من مساوئ الزمن أن العراق وطناً وشعباً هما
مستهدفان منذ قدم الأزمنة وبالذات منذ سقوط بغداد على يد المغول الذين
أنهوا مرحلة العهد العباسي وحتى يومنا هذا ولكن المفارقة تبدو أكثر
بؤساً حين يعرف العراقيون أن من ألد أعداؤهم في الساعة الراهنة هم فلول
النظام الصدامي الذي تهاوت أركان قوته بالكامل في نيسان 2003م الماضي
الذين ينفذون اليوم أكبر مخطط للعمليات الإرهابية ضد الشعب العراقي
ومصالحه الحقيقية.
إن اسم العراق موضوع على قائمة البلدان
والجماعات الطامعة فيه التي تقول أن هذا البلد بحاجة إلى من يحكمه
بالنار والحديد في محاولة لتشجيع استمرار تنفيذ كل الخطط المسيئة لحق
عيش العراقيين معززين مكّرمين في بلادهم، واليوم تبرز عصابات صدام في
أكثر من ساحة داخل العراق لتعني باقتراف عمليات التفجيرات الإرهابية
على أن الشعب العراقي لا يستحق أن يعيش بسلام والغريب أن مثل هذه
النظرة غير الطبيعية تقع ضمن مبادئ وانتهاجات عدد من الجهات الخارجية
والداخلية أيضاً ومن بينها من يحلو له الادعاء بأنهم أصدقاء العراق وهم
ألد الخصام للعراق إلا أن الخطورة الأكثر مضاءً تكمن لدى المعارضات
العراقية الهشة التي مازلت تنتظر معجزة جديدة بعد سقوط الحكم الصدامي
في نيسان الماضي 2003م كي تساهم في عمليات المواجهة المضادة للإرهابيين
الصداميين.
إن المرحلة السياسية في العراق اليوم فيها تقاطع
الخطوط ما ينبغي الوعي للعديد من التوقعات السياسية التي قد لا تخطر
على بال حتى المعارضة العراقية الجادة.
فالأحداث داخل العراق تتسارع بخط بياني ليس في
صالح حكومة مجلس الحكم الانتقالي، فإذا ما أمكن القول أن أغلب تنظيمات
المعارضة العراقية المعلنة الآن بما فيها بعض التنظيمات المؤتلفة مع
الوضع السياسي الجديد المفروض على العراق هي تنظيمات هامشية ولا يرتجى
منها ما يمكن أن يبشر بخير وهوية بعضها ما يشير فعلاً إلى أنها لم تكن
واقعاً في صف فاعل ضد النظام البائد، ولدرجة أن آخر تصريح للإدارة
الأمريكية التي تسيطر بقواتها مع القوات العسكرية البريطانية على
المقاليد الفعلية للحكم الحالي في العراق كما جاء ذلك على لسان مسؤول
أمريكي كبير لم يكشف النقاب عن اسمه حيث أعلن: (أن القلق المتزايد الذي
يشعر به الأمريكيون من فشل مجلس الحكم العراقي في اتخاذ الإجراءات
الضرورية الحاسمة جعل إدارة الرئيس جورج بوش تفكر في بدائل للمجلس..
بعد أن بلغ الأحباط لدى المسؤولين الأمريكين تجاه المجلس الذي وافقوا
على اختيار أعضاؤه بأنفسهم) ومما جاء على لسان المسؤول الأمريكي
المذكور أيضاً: (لسنا راضين عن أي منهم فهم لا يتصرفون كهيئة تشريعية
أو حكومية ونحن في أمسى الحاجة للتحرك إلى الإمام أنهم ببساطة لا
يتخذون القرارات التي ينبغي اتخاذها) ومما قاله المسؤول الأمريكي كذلك
حين صرح بعبارة ترقى إلى مستوى التهمة وربما الإدانة حيث قال بالنص: (أن
الوقت الذي يقضيه بعض أعضاء المجلس في خدمة مصالحهم الخاصة الاقتصادية
والسياسية أكثر بكثير من الوقت الذي يقضونه في التخطيط لمستقبل العراق،
وخاصة فيما يتعلق باختيار لجنة لصياغة الدستور الجديد).
هذا وأشار نبأ عاجل أن السفير الأمريكي روبرت
بلاكويل العضو الجديد في مجلس الأمن القومي الأمريكي والمشرف على عملية
الانتقال العراقية سيقوم بزيارة غير معلنة نهاية الأسبوع الحالي إلى
العراق ويلتقي هناك بالقادة السياسيين العراقيين لإبلاغهم بالتوجه
الجديد كما سيناقش (بلاكويل) مع بول برايمر الحاكم المدني للعراق
الخيارات المتاحة للولايات المتحدة في العراق.
هذا وفي تصريح استكمالي صادر عن مسؤولين
أمريكيين وفرنسيين أدلوا به قبل ساعات: (أن الولايات المتحدة الأمريكية
أخذت تفكر في اقتراح فرنسي كانت قد رفضته من قبل يرمي إلى إنشاء قيادة
عراقية مؤقتة على غرار ما حدث في أفغانستان) أي باختيار حكومة مؤقتة
تكون حاصلة على حقوق السيادة وصلاحياتها.
وهكذا فإن قوى تحالف قوى الاحتلال الأنكلو –
أمريكية بدأت تفكر بأن ما طرحه مجلس الحكم الانتقالي أكثر من مرة عليها
لمنحه الصلاحيات الكافية من أجل الشروع الفوري والعملي للتحرك لإنجاز
مهمة ملاحقة العناصر الصدامية المشبوهة على اعتبار أن ذلك أيسر على
العراقيين من الإنكليز والأمريكان للتعرف على خونة الشعب العراقي من
تلك العناصر الإرهابية والمطعمة بعناصر عروبية مزيفة دخلت العراق لتقتل
وترهب العراقيين الأبرياء بحيث أنها لا تفرق بين العسكر (أمريكي –
وإنكليزي) تدعي تلك العناصر أنهم المستهدفين لديها وبين العراقيين من
النساء والأطفال والمواطنين العاديين والمارة في الشوارع.
وتأتي الأفكار والتحليلات الآنفة متزامنة ما دعا
إليه السناتور الأمريكي جون كيري المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية
مؤخراً من: (أنه يتعين على الرئيس الأمريكي جورج بوش ونائبه ديك تشيني
أن يعتذرا عن تضليلهما للشعب الأمريكي فيما يتعلق بالحرب على العراق)
ووصف قوات التحالف الموجودة هناك بإنها (خداع) ومنقداً القول بـ(أن
العراق كان على الطريق لإنتاج أسلحة نووية) وهو زعم قال السناتور: (إن
الأيام أثبتت أنه غير صحيح).
ومعلوم أن مثيل هذه الآراء للسناتور المذكور
التي تحركها غاية التمهيد لفوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة
أكثر من أي شيء آخر إذ لوحظ على الإدارة الأمريكية الراهنة أنها أصبحت
تغير من نهج بعض جوانب سياستها في العراق على ضوء بعض المستجدات التي
لم تأخذ حسابها بكل دقة سابقاً ومن ذلك أن قرار أنقرة بعدم إرسال قوات
عسكرية تركية إلى العراق قد أيدته واشنطن بعد أن كانت تحث عليه وتحاول
إقناع الجانب العراقي لتقبله وتم ذلك بفعل تأثير وموقف مجلس الحكم
الانتقالي الذي حذر من قدوم أي قوة عسكرية من قبل دول الجوار إلى
العراق والاستعاضة عن ذلك بحسب رؤية واشنطن ولندن من أن تأمين مساهمة
عسكرية من الدول الإسلامية بالعراق يمكن أن يكون بديلاً أفضل لتدارك
جرائم إرهابيو صدام مع الآخذ بعين الاعتبار أن قرار تواجد القوة
العسكرية المتعددة الجنسيات في العراق إذا ما نفذ تحت إشراف الأمم
المتحدة فسيكون أفضل من حيث المقارنة بحسب ما يرتئيه الرأي العراقي
العام قبل غيره. |