إن ما يخشى من تطبيق شعار (المصالحة الوطنية) في
العراق هو المساواة فيه بين الضحايا وجلاديهم.
اقترن رفع شعار المصالحة الوطنية في العراق أثر
إلقاء القبض على (صدام التكريتي) يوم 13 من شهر كانون الأول 2003م
الجاري بعد أن كان هذا الشعار في طي عدم الإثارة بهذه السعة الإعلامية
قبل ذلك وبالذات بعد سقوط نظام صدام في 9 نيسان 2003م الماضي.
وفكرة كيفية التعامل لتحديد مصير قاطبة أزلام
النظام الصادمي السابق الذين تم إلقاء القبض عليهم كانت مطلباً شعبياً
عراقياً ملحاً قبل إلقاء القبض على صدام وقد لوحظ أن ألحق بها شيء من
الفتور تزامناً مع رفع شعار ضرورة إجراء المصالحة الوطنية وهذا ما جعل
التفكير يتجه إلى الخشية من أن تكون هناك خطة خفية لتفليت الأمور إذ
وجد الرأي العام في العراق أن تأجيل محاسبة رموز النظام السابق قد شهد
تراجعاً أو تأجيلاً غير مبرر لإبقاء هؤلاء الرموز في السجون حتى هذا
الوقت وكأن شيئاً لم يكن خصوصاً بعد أن أشيع بحسب ما تناقلته الأخبار
الدولية من أن قوى التحالف الأنلكو – أمريكية قد أطلقت سراح بعض تلك
الرموز واستندت تلك الأخبار لتأكيد وقوع ذلك استشهاداً بقرار السماح
الذي أجاز لـ(محمد سعيد الصحاف) وزير الإعلام النظام المهزوم بالسفر
حراً مع عائلته على متن طائرة خاصة إلى دولة الإمارات العربية المجاورة
للعراق من جهة الجنوب.
وهذا التمايز بين إيداع وإبقاء أشخاص من النظام
السابق داخل السجون الخاصة التي تشرف عليها القوات الأنكلو أمريكية ممن
كن النظام الصدامي يعتمد على ولائهم وتنفيذ الأوامر الإجرامية بحق
الشعب العراقي وتم إطلاق سراح أشخاص آخرين لا يقلو ولاءً وتنفيذ عمليات
الإرهاب ضد العراقيين لم تجعل الثقة بمثل تلك الإجراءات في صالح وعود
قوى التحالف القائلة بالتأكيد لمحاسبة هؤلاء الأشخاص من أزلام النظام
الصدامي المهزوم.
أن من العدل أن يتم التعامل مع أعداء العراق من
منطلق قانوني عبر محكمة رائدها تطبيق القانوني الجنائي في العراق إذ
ليس من الإنصاف أن تكون (عجّة المصالحة الوطنية المزعومة) مناسبة لوضع
الضحية والجلاد في خانة واحدة ويطلب منهما المصالحة وبحسب تقديرات بعض
السياسيين إذا ما طبق على أساس ضرورات التسامح وطي صفحات الإجرام
الماضي لعصابة صدام الإرهابية فإن ذلك لا يزيل الخطر عن حياة المجتمع
العراقي بل على العكس من ذلك. وتجربة انقلاب 1963 الذي حدث بالعراق
والتسامح الضمني الذي اتبعه نظام حركة 8 تشرين الثاني من نفس السنة
1963م مع أزلام الانقلاب قد شجعهم للقيام باغتصاب السلطة ثانيةً في
انقلاب 1968 حيث ينبغي دراسة الواقع العراقي الجديد بكل مسؤولية عالية
لمن يهمه أن يعيش العراق حراً ومزدهراً وذلك بتقديم كل مسيء في نظام
صدام إلى محاكمة عادلة وإن كانت مثل هذه المهمة ليست سهلة خصوصاً وأن
أغلب الجرائم السياسية التي اقترفها النظام الصدامي ضد الشعب العراقي
كانت تتم بالسر واللاإعلان، فأزلام صدام إن لم يتوفر في أحدهم غير
الاتصاف بروح انقلابية في تركيبة شخصه فهو جاهز لإعادة ممارسة الجريمة
السياسية العشوائية مرة أخرى وبما لا يقبل الشك.
ومع الإيمان أنه لو تم الإقرار بتقديم كل مخالف
إلى المحكمة من حيث الاعتماد على إفادات المتضررين والشهود فإن أحداً
من أفراد الشعب العراقي سوف لن يلتجأ إلى المحكمة المختصة التي ستقوم
بهمة إجراء المرافعات (إلا ما ندر) وذلك تحسباً من التفكير عصابة صدام
وفريقه السياسي لكرسي الحكم مرة ثانية، ولدينا تجربة الوضع العام للناس
الذين كانوا عليه أثر انتصار حركة 8 تشرين الثاني على حكومة انقلاب 8
شباط في سنة 1963 حين اقتنع الناس المتضررين أو الشهود العيان أن
يقدموا أي شكوى ضد أفراد سلطة وأزلام انقلاب شباط الذين اعتدوا على
الأعراض والأرواح والممتلكات.
فإذا كان الخوف هو رائد أولئك القائلين
والمتقولين بضرورة إجراء (المصالحة الوطنية) بهدف إنقاذ أنفسهم من
الاحتمالات السلبية في المستقبل فعليهم أن يحتفظوا بآرائهم لأنفسهم لأن
المصالحة الوطنية التي ستكون يحتمل أن لا تكون (مصالحة لا وطنية حقة)
إذ ستدع على أكثر تقدير كل المجرمين يتمتعون بالحرية لعدم وجود من
يحاسبهم فعلاً مما سيخلق انطباعاً إن أي ظهور مجرم محتمل أو أي فريق
إجرامي محتمل سوف لن يكون هناك من يحاسبه على صعيد المستقبل.
وعلى أية حال فإن ما جرى ضد العراقيين من قبل
أعوان النظام الصدامي وفريقه السياسي الإرهابي ينبغي أن يكون بما يحقق
الاقتصاص القانوني من أولئك باعتبارهم خونة الشعب العراقي، ويمكن القول
أن النسبة العالية من العراقيين قد تحطموا بعد أن طالتهم الأيدي
الإجرامية القذرة لحكم صدام.
إن الدعوات العامة التي بدأ يتجرأ بها بعض
الخائفين من حسابات المستقبل ضدهم من قبل أزلام صدام وعصابته عليهم أن
لا يطالبوا في الإسراع بتحقيق تلك (المصالحة على أساس لا وطني) بل
عليهم (السكوت) ففي طرحهم هذا بصورة عشوائية سوف لن تجعل أحد يصفق لهم
أو يؤيدهم سوى أزلام النظام الصدامي ذاتهم.
أن من أصول أي مصالحة موضوعية أن تكون بين طرفين
متضررين وصدام وفريقه السياسي كانوا في صف المعتدين ضد شعبهم وهم الطرف
الضار في المعادلة السياسية الراهنة بالعراق والمجتمع العراقي هو الطرف
المتضرر بفداحات كبيرة فعلى ماذا تجري (المصالحة) المسماة منذ الآن
بـ(المصالحة الوطنية) إذ أن في إطلاق كلمة الوطنية على مثل هذا النوع
من المصالحة التي يتساوى فيها الظالم والمظلوم والقاتل والمقتول فيها
من التجني على وقائع العراق السياسية التي حدثت إبان حكم صدام وفريقه
السياسي الإجرامي الذي عاش أفراده في ترف ونهب إمكانات الدولة العراقية
الهائلة ما يمكن أن يفسرها بدعوة الإجراء مصالحة مشبوهة تستهدف إنقاذ
أكبر عدد من مجرمي النظام البائد ليكونوا احتياطاً ضد أي قوة حرة تريد
أن يعيش العراق ديمقراطياً ومزدهراً يضم فيه كل غيارى العراق بحياة
سلمية طيبة لا عنف ولا تجاوز. |