يصعب على بحاثة التاريخ العراقي وربما غير
العراقي أن يجدوا مثيلاً من حيث نوع وكم الخطايا والجرائم التي اقترفها
النظام الصدامي المخلوع وبالذات ضد شعبه العراقي.
فتحت شعارات الدولة الصدامية سيق عشرات الآلاف
من الناس وزجوا في السجون أو تم اغتيالهم لأسباب بقيت حتى الآن مجهولة
الدوافع التي كانت تبتغيها السلطة إذ طال ظلمها الناس بصور بشعة يندى
لها جبين الإنسانية فشريحة السجناء كانت لا تخلوا من ألاف الأطفال
والنساء والشيوخ الذي كان النظام يقصد من إيداعهم سجونه الرهيبة للضغط
على الشعب بصورة عمومية حتى لا يرتفع صوت معارض له.
لقد غير النظام كل المفاهيم السياسية الحقة إلى
حالات عكسية ففي ظروف السلم كان كل من لم ينتمي إلى التنظيم السياسي
للحكم توضع عليه علامة أكس (×) على احتساب أن نسبة (99%) إن لم يكن
(100%) هو معاد للحكم وكانت مثل هذه الأطروحة العجيبة متداولة وتعتمد
على مقولة مفادها (ماذا يمنع شخص ما أن ينتمي إلى صفوف الحكم ويستفيد
مالاً وجاهاً لو لم يكن سياسياً مناوئاً في السر ضد الحكم أي أن نظرة
الدولة الصدامية كانت تقيس روح المواطنة عند كل مواطني العراق دون
استثناء على كونهم سياسيين سواء في حال انتمائهم إلى جانب السلطة أو
عدم انتمائهم لها وتلك كانت أكبر مفارقة تتم في بلد لم يكن شعبه
وإنسانه مهيأ أن تحكمه جهة بهذا المستوى الفكري السياسي الضحل.
لقد حاول العديد من السياسيين العراقيين
الحياديين أن يفهموا التوجهات الحقيقية للحكم ولكن ما فاتهم هو عدم
البحث في هويته الخفية المشبوهة وكان الوعيد من قبل قيادة الحكم
المتمثل بأوامر صدام اللاعادلة المتخذة عشوائياً ضد العديد من الناس
وتهديده الدائم لتنفيذ عمليات التصفية حتى لمن كان في صف حكمه أحياناً
يثير تساؤلات عديدة فمفهوم الوطنية بالعراق أصبح هو غير مفهوم الوطنية
في بلدان أخرى ومفهوم القومية له معنى آخر هو غير المعنى الذي يراه
الشعب العربي أما عن مفاهيم مثل الحرية والشهادة والاشتراكية، فلها
معان لم يفهمها أحد الآن بعد أن لمس العراقيون أن الحرية معناها عدم
السماح لأحد أن يتكلم أو ينتقد أي حالة سلبية في البلد لأن ذلك ينعكس
على توجهات وسمعة الدولة، أما مفهوم الشهادة فيعني فقط أن كل من يفارق
الحياة وهو في خدمة جرائم وسياسات الدولة الصدامية الهوجاء فهو شهيد
أما الناس من ضحايا النظام وخصوصاً النساء المخطوفات واللائي تم سلب
العفة منهن على أيدي أفراد عصابة النظام فهن قتيلات لأسباب كان الحكم
البائد ورئيسه صدام حريصان معاً على ستر ذلك الفعل الااخلاقي المقترف
ضد حرائر العراق بعمليات التصفية الجسدية خصوصاً إذا ما علم أن عشرات
الآلاف من الفتيات العراقيات مفقودات وقد ألقي القبض عليهن أو تم
اختطافهن في ظروف علنية وأحياناً غامضة.
لقد كان أكبر تهديد يواجه المجتمع العراقي هو
بقاء أو إبقاء نظام صدام في الحكم واليوم ما الذي يجري في العراق ومن
يا ترى هو المستفيد، إن أزلام صدام المغلولين مازالوا على خطى رئيسهم
الهارب صدام يوجهون عمليات إرهابهم ضد الشعب العراقي. ولقد لاحظ
العراقيون كيف كان صدام يدعوا المعارضة العراقية إلى التحالف مع نظامه
كلما حوصر بمطلب دولي في فترة الحصار وكيف كان يوالي إصدارات قرارات
العفو الزائفة في نفس الوقت.. لغرض الإيقاع بتلك المعارضات كلما سنحت
له فرص تدبير الحيل السياسية ضدها.
لقد كان (قبول الآخر) من المستحيلات في عالم
صدام السياسي وهو المربى على تصفية كل من هو ليس معه أو ضمن فريقه
السياسي الإرهابي، لقد كان البديل السياسي موضوعاً مرفوضاً في عرف صدام
وأزلامه بعد أن تعاملوا مع الشعب وقواه السياسية الأخرى كأعداء، وإذ
أصبح اليوم حكم صدام على مشارف أن يكون ذكرى مشؤومة من تاريخ العراق
فإن على العراقيين إقناع العالم عموماً والعرب خصوصاً بحقيقة النظام
الجرمية فلقد كان يوم 9 نيسان 2003م الماضي الذي انهزم فيه صدام
وأزلامه عن ساحات المواجهة في العراق يوماً للفرح عند أبناء شعب
العراق. وهذا الشعب في ظل الحكم العراقي الانتقالي اليوم – على الأقل –
أصبح في حل عن الركون لمظالم صدام وحكمه البغيض وتشير التقديرات
السياسية الواعية أن موضوع العمليات والتفجيرات الإرهابية التي يقوم
بها أزلام صدام ومرتزقته المستوردين إلى العراق أو المرسلين إليه ما هي
إلا مسالة وقت وتتم إنهاء مشكلتهم على أيدي الشعب العراقي ذاته المتضرر
من تواجد هؤلاء بصورة غير إنسانية على ارض العراق. حيث أن مشكلة
الإرهاب الصدامية الحالية لا بد وأن يعبرها الشعب إلى ضفة الأمان وليس
هناك حاجة لاستباق الأمور قبل أوانها القريب فالجريمة السياسية من قبل
حكومة جائرة أو فلولها ضد أي شعب لا يمكن أن تستمر وبالذات في عراق
اليوم الذي تجري فيه الآن عمليات تقصي لحقائق كل الإرهابيين الصداميين
الذين فشلوا من إقناع أي ذو ضمير حي بنظافة ارتداءهم لعباءة محاربة قوى
الاحتلال بعد أن انكشفت لعبهم بأن هدفهم الرئيسي هو إلحاق الضرر (قدر
المستطاع) بالشعب العراقي وليس بتلك القوى وهذا هو التحدي السري الآن
وأزلامه الذين لم يتعلموا غير إيكال العنف ضد الناس تحت حماية الدولة
الصدامية التي تحاول اليوم فتح كل أبواب العراق لتخريبه ووقف حركة
الحياة الإنسانية والحضارية فيه التي عرضها النظام الصدامي إلى المهالك
وجعلها دون حراك طيلة فترة ناهزت الثلاث عقود.
إن استعادة الكثير من الوعي عند الإنسان العراقي
بعد زوال نظام صدام أتاح وتتيح فرصاً مجددة من أجل تصدٍ أفضل لبقايا
وفلول صدام وشرور مرتزقته وحتى الهزيمة الأخيرة لهم بعد أن لعنهم
التاريخ والشعب العراقي بأكبر لعناتهما. |