لا شك أن محاولة فرض قانوني حقيقي على أية قضية
فيها من العدل ما لا يمكن التصدي له لكن محاولة فرض قانوني يزحلق كل
التهم الثابتة على مجرم سياسي محترف مثل شخص صدام ويحاول إظهاره وكأنه
ضحية (من نوع خاص) فهذا ما يرفضه ويستنكره كل ذي ضمير حي. فعلى أي أساس
قانوني رغب رجال قانون أجانب وعرب غير عراقيين بتوريط أنفسهم في قضية
تخص العراقيين وحدهم؟!
تلتقي كل شرائع السماء المطلوب تطبيقها على
البشر وتؤيدها كل القوانين الوضعية بأن مبدأ (العين بالعين، والسن
بالسن) الذي دوّنه أيضاً ولأول مرة باني حضارة بلاد الرافدين (حمورابي)
قبل آلاف السنين إذ أدرج هذا المبدأ كبند أساسي ضمن قانونه العام وعلى
مسلته المعروفة باسمه – مسلة حمورابي – ومحكمة صدام التي ربما ستكون
متعبة على نفسيات الهيئة القضائية التي ستحاكمه ما لم تكن حاكميتها
محنكة في امتلاك القدرات القانونية والتحقيقية العالية والتي تعززها
معلومات سياسية غزيرة وذات مصداقية يستطاع منها وضع النقاط فوق وتحت
حروف مرافعات محكمة صدام التي ستكون إحدى عجائب عالم السياسة المعاصرة
إذا ما استطاع المحلفون على النجاح أن تضمحل أي حالة دفاع قانوني مموّه
يحاول منها المحامون المتورطون أن يحولوا المجرى القانوني الطبيعي في
المحكمة إلى وجهات أخرى تقيه على هيئة المحكمة وظيفتها القانونية وربما
خطتها القانونية.
لحد الآن.. لم يصدر أي تصريح عراقي مختص صادر عن
مجلس الحكم الانتقالي في العراق الذي يعتبر بمثابة هيئة سياسية تشرف
على إدارة البلاد بصورة مؤقتة ما يشير أن النية متجهة لوضع أي عقبات
أمام محكمة صدام بل على العكس من ذلك تماماً إذ تم التصريح لدى أكثر من
مسؤول عراقي أعربوا فيه عن أن الحق القانوني لصدام في موضوع الدفاع عن
نفسه ستتيحه المحكمة له بما في ذلك تلبية رغبته لجلب المحامي الذي
يعينه ويوافق عليه هو ذاته.. بما في ذلك حتى لو كان المحامي عربياً أو
أجنبياً إذ بامكانه استدعاء أي محامي ودون أي ضغط.
وبحسب اتفاق وقعه مجلس الحكم الآنف مع قوى
التحالف البريطانيين والأمريكان) في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني /
نوفمبر 2003م الماضي على تشكيل (جمعية وطنية انتقالية) قبل حلول تاريخ
نهاية أيار (مايو 2004 القادم تكون من أول مهامها القيام بانتخاب حكومة
عراقية وذلك خلال مدى لا تتعدى قبل نهاية حزيران / يونيو 2004 القادم
حيث سيتم حينئذ حل الحكومة المؤقتة وكذلك قوى التحالف الغربي بحسب ما
قاله عضو المجلس المذكور الدكتور موفق الربيعي والذي أضاف: (أنا اعتقد
انه على الأكثر ستتم المحاكمة بعد الأول من تموز/ يوليو 2004 وبالتالي
ليس قبل انتخاب حكومة عراقية الأمر الذي سيمنع أي تدخل أجنبي في سير
المحكمة).
والتوجه الشعبي العام في العراق مازال يأمل أن
يحاكم صدام أمام محكمة عراقية خاصة. وأن النية في ذلك فيها من ثوابت
الشرعية مالا يمكن الطعن بها، إذ ستأخذ المحكمة المعايير الدولية
القضائية بكل اعتبار وسيكون بمقدور مراقبين دوليين تكلفهم هيئة الأمم
المتحدة عبر منظماتها المعروفة العاملة في مجال حقوق الإنسان الإشراف
الآني من داخل قاعة المحكمة على مجريات المحاكمة أول بأول وهذا يعني
فعلاً أن صدام سيمتثل أمام محكمة عراقية ستكون علنية وعادلة. ومن ناحية
القانون الدولي فقد أشار المندوب الدائم للولايات المتحدة الأمريكية في
الهيئة الدولية (جون نيغروبونتي): (أن قضاة غير عراقيين يمكن أن
يشاركوا في محاكمة الرئيس السابق صدام..) لكنه استدرك وأكد: (أن هذا
القرار يعود إلى شعب العراق).
إن المتهم صدام المقرر امتثاله أمام المحكمة
العراقية التي ستتولى محاكمته سيواجه عدة تهم منها ارتكاب عمليات ابادة
وجرائم ضد الإنسانية وأخرى ضد البشرية إضافة لجرائم حرب وانتهاك قوانين
أخرى لا عد لها. ورغم أن قضية إثبات التهم التي ستوجه ضد صدام لا يشك
أي أحد متابع بصورة حيادية للشأن العراقي سوف تكون صعبة إذا ما توافرت
للمحكمة المستلزمات القانونية الجريئة إلا أن عدداً من المحامين
الأجانب والعرب قد أبدوا الاستعداد للدفاع الذي سموه بـ(القانوني) عن
صدام وهذا ما شكل صدمة لدى عموم العراقيين ومن يدري فربما تكون هناك
مبررات سرية تقف وراء تلك الاستعدادات فمثلاً أن (فلاديمير جيرينوفسكي)
المحامي الدولي قد قال في تصريحات لوكالة (انترفاكس) أنه: (يعتزم
مخاطبة أقارب الرئيس الشرعي المنتخب صدام حسين في أقرب وقت ممكن لمعرفة
رأيهم في توكيله كمحام للدفاع عنه كرئيس للعراق)، وبرر المحامي المذكور
قراره بأنه يعود إلى كونه يعرف الرئيس العراقي السابق منذ فترة طويلة
ويكن له تقديراً كبيراً علاوة على أن صدام حسين على حد قوله: (يحظى
باحترام كل الشعوب الإسلامية والعربية) وقال: (إن محاكمة صدام حسين ذات
طابع سياسي مما يجعله أفضل المرشحين للدفاع عنه) مؤكداً أنه على
استعداد للقيام بهذه المهمة بالمجان.. ومشيراً: (أن المحاكمة المقبلة
أمر يهمه كذلك على الصعيد الشخصي) ولو تم التمعن في حماس هذا المحامي
لمحاولته إنقاذ صدام بطريقة (قانونية) هي بالأساس (غير قانونية) وبحسب
ما أفادته الصحف الروسية هو أن جيرينوفسكي سبق له أن تقاضى من صدام
وبأمر منه الكثير من الهدايا الثمينة الشخصية والهبات المالية
والامتيازات النفطية (دون مقابل) خلال العشر سنوات الماضية) وهو ما
يمكن تفسيره أن يكون ذلك محاولة للتعويض عن تلك العطايا التي وهبها
صدام له على طريقة (وهبه الملك ما لا يملك) حيث تبين مثل هذه الأخبار
كم كان صدام يبذر من أموال الشعب العراقي لأجل استمرار حكمه للعراق ومد
عطاياه حتى إلى مرتزقة دوليين غير عرب!
فـ(جيرينوفسكي) ليس النموذج الوحيد للمحامين في
الساحة التي ترغب الدفاع عن صدام وما اقترفه من جرائم بحق شعبه وخيانة
بحق وطنه فمحامون من الأردن والسودان وموريتانيا والبحرين ومصر قد
أعربوا عن اتخاذهم خطوات عملية لإجراء التوكيلات القانونية للدفاع عن (صدام)
وأكبر تشكيلة من المحامين المنوّه عنهم هم المحامون في الأردن إذ بلغ
عدد المستعدين الذين تطوعوا للدفاع عن صدام المعتقل أكثر من (600)
محامي أردني وهو رقم خيالي يبدو أكثر مثاراً للاستفهام ورغم أن نزاعاً
داخلياً في الكلام مازال قائماً داخل أروقة اتحاد المحامين العرب بين
مدافعين عن صدام ومستنكرين له فإن سؤالاً واحداً يمكن إثارته بوجه كل
محام من بين هؤلاء المحامون: (أين هو تحقيق مبدأ العدالة للملايين من
ضحايا صدام ونظامه؟! مع التحيات للمحامي (جيرينوفسكي) المرتزق السابق
لصدام. |