ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

الخلافات المرجعية ... مقترح حل

نــــزار  حـيــــدر

ليس من مصلحة أحد في العراق، أن ننكر وجود الخلافات، وليس من المصلحة أن نسعى لترحيلها إلى أجل غير معلوم، أو الفرار منها، وذلك لسببين:

أولاً: ليس المشكلة في أصل الخلاف، وإنما في طريقة التعامل معه، فالخلاف سنة من سنن الله تعالى، كما في قوله عز وجل: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) فلا يمكن للبشر أن يلغي الخلاف أو يضع له حداً أبداً، لأن الحياة لا تتطور من دون الخلاف، كما أن الناس لا يمكن لهم أن يميزوا الأفضل والأحسن من كل شئ، من دونه .

ثانياً: إن من الخلاف ما إذا رحلته إلى أجل غير معلوم، ورفضت التعامل معه، أو حاولت التغاضي عنه وتجاهله، أو نفيه، فسوف يتطور إلى الأسوأ، ولذلك فإن من المهم جداً أن نعرف متى نتعامل مع الخلاف، وكيف؟ فلا يكفي أن تبذل جهدك لتشخيص الخلاف ونوعه فحسب، بل يلزم أن تختار التوقيت الأسلم للتعامل معه  بكل دقة، ليس قبل أوانه، ولا بعد فوات الأوان، حتى لا ينفجر قنبلة مدمرة، أو يتسع فتفلت الحلول من بين أيدينا، وأحيانا يستولي عليه المتربصون، فيفرضوا علينا من الحلول ما قد نعتقده خطرا يهدد الكيان بأكمله .

لقد ورث العراقيون خلافات كثيرة، سببها النظام الشمولي البائد، الذي سلبهم إرادة الحوار والنقاش والجدال بالتي هي أحسن، كما سلبهم فرص الحل في أجواء مفتوحة، صحية وهادئة، بعد أن فرض عليهم العمل السري والتفكير السري على كل المستويات، ولذلك تراكمت بعض الخلافات حتى تضخمت وتحولت إلى قنابل موقوتة، وتعقدت أخرى، كاد المعنيون أن لا يجدوا لها طريقا للحوار بالمنطق، لحلها.

إن محاولات نفي الخلاف، ورفض الحديث عنه، لا يحل المشاكل، ولا يلغيها، قد نهنأ لبعض الوقت ،إلا أن المشكلة تبقى تتربص بنا الدوائر لتنفجر بوجهنا لحظة يشاء الآخرون، وكل هذا ليس من مصلحة أحد أبدا .

هذا، فضلا عن أن الجميع يعرف جيدا حقيقة الخلافات وعمقها وأسبابها، فلماذا ننكرها؟ وعلى من نخفيها؟ والى متى نظل ندور حولها ولا نقتحم غمارها؟ إما خوفا أو تهربا؟ .

لماذا لا نتحلى بالشجاعة فنقتحم المناطق المحظورة ونتحدث بصوت مرتفع في مشاكلنا  وخلافاتنا وعن كل ما يمس الشأن العام من قريب أو بعيد، بحثاً عن الحلول المناسبة؟ .

قد نتصور أن التغطية على الخلاف وإخفائه عن أعين الناس، يزيدنا رصيداً عند الآخرين، أو ربما يزيدنا قدسية عند الأتباع، وهذا خطأ فاضح لا يرتكبه العقلاء عادة، بل على العكس، فان القدرة على تشخيص الخلاف وأسبابه، وتحديد الحلول المناسبة، والتحدث فيه إلى الناس، هو الذي يكبرنا في عيونهم،  لان إثبات الوجود والقدرة على الإدارة والنجاح بامتياز في القيادة، تحققه لنا شجاعتنا في الحديث عن الخلاف، وجرأتنا في تشخيص الحل وممارسته للوصول إلى نتائج أفضل، وليس في فن الإخفاء .

لقد ظلت ساحتنا الحزبية والاجتماعية تعيش ظاهرة الانشقاقات بدرجة امتياز، بالتزامن مع حديث القادة عن الوحدة ونفي الخلافات الداخلية، فماذا يعني ذلك؟، وإذا كانت العلاقات الداخلية سمن على عسل دائماً، كما يدعي المعنيون، فلماذا، يا ترى، أصبنا بهذا المرض العضال، الذي هدد صدقيتنا بالصميم، وأفقدنا تأييد الناس وإيمانهم بما نقول وندعي، وكفرهم بمشاريعنا، و... شخوصنا في أغلب الاحيان؟ .

ومن وحي التجربة، أود هنا أن أنقل تجربتي الشخصية مع الخلاف الكردي ـ الكردي، الذي تفجر معارك دامية بين فصائل التيار الكردي في التسعينيات خاصة، والذي كان لي وقتها شرف المساهمة في إنهائه، عندما ساهمت في لجنة فك الاشتباك مرة، وفي لجنة تبادل أسرى الفصائل المتقاتلة، مرة أخرى .

بدءاً، حاول زعماء الكرد إنكار وجود أي خلاف فيما بينهم، وكلما كان يتفجر معارك دامية، كانوا ينأون بأنفسهم عنها، ويلومون الآخرين، كما كانوا يسارعون للرد على وسائل الإعلام التي كانوا يتهمونها بالتعمد في تضخيم المشاكل والتقول والكذب، ولذلك كانت المعارك تتكرر بين الفرقاء من دون حل أو نتيجة .

ولم تنته تلك المعارك، إلا عندما صمم عقلاء القوم على الاعتراف أولا بوجود الخلاف وأسبابه الحقيقية، والسعي، من ثم، إلى الخوض فيه، بشفافية وواقعية،  لتحديده بدقة وعدم تجاهله أو الالتفاف عليه، ثم البدء بالتعامل معه كأمر واقع، والانتقال أخيرا، إلى البحث في الخطوات العملية لإنهائه أو على الأقل لتخفيف آثاره السلبية، من خلال وضع آليات للتعايش الايجابي مع كل خلاف قائم بين الفرقاء .

إنها تجربة تستحق أن نتوقف عندها، فهي تعلم كل ذي بصيرة كيف يتعامل مع الخلاف، من دون التوسل بمحاولات إنكاره أو التغطية عليه، أو ترحيله إلى أجل غير معلوم، أو الفرار منه، أو حتى التوسل بالكذب لخداع أنصاره ومريديه الذين تراهم في أكثر الأحيان، يعرفون عن خفايا الخلافات أكثر مما يعرفه المعنيون، وإذا رأيناهم يسكتون أو يتغابون بعض الوقت، أو لا يواجهون رؤساءهم بخلافاتهم ومخاطر الاسترسال معها، فلأنهم يحترمون ويقدرون الموقف، ولذلك يمنحونهم الفرصة تلو الفرصة بانتظار أن يبادروا إلى التحدث عنها بشفافية ومكاشفة صريحة، وبالتالي لحلها بالتي هي أحسن، قبل أن تنفجر بوجه الجميع، في الوقت الذي يكون فيه الخطيب العبقري مشغولا بالحديث عن الوحدة وأهميتها، متفلسفا بذكر مقوماتها ونماذجها التاريخية، باذلا كل جهوده اللغوية وبراعته الأدبية في نفي الخلاف والتهجم على من يقول به، وسب واتهام من يتحدث عنه ويخوض في أموره .

إذا حذرته من مخاطر الخلاف، والتهرب من الخوض فيه، أجابك بالقول، سحابة صيف عن قريب تقشع، وإذا انفجر ليصيب الناس في مقاتلهم، أجابك بقوله، اتسع الخرق على الراقع .

إنها بالتأكيد طريقة سيئة في التعامل مع عقول الناس، أليس كذلك ؟ إنه الاستخفاف بالعقل وبالإنسان خليفة الله في أرضه .

واحدة من الخلافات الموجودة اليوم في العراق، هي الخلافات بين المرجعيات الدينية، وأخص  بالذكر، الشيعية منها، وليس في ذلك ضير أو عيب لأن (اختلاف أمتي رحمة) كما ورد عن رسول الله (ص)، ولولاه لما تمكنت المرجعية الدينية الشيعية أن تحافظ على قوتها الذاتية بالرغم من قساوة الضربات التي تلقتها من النظام الشمولي البائد، إنها الاجتهاد بعينه الذي حافظ على العطاء المتواصل للمرجعية، إنما العيب كل العيب، عندما تحاول هذه المرجعيات أو بطانتها، التستر على الخلاف، وعدم الحديث عنه ، أو فيه، والفرار منه، بانتظار أن ينفجر، وتصوير العلاقة فيما بينها وكأنها في شهر عسل طوال أيام السنة، وهي التي لم تلتق لتتحدث في شؤونها وقضايا الأمة، إلا صدفة، عندما يجمعهم مجلس فاتحة مثلاً، وهذا ما يقلل من شأنها عند الناس، خاصة عندما تتفجر بعض خلافاتها على شكل صدام مسلح أو فتوى دينية أو ما أشبه، فترى الناس حيارى لا يعرفون  من يصدقون، أحديث النفي؟ أم منظر الدم المسفوك ظلما وعدوانا؟ .

إلى متى تريد المرجعيات أن تتلفع بالسكوت عن خلافاتها، وتستمر في القطيعة فيما بينها إلا بمقدار المجاملة، ولا تبادر للبحث بصورة جدية وحاسمة، في آلية للاجتماع واللقاء والتشاور، من أجل إيجاد آليات حقيقية أكثر واقعية للتعامل مع خلافاتها ؟ .

أليس من الأسلم للمرجعية الدينية ولمقلديها وأنصارها، ومن مصلحة الدين وأهله، أن يجري الحديث عن هذا النوع من الخلافات، وبصوت مرتفع، وترك أسلوب التغطية والإنكار والتعمية، فإلى متى؟ وثم ماذا ؟، هل يريدون أن ينتظر الناس حتى تتفجر هذه الخلافات فتاوى دينية تحلل ذبح الآخر وقتل الخصم ؟ .

أقولها، وبصراحة، فلقد عانت الأمة كثيرا من الخلافات المرجعية، وعلى مر التاريخ، بسبب رفض المرجعية التداول في شؤون خلافاتها بروح رياضية وبشفافية وبصراحة، من دون خوف أو وجل، والفرار منها في كل مرة، لتقع في الأخطر منها والأسوأ، وتقاعسها في إيجاد الوسائل المناسبة للتعامل أو التعايش معها، ولذلك تضخمت في كل مرة، ولم تنته إلا بأسوأ وأقبح النتائج، وبضحايا كثيرون، بين قتلى ومرتدين عن الدين أو عن التقليد .

والمشكلة، هي أن الخلاف المرجعي اخطر من أي خلاف آخر، لأنه يتلفع بالدين ويمارس باسم الله وباسم رسوله، ولذلك فان الاسترسال معه، ومحاولة تجاوزه بالموقف السلبي، أو السعي لإنكاره، وترحيله وتركه حتى يتسع ويتضخم، أمر خطير، لا اعتقد أن الله تعالى يقبل به أبدا .

والغريب في الأمر، والظريف في آن واحد، هو أننا مستعدون للحديث عن الخلافات التاريخية والماضية على مدار الساعة، ولكننا نهرب من الخوض في خلافاتنا الحاضرة حتى لحظة واحدة، إلا اللهم عن طريق الفتوى وعبر وسائل الإعلام، لماذا؟ أليس ذلك هو التهرب من المسؤولية والواقع والحقيقة بعينه ؟ .

يلزم أن لا نتعامل مع الخلاف كتهمة فنخطط للهرب منها، بل يلزم أن نتعامل معه كطبيعة بشرية وكحالة صحية ما لم يطفح كيله ويتحول إلى مشكلة أو صراع، وذلك يتطلب منا أن نلغي صفة القدسية عن كل البشر، مرجعا كان أم مقلداً حتى  نمارس حقنا في الحوار والسؤال والاستفسار و... المساءلة، كما يجب أن نتذكر  دائماً حقيقة لا يجوز أن نغفل عنها، وهي أن كل خلاف اليوم، هو خلاف سياسي في حقيقة أمره وليس دينيا صرفا، إذ لا علاقة بالدين في جل هذا النوع من الخلافات، وإنما تحكمها المصالح، التي عادة ما تكون هي السبب وهي المنطلق والمعتمد، وان حاول المتورطون فيه تلبيسه زي الدين أو إضفاء طابع القدسية عليه .

إذا أخذنا بنظر الاعتبار هذه البديهيات الثلاث بنظر الاعتبار، فسنبدأ بالتفكير والتعامل مع أي خلاف ومنه المرجعي بشكل سليم وبطريقة صحيحة وطبيعية.

إن من المشاكل ما لا يمكن حلها بسياسة تبويس اللحى، وان منها ما يحتاج إلى شجاعة كافية لمواجهة الواقع، لحلها، أو على الأقل للتعايش معها بما يحافظ على ضبطها في إطارها، فلقد حاول مثلا حزب الله وحركة أمل في لبنان في الثمانينيات من القرن الماضي، أن تجربا مثل هذه الحلول ففشلتا فشلا ذريعا، عندما حاولتا تجاهل خلافاتهما، الحقيقية والواقعية، فتطورت إلى  درجة أنها تفجرت صراعا دمويا مؤلما ومخجلا في نفس الوقت، راح ضحيته المواطن اللبناني الذي كان يقتل بصواريخ وقذائف احد الطرفين خطأ في أغلب الأحيان، عندما كان يطلق مرتزقة الطرفين صواريخهم بشكل عشوائي، ومن دون تحديد الهدف، الغائب في الأصل .

وكلنا يتذكر محاولات توسط الإيرانيين وقتها، لحل خلافات الطرفين بالمخادعة، من دون المس بأصل أسباب الخلاف، ولذلك كانت تتفجر اقتتالا دمويا بعيد كل اجتماع مصالحة يعقده الوسيط الإيراني بحضور مندوبي الطرفين،حتى قبل أن يستقل طائرته، أو وهو في الجو، عائدا إلى طهران، ليؤمر بالعودة ثانية من حيث أتى ليعيد الكرة مرة ثانية وثالثة، وهكذا دواليك من دون نتيجة ملموسة.

 ولا زالت ذاكرتي تحتفظ بصورة تلك العائلة اللبنانية المسكينة التي أصيبت بصاروخ أطلقه حزب الله على منزلها في الضاحية الجنوبية فقتل جميع أفرادها السبعة، وأتذكر جيدا أن العنصر الحزبي لم ينس وقتها أن يصرخ بشعار ـ يا مهدي ـ قبل أن يضغط على زناد القاذفة، ربما ليتقرب أكثر إلى الله زلفى في قتل الأبرياء .

لقد آن الأوان لنتحدث عن كل خلافاتنا وبصوت مرتفع وبروح المسؤولية والحرص وبوعي واقعي بعيدا عن الفلسفة والتنظير، لان الظرف الذي يمر به العراق اليوم، يتطلب منا جميعا أن نتصرف ونتحدث بحكمة وعقلانية ونتعامل بمسؤولية مع الواقع، وعدم بذل الجهد لتجاوزه أو إنكاره بأي شكل من الأشكال، فالمراوغة لا تجدي نفعا، وان التستر على الخلاف لا يفيد إلا أعداء العراق، وان التعامل معه كما تتعامل النعامة مع الخطر الذي يداهمها لا يلغيه أو يطرد شبحه المخيف والمرعب أبدا .

 وان المرجعية تتحمل المسؤولية الأكبر من بين الجميع، لأنها تصدت لأخطر المسؤوليات وتبوأت أعظم المواقع، يلزمها أن تثبت جدارتها وقدرتها وكفاءتها لما تصدت إليه، فلا يجوز لها أن تتهاون في حل خلافاتها أو ترحيلها، ما يعني بشكل أو بآخر التهرب منها وتأجيل المشكلة وليس حلها، ربما إلى وقت سوف لا تجد فيه الفرصة مناسبة للتعامل معها .

 وبهذا الشأن بالذات، أود أن أقدم المقترح التالي كآلية أراها مناسبة لاستيعاب الخلافات المرجعية من جانب، ولتفعيل انسجام وتفاعل ودور المرجعية الدينية من جانب آخر، وذلك من خلال تشكيل ما كان يطلق عليه المجدد الثاني الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي ـ قدس سره ـ اسم، مجلس شورى الفقهاء، كمرجع أعلى لإدارة شؤون المرجعية، يمكن من خلاله استيعاب الخلافات وصهرها، وصولا إلى حلها بالتي هي أحسن .

إن إستفراد أية مرجعية بشؤون الأمة يعرض الاثنين للخطر، كما أن الاستحواذ والاستبداد بالرأي، هو الآخر يعرض الجميع للخطر، إذ لا أحد بإمكانه أن يدعي إمتلاك الحقيقة أو الشرعية أو الحق والحقيقة بالمطلق، ولا أحد بإمكانه الادعاء بأنه يمتلك كل الشارع ورأيه وناصيته، والذي ينقسم في الموقف والولاء،كما هو معروف، بشكل لا يقبل الجدل .

 أعتقد أن من المناسب الآن أن تبادر المرجعية الدينية إلى تشكيل وتأسيس، مجلس شورى الفقهاء، يكون المرجع الأعلى للقضايا الاستراتيجية والحساسة والمصيرية، خاصة تلك المختلف عليها والتي تخص الشأن العام، وأقترح هنا تشكيل المجلس، بادئ ذي بدء، من المرجعيات الدينية التالية، وهي ؛

 السيد علي السيستاني

السيد صادق الشيرازي

 السيد محمد سعيد الحكيم

السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر

على أن يسعى المجلس، لاستيعاب بقية المرجعيات الدينية، الشيعية منها والسنية، في وقت لاحق، مع تأجيل ضم المرجعيات الحزبية الصغيرة إلى هذا المجلس، لكونها تتمحور حول نفسها وذاتها وأحزابها، أكثر من تمحورها حول العراق، كقضية وكشعب .

 إن  المقترح ينطلق من الحقائق الواقعية التالية:

أولاً: لما تتمتع به هذه المرجعيات من استقلالية في التفكير والقرار، فقد عرف عنها، عدم خضوعها للهيمنة والإشراف من أي طرف أو قوة أو جهة، داخلية كانت أم خارجية، ما يمكنها من أداء دورها بشكل صحيح .

 كذلك، ما تتمتع به من علم وتواضع وحكمة واعتدال وسعة صدر وحرص على الصالح العام وروح وطنية تؤمن وتميل إلى التعددية والشورى واحترام الرأي الآخر .

 ثانياً: إن كل واحدة من هذه المرجعيات يمثل تيارا مهما في الأمة، لا يمكن تجاوزه، ولذلك، فان ضم المجلس لهذه المرجعيات الأربع، سيستوعب الأغلبية الساحقة من الساحة، بتياراتها المستقلة إلى جانب ما تمثله من توجهات سياسية وفكرية واجتماعية واسعة .

 ثالثاً: لا يأخذ الاقتراح بنظر الاعتبار حجم التقليد الذي تتمتع به كل مرجعية فحسب، لان الدور المطلوب من المرجعية الدينية اليوم، لا ينحصر في فتاوى التقليد، وإنما يتسع ليشمل مساحة كل القضايا وعلى مختلف الأصعدة، ما يعني قدرة كل واحدة من هذه المرجعيات، على الإدلاء برأيها في كل قضية قابلة للنقاش والبحث، قبل اتخاذ أحسن المواقف والقرارات وأسلمها، من خلال توظيف التجربة والخبرة والدراية والحنكة السياسية التي تمتلكها وتتمتع بها كل واحدة من هذه المرجعيات الأربع .

إنه يأخذ بنظر الاعتبار ما تمثل كل مرجعية من واقع اجتماعي وسياسي في الساحة، وبما تمثل من تيار فكري وثقافي في العراق، يمكن أن تكون باجتماعها إلى بعضها، مرجعا فريدا من نوعه في الساحة، يكمل بعضها ما يفتقر إليه البعض الآخر، فإذا كان بين اثنين منهما خلافا أو اختلافا مستعصيا،فيمكن لثالثتهما أن تكون بيضة ألقبان لحلها .

 بعبارة أخرى، فان لكل من هذه المرجعيات الأربع، خصوصية تساعد في تكامل المشروع، تفتقر إليها الأخرى، وبذلك نكون قد ضمنا تحقيق الحد الأدنى من تكاملية المشروع، والذي سيوفر بهذه الحالة، عقلانية وتوازنا في العلاقة، لا يمكن بدونها نجاح أي مشروع يستهدف التوحيد والجمع والتنسيق والتشاور وأخيرا، البحث في الخلاف .

رابعاً: بالنسبة إلى المرجعية الرابعة، التي غيبت عن الساحة باغتيال رمزها الشهيد الصدر الثاني عام 1999، اقترح أن يمثلها في المجلس، آية الله الشيخ محمد اليعقوبي، المعروف عنه بقربه من الشهيد الصدر الثاني أيام حياته الشريفة، فقد كان من حوارييه الذين يعتمد عليهم ويثق بهم، فضلا عن كونه يتمتع بالكفاءة العلمية والفقهية التي تشهد له بذلك الحوزة العلمية وعلماءها وفقهاءها في النجف الاشرف،  بالإضافة إلى ما يتميز به من أخلاق فاضلة وحكمة نادرة وبيانا واضحا وعلاقات حسنة مع مختلف الأطراف المؤثرة، سواء في صفوف الحوزة العلمية، أو في الساحة السياسية .

كذلك، فانه يتمتع بعلاقات طيبة مع السيد مقتدى الصدر المتصدي حاليا لقيادة ارث والده، الشهيد الصدر الثاني، الذي يطلق عليه اسم ـ تيار الصدر الثاني ـ والذي كان قد زار الشيخ في منزله بعيد سقوط نظام الطاغية المعزول صدام حسين، يستجيزه في التصرف بأموال الحقوق التي تركها والده بعد استشهاده، كما زاره قبل أيام لاستشارته في قضايا أخرى تهم العمل الإسلامي في العراق .

 إن ذلك وغيره الكثير، يؤهل الشيخ اليعقوبي ـ بنظري ـ إلى أن يشارك في المشروع المقترح كممثل لمرجعية الشهيد الصدر الثاني، والتي تتمتع، كما هو معروف، بحضور واسع ومؤثر في الساحة العراقية .

أتمنى على المرجعيات، ومن يهمه الأمر والمعنيين كافة، أن يدرسوا هذا المقترح بأقرب فرصة ممكنة، للأخذ به بعد تطويره، من دون تشنج أو أحكام مسبقة أو مواقف تاريخية سلبية، أو اعتزاز بالنفس، أو غرور أو تكبر، وذلك قبل فوات الأوان، فالعراقيون، المشدودة عيونهم صوب المرجعية الدينية، مقبلون على تطورات معقدة، تستدعي من المرجعية الدينية على وجه الخصوص، التعاون على حمل الأمانة والمسؤولية، من خلال الاتفاق على الحد الأدنى في الرأي والموقف، عبر التزاور والتشاور والانسجام واجتماع عقولها وإمكانياتها وخبراتها إلى بعضها، ليأتي أداءها في الساحة الأول والأفضل والأحسن دائما، لان ـ من شاور الرجال، شاركها عقولها ـ كما يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ الذي يقول كذلك ـ من استبد برأيه هلك ـ .

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية - السبت 29/11/2003 - 5/ شوال/1424