استمرار التراجع
في قيمة الدولار سوف يضر بالاقتصاد العالمي ولاسيما الدول التي تعتمد
اقتصادياتها على التصدير للسوق الأمريكي، فيما أشار المحلل الاقتصادي
الأمريكي هيرب شتين أن المشكلات الاقتصادية الأمريكية تنبع من ثلاث
أسباب لا علاقة لها بالعجز في الموازنة أو قيمة الدولار:
الأول: قيادة الولايات المتحدة للعالم دفعت
الزعماء الأمريكيين على التركيز على الجوانب السياسية كالحروب والسلام
وتبعية القضايا الاقتصادية للسياسة، وأوضح أن غالبية الدول ولاسيما
الاتحاد الأوربي تضع القضايا الاقتصادية في مقدمة أولوياتها، على عكس
الإدارات الأمريكية، مشيراً إلى أن إدارة بوش تعتبر أكثر الإدارات
اهتماماً بالسياسة، حيث تعطي الأولية على سبيل المثال للحصول على تأييد
الصين لموقفها من كوريا الشمالية في حين تغفل قضية اقتصادية هامة
كتقويم اليوان الصيني.
ثانياً: تغلغل الولايات المتحدة بوصفها راعية
لنظام التجارة الحرة وضع صادراتها في اتفاقيات التجارة الحرة التي
تبرمها مع الدول المختلفة، حيث تعطي واشنطن أولوية للعديد من الصناعات
والجوانب الاقتصادية الأخرى التي لها بعد سياسي في اتفاقية التجارة
الحرة مع الدول الأخرى مثل الملكية الفكرية لحماية إنتاجها السينمائي
والصلب لضمان أصوات العاملين بها في الانتخابات وتستفيد كندا والمكسيك
من الصادرات للسوق الأمريكية في إطار اتفاقية التجارة الحرة لدول
أمريكا الشمالية، نافتا بدرجة أكبر من الولايات المتحدة وتشير
الإحصائيات إلى أن معدل الاستثمارات الأمريكية المباشرة في كندا قد زاد
بنحو 80% بينما تضاعف المعدل في المكسيك وهو ما أدى إلى توفير المزيد
من فرص العمل بتلك الدولتين.
ثالثاً: يمثل العجز المتزايد في الميزان التجاري
السبب الثالث في المتاعب الاقتصادية الأمريكية وأوضح المحلل الاقتصادي
الأمريكي روبرت كتز أن العجز التجاري الأمريكي استمر في الارتفاع رغم
انخفاض العجز في الموازنة خلال التسعينات من القرن الماضي موضحاً أن
تراجع قيمة الدولار لم يسهم في انخفاض معدل العجز التجاري بنتيجة
الارتباط اليوان الصيني بالدولار.
وترك الأوربيين واليابانيين عملية تسعير
منتجاتهم لمتغيرات السوق ورغم تزايد المساعي الأمريكي لتحرير التجارة
العالمية وتدعيم عملية العولمة حذر خبراء اقتصاديون أمريكيون من أن
الاقتصاد الأمريكي سوف يتأثر سلباً بالعولمة والتي سوف تؤدي إلى تزايد
معدلات الطلب داخل السوق الأمريكية وبالتالي إلى تفاقم مشكلة العجز
التجاري الأمريكي مع العديد من الشركاء التجاريين كالصين والاتحاد
الأوربي واليابان وحتى في حالة تراجع قيمة الدولار وقال جيمس كوبر
المحلل الاقتصادي الأمريكي أن العولمة توفر فرصاً مواتية لتدعيم نمو
الاقتصاد الأمريكي إلا أنها في الوقت نفسه تمثل تحدياً قوياً للشركات
الأمريكية، وأشار إلى أن العولمة سوف تزيد من المنافسة الشرسة بين
الشركات الأمريكية والعالمية وتدفع تلك الشركات إلى تخفيض الأسعار بهدف
زيادة المبيعات خلال السنين المقبلة، وهو ما سوف يمثل ضعفاً على
الشركات الأمريكية لإعادة النظر في استراتيجيتها الإنتاجية والتسويقية
وقوانين العمل، فيما أشارت المحللة الاقتصادية الأمريكية كاثلين
ماديفان إلى أن العولمة سوف تدفع الشركات الأمريكية والعالمية إلى
تحسين كفايتها الإنتاجية والتسويقية وخفض تكاليف الإنتاج وأوضحت أن
معدلات الطلب داخل الولايات المتحدة ستزداد وسوف يتسبب في تزايد العجز
التجاري الحالي مع العديد من الشركاء التجاريين والذي ينعكس سلباً على
الاقتصاد الأمريكي. |