مع تقدم حافلة العمر ومجيء الشيخوخة وبدء مراحل
استنزاف الجسد التي تنال من القدرات الفيزيولوجية، يشعر المرء بقلق
حيال المستقبل فيقع فريسة الوهن والأمراض بانتظار الموت.
والمجتمعات الغربية كانت تشعر بوطأة المسنين
فتاقت للتحرر من عبء هذه المسؤولية الكبيرة إذ أصبح وجودهم معضلة قوية
للأجيال الشابة، فزادت ظاهرة التخلي عن الأهل والانسحاب من حياتهم
وانتشرت دور العجزة لرعايتهم وتأمين احتياجاتهم الضرورية، والاعتناء
بصحتهم، وشهدت السنوات الأخيرة تحولاً كبيراً في حياة المسن، فأصبح
صاحب حظوة يتمتع بتقدير الأجيال الشابة، وتخصص له برامج تلفزيونية
ومجلات خاصة تحمل في طياتها كل ما يتعلق بتحسين صحته وتأمين الحيوية
الجسدية والفكرية له، وشيدت له مؤسسات الدولة النوادي، وجعلته يشعر
بفاعليته عبر إسناد بعض المهمات الإنسانية إليه لخدمة المجتمع، وخصصت
له محال لبيع الملابس، إضافة إلى المقاهي والحمامات والمنتزهات
والمكتبات المجانية، لينعم بحياة أكثر استقراراً، صحيح أن كبير السن
يضعف فيه بعض الرغبات وتقل فيه الحركة والنشاط الجسمي لكن عقله ينشط
والشائع بين العامة أن الذهن يخبو مع العمر، لكن العلم يثبت عدم صحة
ذلك.
لا يستطيع العلماء التنبؤ بما يفعله الدهر في
الدماغ لكن الدراسات تثبت أن مسابقات بين الشيب (92) عاماً والشبان
(25) عاماً أظهرت أن ثلث الكبار يتساوون والصغار وأن بعض من عمرهم بين
(80 و 90) فاق الجميع في التحديات الفكرية.
حتى الكبار الذين كانوا في أدنى المستويات لم
يعانوا نقصاً يعيقهم في أعمالهم اليومية، تثبت الدراسات أن التوقد
الذهني يبقى قوياً في كبار حظوا بتعليم عال وبنمط غني الإثارة ومعقد في
الحياة وبالزواج من رفيق أو رفيقة ذكية، أما المتشبثون برتابة حياتهم
وغير المنشرحين بمنجزاتهم فيعانون درجة كبيرة من فقدانه.
غير صحيح أن الكبير لا يتعلم، إن قدراته مذهلة
إذا ما أشرف على تعليمه خبير. وتدل التجارب أنه حتى الشيوخ الطاعنين في
السن الذين فقدوا التوقد الذهني لأربعة عشر عاماً استطاعوا التعلم وحفظ
ما تعلموه لسنين طويلة. فمن الثابت أن الدماغ يعوض عما يخسره فإذا ضعفت
خلية قامت جارتها بالعمل نفسه وإن كان السير أبطأ.
دماغ كبير مرن قابل للتغير وتحمل المسؤوليات
الجديدة والإنجاز البديع، من هذه القدرة يحاول الخبراء تقوية ملكات
أخرى كالتحليل والتقويم والربط والاستنتاج ليبقى الشيخ أبداً.. شاباً.
والتقاليد الشرقية على أنواعها احترمت الكبير
وخصوصاً الدين الإسلامي فهناك الآيات والروايات الكثيرة والمواعظ
والحكم والقصص لاحترام الكبير منها قوله تعالى: (ووصينا الإنسان
بوالديه إحساناً) وعن الإمام علي (ع): (أرحم من أهلك الصغير ووقر
الكبير..)
وتدل دراسات من هارفارد أنه في الشرق يتمتع
الكبير بتوقد ذهني لا يحظى به الغربي المهمل في بيوت المسنين.
والتجارب أيضاً تثبت أن الحكمة للكبار فحين
يُسأل الكبير عن معضلة يكون جوابه أفضل من جواب الصغير، لربما الصغير
أسرع في كثير من الأمور لكن الفوز بالسبق في النهاية للكبير لتجاربه في
الحياة وخبرته لذا يقول سيد الحكماء الإمام علي (عليه السلام) (رأى
الشيخ أحب إلي من جَلَدِ الغلام)
وتقدم المجتمع بعقل وخبرات الكبار مع طاقات
الشباب وجهودهم. |