تحاول جهات دولية عديدة عبر تصريحات متوالية
لعدد من الشخصيات السياسية والقانونية عدم مقاضاة صدام التكريتي على ما
ارتكبه ضد الشعب العراقي من مظالم اعتبرت في حكم الجرائم الكبرى وعلى
اعتبار أنه ليس الحاكم الوحيد في العالم الذي عادى شعبه وتلك هي أول
المفارقة المشبوهة.
منذ اعتقال صدام التكريتي بمنتصف شهر كانون
الأول (2003م) المنصرم تتوالى ردود الفعل بشكل مريب عن أعراب شخوص من
الغرب والشرق للدفاع عن هذا المجرم العتيد وفي أبشع صورة من صور تحدي
المشاعر الوطنية للشعب العراقي وفي أخس عملية ادعاء ضمنية تستكثر على
العراقيين في أن يكون لهم الحق ويقاضوا (وفقاً للقانون) حاكمهم السابق
الذي تلاعب بمقدرات العباد والبلاد طيلة فترة ناهزت الثلاث عقود تلقى
فيها العراقيون الويلات والكوارث بما لا يتحمله مجتمع آخر، حتى أوصل
الشعب العراقي الذي كان يعد من أرقى الشعوب الحضارية إلى مستويات مزرية
لأغلبية فيه بعد أن سلب من العراقيين مقومات عيشهم ومستلزمات حياتهم
الروحية والمصيرية.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية الدولة التي
تولت بصورة رئيسية مع بريطانيا قيادة العمليات العسكرية وأزاحت نظام
صدام المشبوه عن دست الحكم العراقي قال استطلاع للرأي أجري مؤخراً: (أن
شعبية بوش سجلت تقدماً بست نقاط بعد القبض على الرئيس العراقي السابق)
لكن مخاوف رسمية في العاصمة الأمريكية واشنطن قد كشفت من أن الرئيس
السابق صدام إذا ما قُدم إلى محاكمته قد يستدعي شخصيات غربية للشهادة
مثل (دونالد رامسفيلد) وزير الدفاع الأمريكي الحالي ويحرج دولاً غربية
كبرى خلال محاكمته والمقصود من تلك الدول بالذات هي أمريكا وبريطانيا!
إذ سيكشف صدام أسرار علاقته بهاتين الدولتين وبذاك فستتحول الرؤيا لدى
الرأي العام العالمي بوجه يشيح عن السياسات الجديدة للعولمة الغربية،
وإذ جاءت مثل هذه التوقعات المريبة على لسان (مايكل شارف) الذي يرأس
مكتب أبحاث جرائم الحرب في جامعة (كيس وسترن ريزيرف) في (بكليفلاند)
الذي أضاف مؤخراً بحسب ما نقلت ذلك بعض مواقع الانترنيت: (أن من المرجح
أن يلجأ صدام إلى نفس الاستراتيجية التي استخدمها الرئيس اليوغسلافي
السابق (سلوبودان ميلوسيفيتش) الذي استمرت محاكمته في لاهاي حتى الآن
لأكثر من سنتين) وقال شارف أيضاً الذي ألف كتاباً عن ميلوفيتش ونشر
حديثاً: (أن صدام قد يتولى الدفاع عن نفسه ويقضي سنوات وسنوات وهو يوجه
للشرق الأوسط عبارات إدانة قوية مناهضة للأمريكيين.. كما يمكنه أيضاً
أن يضمن تحول المحاكمة إلى إحراج كبير للولايات المتحدة وسيحاول
استدعاء شخصيات كبرى ممكن أن تكون كشهود بما فيه شخصيات مثل (دونالد
رامسفيلد) وكان رامسفيلد الذي يشغل الآن منصب وزير الدفاع الأمريكي قد
زار العراق قبل (20) سنة كممثل خاص للرئيس الأمريكي الأسبق (رونالد
ريجان) داعياً لروابط عسكرية وتجارية وثيقة بين واشنطن وبغداد استمرت
طوال الحرب العراقية – الإيرانية منذ سنة 1980 وحتى سنة 1988 والتي
اندلعت بعد سنة واحدة من قيام الثورة الإسلامية في إيران، وساعدت
واشنطن صدام وقدمت له المعدات العسكرية والمعلومات المخابراتية هذا
ومما جاء في توثيقات الخبر الآنف أيضاً بأنه: (ورد في وثيقة للمركز
الأمريكي لمكافحة الأمراض محفوظة الآن في سجلات مجلس الشيوخ الأمريكي
أن العراق حصل أيضاً من الولايات المتحدة على عناصر بيولوجية يمكن أن
تستخدم في الأسلحة) على اعتبار أن الولايات المتحدة كانت في ذلك الوقت
تؤيد العراق في حربه ضد إيران الخصم المعلن (إعلامياً) لواشنطن.
وأول ما يتوارد إلى الذهن السوي من جراء قراءة
مثيل هذا الخبر هو إن إثبات التهم على صدام الممكن أن توجه له وحده أو
لفريقه السياسي معه قد يكون أمراً صعباً وربما سينسف كل الجهود
القانونية العادلة المستهدفة لمحاكمة صدام إذ من العدل أن لا يكون
اصطفاف صدام السري في المواقف مع أي جهة غربية مدعاة للتبرير، خصوصاً
بعد أن صرح بوش الرئيس الأمريكي بما يقترب من معنى الوعد إذ قال بالنص
قبل أيام: (أني اعتقد بأن الرئيس العراقي المعتقل صدام يستحق العقوبة
القصوى) وهي عقوبة الإعدام، وما أضافه بوش أيضاً: (لكن إن القرار سيكون
للعراقيين).
أما في بريطانيا الدولة التي شاركت الولايات
المتحدة في الاحتلال العلني للعراق فقد ورد على لسان رئيس وزرائها (توني
بلير) بحسب تصريح حديث أدلى به في مقابلة مع القسم العربي لهيئة
الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) ولإذاعة القوات المسلحة البريطانية: (أنه
يدافع عن فكرة صدام حسين أمام محكمة عراقية) ومع أن التنسيق جارٍ بين
تصريحات المسؤولين الإنكليز والأمريكان لكن ما يبدو أن تصريحاً ضرب عرض
الحائظ ذلك التنسيق فقد صدر عن الجانب الأمريكي ما أبداه المدعي العام
الأمريكي السابق (رامسي كلارك) عن رغبته في تقديم المشورة القانوني إلى
الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الذي اعتقل مؤخراً. في حال طلب صدام
لذلك، كما شن (كلارك) هجوماً على كيفية تعامل الجيش الأمريكي مع عملية
اعتقاله المهينة) ومن المفاجئة في الجانب البريطاني أن (جوليان باجيني)
وهو فيلسوف بريطاني معاصر تناول بعض الأبعاد الأخلاقية لما سماه بهذه (المعضلة)
والذي يبدو في هذا الموقف أنه مغالياً في النفاق البرجماتي أكثر منه
مما يقوله (باجيني) عن المسألة الأخلاقية.
ومع أن مصير صدام يفترض أن لا تقرره إلا محكمة
عراقية فإن الدعوات الغربية المشبوهة التي تستهدف تفليت صدام ما تزال
مستمرة ففي الرسالة التي ألقاها يوحنا بولس الثاني (بابا) الفاتيكان
لمناسبة يوم السلام العالمي والتي جاءت بعد ثلاث أيام من اعتقال صدام
هاجم (البابا) الولايات المتحدة وحلفاءها لغزو العراق دون موافقة الأمم
المتحدة مشيراً إلى أن هذه الدول أذعنت لأغراء استخدام قانون القوة
بدلاً من قوة القانون) في حين صرح مسؤول كبير في الفاتيكان مضيفاً لهذه
العبارة التي تناست ضحايا شعب العراق الذين ذهبوا على يد صدام وجلاوزة
عصابته إذ قال: (أنه يشعر بالشفقة والرحمة تجاه الرئيس العراقي المخلوع
صدام حسين وانتقد الجيش الأمريكي لعرضه فيلم الفيديو عن اعتقال صدام)
هذا ومن المعلوم أن شخوص من دول غربية أخرى قد
صرحوا بما يصب في نفس المحاولة لإنقاذ صدام وكأنه ليس ذلك المجرم
الدولي المعروف... فقد جاء على موقع الانترنيت لمحطة (B.B.C)
البريطانية: (أن المحامي الإيطالي جيوفاني دي ستيفانو) المقيم بلندن
أعرب عن استعداده للدفاع عن الرئيس العراقي السابق صدام حسين معتبراً
أن ذلك سيكون – شرفاً له – ومما أوضحه المحامي المذكور على شبكة
الانترنيت (بي بي سي أون لاين) أنه: (بالمقابل كنت أعرف ابنيه قصي وعدي).
ويبدو من حيثيات كل التصريحات السلبية أنها ليست
أكثر من محاولات مشبوهة لمصالح حقبة لم تعرف حقيقتها بعد ولا تستهدف
أكثر من الاستعداد (للدفاع الذي لن يشرف أحداً) مادام يستهدف تفليت
المجرم الدولي صدام من العقاب القانوني والعادل الذي لا يرضى شعب
العراق بغيره. |