إن العراق اليوم مقبل على أبواب مرحلة جديدة
فرغم وجود قلاقل مؤثرة على الوضع الأمني بصورة عامة داخل البلاد يقوم
بها أعداء العراق من الصداميين الخونة فإن تبلورات سياسية هامة تنشط
لانبثاق الدستور العراقي الدائم وفقاً لجدولة معينة وعلى أمل تنجز مهمة
إصدار الدستور الآنف بأوائل الصيف القادم وبحدود شهر حزيران 2004م
القادم.
طبيعي أن إصدار الدستور الدائم للبلاد معناه أن
العراق سيقبل عملياً على مرحلة تستحق فعلاً أن تسمى جديدة وممكن أن
تساهم تلك المناسبة الضرورية في إحداث نقلة نوعية في أداء البرامج
السياسية الطموحة للحكم الدستوري القادم إلا أن خطوات المقاضاة العناصر
الصدامية أولاً من الاستماتة لأجل أن يصبح أمراً واقعاً حقاً على الأرض
لا بد وأن يناضل لأجله الجميع في طرف مجلس الحكم الانتقالي العراقي ومن
الآن وأن يتعاون الجميع للحد من بشاعة جرائم عصابة صدام اللامسؤولة
وبالذات بعد تناقل آخر الأخبار بأن القوات العسكرية الأمريكية ستنخفض
حتى منتصف السنة القادمة 2004 إلى (100) ألف عسكري بدل من (130) ألف
عسكري حالياً وذلك بعد أن دخل العراق مرحلة مربكة من حيث قيام العمليات
الإرهابية بتنشيط تفجيراتها المتوالية.
طبيعي أن حرمة شهر رمضان الجاري لا وجود لها في
ضمائر من أجاز فيه قتل المواطنين العراقيين الصائمين بلا وازع من أي
وطنية أو إيمان بالله تبارك وتعالى فالمجتمع العراقي لديه فكرة تقول أن
محور الصراع الآن هي بين الشعب العراقي وأعدائه رغم أن تعريض الخلاف
القائم بين العراقيين والمحتلين سينتهي تزامناً مع صدور الدستور الذي
سيكفل مجرد نشره على الرأي العام في العراق مرحلة البناء الحقيقي
للأعمار والمؤسسات تشريف على تنفيذ برامجه حكومة دستورية جديدة.
أما أولئك السياسيين الذين يشيرون إلى أن قوات
التحالف الأنكلو – أمريكية العسكرية سوف لن تغادر العراق فيمكن مناقشة
موضوعها كأن يعتمد على فرضية تقول باختصار شديد أن على تلك القوات وضع
برامجها العسكرية بما يؤدي فعلاً إلى مغادرتها ولكن ليس قبل استتباب
الأوضاع الأمنية في العراق وحتى ذلك الحين يمكن اعتبار وجود تلك القوات
حالياً في العراق من الأمور المحبذة الممكن بواسطتها حماية أمن البلاد
قدر الإمكان وعدم فسح المجال للقوى الصدامية الظلامية أن تعود مرة أخرى
لدست الحكم.
ولعل مناقشة هادئة مع رموز قيادة قوى الاحتلال
في لندن وواشنطن من الأهمية بمكان فهذه القيادة الأنكلو – أمريكية
المشتركة تدعي أنها ليست في نيتها البقاء في العراق وهذا هو الجانب
الغالب في تصريحات حكومتا لندن وواشنطن وأنهما فعلاً جاءا محرران
للعراق رغم أن الصيغة الظاهرة يتسم بشكل احتلال وهذا يعني أن تواجد تلك
القوات ليس على خطى الاستعماريين الأولين بحسب مضامين الخطابات الرسمية
البريطانية والأمريكية.
ومع أن الانطباع السياسي العام لدى الشعب
العراقي أن حكم صدام السابق لم يكن حكماً وطنياً ولا حكماً شعبياً بل
حكم أفراد شياطين اتخذوا من نشر الجرائم السياسية داخل العراق وسيلة
للبقاء في حكم العراق لذلك فإن العراقيين يرفضون مبدأ (النصر أو
الشهادة) التي يرفعها بعض مرتزقة النظام الصدامي البائد من المواطنين
الأعراب المغرر بهم والذين يشاركون في تنفيذ العمليات الإجرامية
والإرهابية ضد الأهالي الآمنين تحت حجة محاربة المحتلين الإنكليز
والأمريكان، بيد أن النظام السابق لم يخطر مصالحهما على الصعيد العملي
وبصورة نهائية في المنطقة بأي وقت من الأوقات، أما من حيث التلاعب سلباً
بالألفاظ التي كان يطلقها صدام ضد الغرب عموماً فتلك مسألة تدخل في
تقييم العراقيين لها كـ(نكتة قديمة) كان الأجدر بصدام أن لا يطلقها
بذاك التسطيح المفتقر إلى تبرير قوي.
لقد خرج العراق يوم 9 نيسان 2003م من حالة اليأس
الشديد إلى حالة الأمل للتغييرات الجارية السياسية العالمية المعاصرة
وتحت تأثير فعل سياسة العولمة فالعراق هو غير العديد من الدول حيث
يتصدر حضارياً وفكراً وطموحاً دائرة تسليط الأضواء عليه وقد تيقن الرأي
العام العالمي كيف ان العراق بلد مؤثر في استقرار أو تخلخل الأوضاع
السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية في هذا الكون الأرضي إذ بقي مجتمعه
خارج قفص الاتهام فالجميع يعرف أن هذا المجتمع مظلوم لأن قدره كان دوماً
كونه بلد غني في ثرواته وتراثه الحضاري وأن نشاط أفراد عصابة سياسة ثم
اختيارهم بعناية في منتهى الخباثة من حثالة المجتمع العراقي ليقودوا
زمام أمور الدولة العراقية ليس فيه شيء جديد لكن أن تستمر تلك العصابة
في الحكم كان أمراً مرفوضاً وسيبقى كذلك.
إن العراقيين الآن يملكون رؤية سياسية وخبرة
متراكمة من التجارب الرافضة لأي إساءة للناس الأمنين وأن ما تقوم به
عناصر صدام المخلوع عن سلطة الحكم مسألة مرفوضة وحتى يتم قطع الاعتقاد
على تلك العناصر الإرهابية فإن الحل الشامل والعملي لهذه القضية غير
الشائكة واقعاً تقتضيها اتخاذ إجراءات تستجمع فيها آلاف المواطنين في
غير الذين تدور الشبهات حول تعاونهم مع النظام الصادق وتنظم لهم دورات
عسكرية (شرطية وأمنية) سريعة إذ بدون هؤلاء المواطنين لا يمكن أن يكون
هناك أي معنى عملي لمواجهة الإرهاب الصدامي المستفحل الآن في العراق.
إن العراق في يوم 9 نيسان 2003م قد شهد شيئاً من
الشعور من انعتاق النفوس عن أعلى نظام إجرامي برزت عناصره من بين الشعب
العراقي ذاته فلقد حاسبوا كل العراقيين الشرفاء على كونهم أعداء خطرين
على السلطة الصدامية القائمة فدفع مئات الألوف من الناس ثمن فاشية
الإجراءات القمعية التي وضعت مواطني العراق في ساحة المطلوبين للنظام
الصدامي حتى قيل أن العراق حقاً بلد العجائب والغرائب حيث كان النظام
ينظر إلى المواطنين العراقيين كمنافسين لأخذ السلطة منهم.
ولما كانت التجربة مع مظالم الحكم الصدامي لم
تنته بعد نتيجة لظهور الإرهاب الصدامي مرة أخرى في عهد مجلس الحكم
الانتقالي العراقي فإن تجهيز قوة عسكرية قوامها من تشكيلات أمنية
وشرطية حديثة ومحلية عراقية كفيلة للقضاء التام على صدام وعصابته
السياسية المغامرة. |