رغم أصداء الانفجارات والرصاص والصواريخ يمارس معظم
سكان مدينة بغداد البالغ تعدادهم خمسة ملايين نسمة حياتهم اليومية
ويباشرون أعمالهم بصورة شبه عادية.
فالشوارع التي كانت خاوية وسط موجة السلب والنهب
وغياب القانون بعد الحرب التي أطاحت بالرئيس السابق صدام حسين باتت تعج
الآن بالمارة حتى بعد حلول الظلام. ويوم اول من امس كانت أرصفة حي
الاعظمية خلف جامع الإمام أبو حنيفة النعمان مكتظة بالمارة والباعة
الذين يعرضون سلعا متعددة بدءا بسجاد الصلاة وانتهاء بأقراص (دي. في.
دي). وتلألأت أضواء المتاجر المختلفة التي باتت تنعم بنشاط جيد. وقال
تجار ان الامن تحسن لكنه ليس قريبا بأي حال من المستويات التي كان
عليها قبل الحرب.
وقال تيمور عبد العزيز، 30 عاما، وهو جالس أمام آلة
الحاسبة بمتجر الاقمشة الذي يمتلكه أخوه بينما يتحرك المشترون أمامه
ويصعدون السلم الى قسم الملابس الرجالي «ان النظام السابق كان ظالما
لكن الامن كان مستتبا».
وبينما كان عبد العزيز يتلقى أوراقا مالية ما زالت
تحمل صورة صدام قال ان الناس لا يتأخرون خارج منازلهم كما دأبوا في
رمضان، اذ ان السلب والنهب واطلاق النار ما زال متفشيا.
لكن محمد قدوري ناجي الذي يبيع الحلوى وأدوات
الزينة في كشك على الرصيف قال ان زيادة دوريات الشرطة شجعت المزيد من
الباعة على الخروج للعمل بعد حلول الظلام. وقال «كلما رأينا مزيدا من
دوريات الشرطة شعرنا بقدر أكبر من الثقة». وشكلت الادارة التي تقودها
الولايات المتحدة بالعراق قوة شرطة على وجه السرعة. ويبلغ قوام هذه
القوة حاليا نحو 60 ألف فرد. وتقول الادارة انه رغم ان أخبار الهجمات
ذات الدوافع السياسية تتصدر عناوين الصحف فان الشرطة ساعدت في خفض
أعداد الجرائم الخطيرة كالقتل والسطو المسلح بنسبة 40 في المائة خلال
الشهرين المنصرمين.
اما القوات الاميركية فقد بدأت تشعر بقدر من الثقة
في الامن ببغداد مما دفعها لان ترفع خلال شهر رمضان حظر التجول الليلي
الذي فرض بعد الحرب. وأسعد هذا القرار أصحاب المطاعم والمقاهي التي
تغلق في نهار رمضان وتفتح أبوابها ليلا.
يقول زياد يحيى صاحب مقهى دبي الذي يتجمع فيه
الشبان ويستمعون للأغاني الصاخبة ويلعبون النرد أو الدومينو «القرار
أسعدنا كثيرا وشجع الناس على الخروج من منازلهم». وقال يحيى ان مقهاه
يظل مفتوحا حتى الساعة الثانية صباحا أحيانا وتمنى لو يتمكن من مد
ساعات العمل حتى الرابعة أو الخامسة صباحا كما اعتاد ان يفعل في شهر
رمضان الماضي. وقدم يحيى تفسيرا آخر لسبب بقاء العراقيين خارج منازلهم
لفترات أطول قائلا «ان أصوات الرصاص والانفجارات لا تزال تتردد من آن
لآخر لكن الناس اعتادوا عليها». وقال «من قبل كنا نهرع لمنازلنا فور
سماع انفجار. أما الآن أصبحت هذه ظاهرة عادية بالنسبة لنا».
من جانب اخرأعرب الحاكم المدني الاميركي على العراق
بول بريمر عن خشيته من ان تتكثف الهجمات خلال الاشهر المقبلة، وقال ان
مئات الارهابيين المحترفين قد تسللوا الى العراق. واضاف بريمر في
مقابلة مع صحيفة «التايمز» البريطانية نشرت امس «اننا سنواجه أكبر عدد
من الهجمات كما سنواجه ارهابا أكبر لان الارهابيين يرون ان اعادة
الاعمار في العراق تسير عكس رغباتهم».
وأوضح ان «مئات الارهابيين» المحترفين تسللوا الى
العراق من الدول المجاورة. وأضاف «هذا الامر سيفرض أكثر من مشكلة خلال
الاشهر المقبلة». وأكد قائلا «مع ذلك فان هؤلاء (الارهابيين) لن ينجحوا
في حمل قوات التحالف على مغادرة العراق قبل تشكيل حكومة عراقية جديدة».
واضاف ان «النتائج في حال فشلنا ستكون خطيرة جدا وستكون حاسمة بالنسبة
للعراقيين وربما ايضا لمنطقة الشرق الاوسط». واعرب بريمر عن استعداده
لدراسة اقتراح وزارة الداخلية العراقية بتشكيل «قوة خاصة» من عناصر
الميليشيات الكردية المختلفة او الشيعية على ألا تضم هذه القوة عناصر
من اجهزة مخابرات نظام صدام حسين. وأقر بأن معرفة عناصر هذه الميليشيات
للأرض وقدراتها في رصد العناصر الاجنبية في العراق هي بالتأكيد اكبر من
قدرات قوات التحالف. واعرب عن تعاطفه مع الشعب العراقي، وقال «ان
الوقوع تحت الاحتلال ليس مريحا، وليس مريحا ان نكون قوة احتلال». |