بفارغ من الصبر والتأمل ينتظر العراقيون قرب
صدور دستور بلادهم الدائم الذي سينظم بواسطة إدارة الشأن العراقي برمته
سواء فيما يخص الوضع الداخلي أو الخارجي.
فلأول مرة بعد أن حصل أهل العراق على حق استعادة
النفس إلى الصدور التي جثم عليها الحكم الصدامي الفاشي طيلة فترة ناهزت
الثلاث عقود أضحى من المبين تماماً أن لا غنى عن التعجيل بإصدار دستور
دائم للبلاد. ولكون الوضع بالعراق محاط بظروف استثنائية في غاية الدقة
فقد تقرر بعد التنسيق بين مجلس الحكم الانتقالي ببغداد والإدارة
البريطانية – الأمريكية الحاكمة العراق الآن عبر ممثلهما الحاكم المدني
الأمريكي (بول بريمر) على أن يسبق تشكيل حكومة عراقية قبل إصدار
الدستور الدائم للعراق.
ومعلوم أن الكلام عن الدستور وقانونيته من جهة
ومحتويات بنوده قد طال وتم إبداء العديد من الملاحظات والمقترحات على
مضامينه وما ستكون عليه ويعتبر الاعتراف الأولي لأركان الحكم في لندن
وواشنطن بأن منح السيادة للعراق مسألة مؤكدة مما يعتبر هذا عاملاً
مساعداً فعلاً لإصدار الدستور العراقي الدائم خلال عدة أشهر إذ تقرر
بصورة نهائية أن يكون شهر حزيران القادم 2004م مناسبة لذلك.
وطبيعي فعنصر المفاجأة لتغير الموعد الآنف
المقرر فيه إعلان دستور العراق أمر غير وارد إلا أن عملية تحديد البنود
التي سيوثقها الدستور يفضل أن تكون شاملة بحيث يجد أي مواطن عراقي بغض
النظر عن دينه الإسلامي أو المسيحي أو الصابئ أو قوميته كعربي أو كردي
أو تركماني ما يشير إلى حق مواطنته كمواطن عراقي من درجة نظيره مع بقية
المواطنين ودون أي فارق، هذا وتقول الأنباء الواردة من الداخل العراقي
أن مسودة الدستور ستطرح على الشعب العراقي بهدف الاستفتاء عليه ويكون
ذلك قبل تشكيل الحكومة الدائمة التي تعتمد على تحديدات لشروط بنوده وفي
ظل ظروف ديمقراطية حقيقية وبلا إرساء أي تدخل معاق لعملية الانتخاب.
ومعلوم أن العراق كان قد شهد إصدار دستور دائم
للبلاد سنة 1925م أثناء فترة العهد الملكي المنسق مع توجهات السياسات
البريطانية مما كان سبباً لإلغائه عند بداية العهد الجمهوري سنة 1958م
حيث صدر الدستور العراقي المؤقت والذي تم إلغاؤه كذلك من قبل فريق
انقلاب 8 شباط 1963م المشؤوم وهذا ما تقرر إلغاؤه أيضاً حين صدر دستور
مؤقت آخر سنة 1970م الذي أصدر الفريق السياسي المشبوه الذي استطاع من
الوصول إلى استلام دست السلطة سنة 1968 في ليلة ظلماء إلا أن نظام
البكر – صدام لم يبادر إلى إصدار دستور دائم للبلاد بسبب وقوفها على
رأس فريقهم المستهتر بالقوانين والأعراف والتقاليد بما في ذلك
برتوكولات ما ينبغي أن تكون عليه الدولة من امتلاك لمظاهر الشرعية وفقاً
لقانون على الأقل كي تبدو منه الدولة في وضع محترم أمام مجتمعها لكن
مثل هذه الأمور التقليدية على صعيد السياسة لم تكن ذات قيمة في ظل حكم
أغلبية مسؤولية منحدرون من حثالة المجتمع العراقي وممن تقرر زجهم في
أتون السياسة العراقية ليقودوا الشعب والوطن إلى كوارث ما بعدها من
كوارث، واليوم وحيث أن الأمل السياسي قد أصبح رصيداً قوياً عند غالبية
الشعب العراقي من كون حاضره ومستقبله سيكون سلمياً لا تعكر أجواؤه أي
عصابة تتخذ من السياسة مجالاً للنهب والجريمة والارتزاق غير المشروع
كما كان ذاك حالة الدولة الصدامية الإرهابية التي انتقمت من الشعب
العراقي لسوية أبنائه إذ كان أعضاء فريق الحكم الصدامي وأي بقي منهم
على قيد الحياة الآن يشعرون بشعور الدونية والنقص أمام بقية أبناء
المجتمع العراقي لذلك فقد حاول ذاك الفريق التخريبي أن يذل كل أبناء
العراق الشرفاء بألف طريقة وطريقة كي يرضوا بحكم عصابة صدام المرتزق
الأكبر من بين مرتزقته الصغار.
وبهذه الأيام حيث تجري الاتصالات الدائمة بين
مجلس الحكم المحلي وإدارة القوات الأنكلو – أمريكية، بغداد من أجل
تنفيذ ناجح لنقل السلطة إلى العراقيين المقدر أن لا تتجاوز شهر حزيران
القادم 2004م فإن شعوراً عظيماً وعاماً أخذ يسود في عموم المجتمع
العراقي كمدعاة للارتياح من أيام الإرهاب الصدامي الذي أساء عن سابق
عمد للشعب العراقي وسيادة البلاد وبصورة مفضوحة لذلك فلا غرابة أن ضمت
التشكيلة الوزارية التي أشرف على الإعلان عنها مجلس الحكم المحلي
الانتقالي قبل أشهر قليلة خلت عن وزارة خاصة بحقوق الإنسان سميت
بـ(وزارة حقوق الإنسان) التي من غاياتها الأساسية منع اتخاذ إجراءات
التجاوز على أي مواطن عراقي دون استحقاق قانوني.
إن الدستور العراقي الدائم قادم لا محالة وفي
أحد بنوده المقترحة أن يكون فيه نص تمنح فيه امتيازات دستورية أكثر
للشريحة الأكثر عدداً وتأسيس دولة القانون ودولة الديمقراطية في العراق
قادمة مما لا ريب فيه وهذا ما يتطلب من كل مواطني العراق بذل مزيد من
الجهد لتأييد كل ما هو إيجابي لصالح الشعب والوطن ومن أولوية ذلك دعم
كل الخطوات التي تعجل بإصدار الدستور الدائم للعراق الذي سيكون بمثابة
الشريان الذي سيحرك الأمور نحو مستقبل عراقي زاهر بإذن الله تبارك
وتعالى. |